يدَّعي محمد علي أن خطته لإزاحة السيسي ستنجح بفضل علاقاته بالغرب وبعض رجال الأعمال، ويقول إن مطلع 2020 سيكون نهاية السيسي. وكان علي قد وعد في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمفاجأة للسيسي وابنه، بحسب قوله. وبعد ذلك بأسابيع خرج علينا في الـ20 من نوفمبر/تشرين الثاني بمؤتمر صحفي وُصف بالعالمي، ليُعلن فيه إطلاق خارطة إصلاح شاملة لإنقاذ مصر، وليقول إن هناك مجموعة من الخبراء والكفاءات والرموز السياسية تعكف على صياغة بديل، ووضع برنامج لحكومة منفى/ظل، تستعد لتسلم حكم البلاد فور إسقاط السيسي.
هكذا انتقل بسرعة محمد علي من حواري وأزقة الشعب إلى نواصي الساسة وميادين السياسة. ولربما أراده البعض أن يبقى في دور البطل الشعبي المُلهم، وآخرون نفضوا أيديهم عنه بعد أن خذلهم في تحقيق نجاح سريع خارق. والبعض أراده أن يتحول لناشط إعلامي يكشف السرقة ويفضح الفساد، وآخرون كانوا يرونه حالة إفاقة، على الشعب أن يستغلّها ويستثمر فيها لما بعدها، وعلى أي حال ها هي الأيام تُرينا ماذا يُريد محمد علي بنفسه لنفسه.
فقد ظهر محمد علي كشخصية لافتة بكل المقاييس، فهو واضح وغامض في الوقت ذاته، وعفوي على سجيته، إلا أنك تجده يقول كلاماً موزوناً بميزان من ذهب في أمور حساسة للغاية. وكذلك يدعي أنه يتحرك بعصبية و "هيبرة" دون تدبير، وفي نفس الوقت يقول إنه يمتلك خطة "عامل للسيسي بلان"، كل هذا يجعلنا أمام أحجية سائلة لا نعرف من أين نُمسك بأطرافها، فنُفند مزاعمها وندحضها أو نوافقها أو نُحللها أو حتى نُسائلها!
وإنني أشفق إشفاقاً بالغاً على محمد علي إن كان لا يدري ما يُفعل به ولا ما يفعله بنا. وإن كان كذلك فعليه أن يتراجع الآن وفوراً، لأنه بحسب روايته التي يُحب أن يُصدّرها: كل خطواته جاءت صدفة من دون ترتيب، وهذا قد يعني أنه الآن قد تم ابتلاعه من مجموعة ما تُحركه وتُسايره ليُمثل لها قاطرة في طريقها نحو أهدافها، وهذا أدعى للفشل له ولتلك المجموعة، كمن سبقه ممن رغبوا في ترميز أنفسهم في ساحات الثورة فأنهكوا وأربكوا الناس والثورة.
أو أنه يعرف ما يُريد ويتحرك وفق تصور واضح ووعي كامل، ووقتها هذا جيد، ولكن هذا ليس ضماناً أن أهدافه هي نفسها أهداف الشعب وقواه الحية. ولذا علينا أن نراقب مباراة السيسي ومحمد علي بدقة وتركيز شديدين، لنعرف حقاً إلى أي مرسى ستنتهي وتؤول، فالسيسي في ظل الوضع الراهن وبعد أن سد كل الأبواب لن يرحل إلا في الحالات الآتية:
– الثورة.
– الحل السياسي.
ويبدو أن محمد علي ومن معه قد اختاروا سيناريو الحل السياسي كطريق للخلاص من السيسي، وربما نحن كشعب نريد الأعلى والأفضل (أي الثورة)، فنريد حسم أمور البلاد وتجاوز كل مظاهر الاستبداد والفساد والإجرام، إلا أننا وفي ظل وضع مؤلم صعب يُمكننا أن نقبل ونُمرر الأسهل (حل سياسي)، ولكن هذا لا يعني أننا نُعطي شيكاً على بياض لأحد، كما أننا لسنا جزءاً من اتفاقات السياسيين وأحلامهم أو أوهامهم.
وبصراحة وببساطة لا يملك أحدنا إزاحة السيسي بانقلاب، والثورة صعبة ومُكلفة في ظروف كهذه، وتحتاج شعباً مستعداً مُضحياً وجهات منظمة فاعلة، لذا لا نمانع في حلّكم السياسي "ورّونا شطارتكم واعملوها"، ونعي جيداً أن الحل السياسي لن يمر إلا بموافقة وإذن غربي، والغرب له اشتراطات وطلبات، ونحن قد نتفهم جزءاً منها، بل ونستوعب أن الحل السياسي الجامع سيعني اختلاط الحابل بالنابل بالنشطاء بالسياسيين، ممن لهم مآرب أخرى غير تحرير مصر وشعبها وانتصار ثورة 25 يناير.
كل هذا نفهمه، ولكننا لسنا جزءاً من حلولكم، ولسنا ملزمين باتفاقاتكم ومواثيقكم وتعهداتكم وبرامجكم، ونستوعب جداً أن هذا غالباً ما جعل محمد علي يتحدث عن استفتاء إلكتروني سيُعرض على الشعب، ومن الآن نقول إننا نراقب ما ستستفتون الشعب عليه عن كثب، ولسنا مضطرين لقبول أي كلمة أو حرف ينتقص من حقوق الشعب وطموحاته أو ثوابته وتطلعاته.
فشعارات ثورة 25 يناير: "عيش- حرية- عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية-…"، ليست محل مساومة أو مساس، وكذلك حق الشعب في اختيار من يحكمه، وحقوق الشهداء والمصابين والأسرى، وحقوق مصر في الأرض والغاز والنيل، كل هذا وغيره لن يُباع أو يُشترى في مزادات لندن أو واشنطن أو مدريد، ونتابعكم بدقة، وفي الوقت نفسه لا نعوّل عليكم كثيراً حقاً! وإن كنا نتمنى لكم كل التوفيق والنجاح.
وأقول لكم بصوت خفيض: مَن خدعنا بإزاحة السيسي انخدعنا له واعين ولو إلى حين!.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.