استوقني تصريح سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال فيه إن أصول الفلسطينيين تعود إلى جنوب أوروبا، وتحديداً إلى جزيرة كريت اليونانية، وإنهم جاؤوا منها إلى فلسطين قبل ثلاثة آلاف عام. وأضاف أنه لا توجد أية صلة بين الفلسطينيين القدماء والفلسطينيين الحاليين.
ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى ما ردَّ به بعضُ المؤرّخين وقتَها، من أن ما زعمه نتنياهو يُعد مغالطة تاريخية، وإلى البيانات الرسمية الصادرة رداً على تلك التصريحات، التي أشارت إلى أن جذور الشعب الفلسطيني ضاربة في هذه الأرض.
وأودّ أن أضيف شيئاً مهماً لم تتناوله تلك التصريحات أو البيانات سالفة الذكر، خصوصاً أنني عشت في اليونان لفترة طويلة أثناء فترة الدراسات العليا، وزرت جزيرة كريت تحديداً لعدة أيام، ما مكّنني من التعرف عن قرب على تلك الحقبة الزمنية الهامة، خصوصاً أن بعض مضيفيّ من آباء وأجداد زملائي اليونانيين كانوا دائمي الحديث عن الفلسطينيين الذي سكنوا مدينة كريت، ويُطلق عليهم في اليونانية اسم
(Οι Φιλισταιοι).
وتلك الإضافة تتعلق بما أشار إليه بعض المؤرخين اليونانيين الموثوقين، الذين تناولوا الفلسطينيين بالدراسة، أنهم أحد شعوب البحر، وأنهم كانوا يسكنون في منطقة كنعان آلاف الأعوام قبل الميلاد، وتمت الإشارة إليهم باسم الكنعانيين. وتشير تلك الدراسات إلى أنهم أسلاف الفلسطينيين المعاصرين الذي يقيمون في فلسطين حالياً، ما يدحض فكرة عدم وجود أية علاقة بين الفلسطينيين القدماء "الكنعانيين" وبين الفلسطينيين المعاصرين الذين يسكنون أرض فلسطين.
وبخصوص إقامتهم في جزيرة كريت كبيرة المساحة، نستطيع القول إن بعض هؤلاء هاجروا إلى تلك الجزيرة ألف عام ونيف قبل الميلاد، عن طريق البحر، حسب هؤلاء المؤرخين اليونانيين الموثوقين، كونهم أحد شعوب البحر كما أسلفنا، وأقاموا فيها لفترة، وأُطلق عليهم اسم الفلسطينيين، كونهم جاؤوا أصلاً من أرض فلسطين، التي كانت تسمى أرض كنعان أيضاً، ومن ثم عادوا إلى موطنهم الأصلي بعد فترة مثل أي شعب آخر يغادر بعض أبنائه وطنَهم الأصلي لفترة، ثم يعودون إليه.
ولعل تلك التسمية التي أطلقت عليهم تشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى أنهم جاؤوا من فلسطين إلى جزيرة كريت، وأنهم عندما عادوا إلى فلسطين إنما عادوا إلى موطنهم الأصلي، الذي غادروه لفترة وجيزة، ما يدلل على صحة تلك الأطروحة التسمية التي أُطلقت عليهم، والتي تدحض أي ادعاء نقيض كونها تشير إليهم باسمهم، نسبة إلى وطنهم الذي جاؤوا منه ابتداء، وأقصد تسميتهم بالفلسطينيين نسبة إلى فلسطين، وإلا فالتساؤل المطروح: لماذا سُموا بالفلسطينيين عندما سكنوا جزيرة كريت اليونانية؟.
ومما يجدر ذكره أن الفلسطينيين "الكنعانيين" قاموا في أثناء إقامتهم بجزيرة كريت اليونانية بنقل بعض سمات تراثهم وحضارتهم إلى شعب تلك الجزيرة، من ذلك مثلاً قيامهم بنقل السمات الخاصة بأوعية الفخار، التي كانت مستخدمةً في الفن الكنعاني على نطاق واسع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.