"صفحات سوداء من التاريخ" هو عنوان تاريخي يتحدث عن هزائم عربية متكررة أمام إسرائيل.
تكررت الهزائم العربية منذ العام ١٩٤٨م حتى مؤتمر مدريد للسلام في العام ١٩٩١م الذي أنهى مراحل الصراع العربي الإسرائيلي فعلياً.
بين النكبة الفلسطينية والنكسة العربية سقطت فلسطين
ارتبطت جذور الصراع العربي الإسرائيلي بصراع عقائدي وأيديولوجي منذ العام ١٩٤٨م مع ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين إبان حكم الانتداب البريطاني.
فكانت أولى الحروب بين الجيوش العربية والكيان الصهيوني مع بداية النكبة الفلسطينية في العام ١٩٤٨م، بما عرف بحرب جيش الإنقاذ العربي ضد الكيان الصهيوني، فشاركت كلٌ من الأردن، والسعودية، ومصر، وسوريا، والعراق، ولبنان، في حروب ضد العصابات الصهيونية المدعومة من الانتداب البريطاني في ذلك الوقت، انتهت باستيلاء العصابات الصهيونية على أجزاء كبيرة من فلسطين، واستقرار الحال ببقاء أجزاء من الأرض الفلسطينية تحت حكم العرب، وهي الضفة الغربية تحت الحكم الأردني، وقطاع غزة تحت الحكم العسكري المصري.
لم يتوقف العدوان الصهيوني المدعوم دولياً عن الاستيلاء على أجزاء من فلسطين فقط، ففي العام ١٩٥٦م شنت إسرائيل حرباً على مصر بما عرف بالعدوان الثلاثي، والذي شاركت فيه كل من إسرائيل، وبريطانيا، وفرنسا، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك العدوان هو تأميم قناة السويس إبان حكم جمال عبدالناصر، انتهى ذلك العدوان الذي كسبت فيه إسرائيل ضمان حرية مرور سفنها بخليج العقبة (مضيق تيران) وقناة السويس، ودخول قوات الطوارئ الدولية إلى منطقة النزاع للفصل بين القوات، مما سمح بإنشاء منطقة عازلة بين مصر وإسرائيل كنتيجة غير معلنة حققتها إسرائيل.
اشتدت حدة الصراع العربي الإسرائيلي على الأرض العربية، عندما بدأت الدولة الصهيونية بالتوسع الفعلي خلال حرب ١٩٦٧م، بما عرف بحرب النكسة والتي نشبت بين كلٍ من مصر، وسوريا، والأردن، ضد إسرائيل، هزمت خلالها الجيوش العربية مجتمعة، وانتهت تلك الحرب بصدور قرار مجلس الأمن رقم "٢٤٢"، القاضي بوقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيلي من الأراضي العربية التي تم احتلالها مؤخراً والاعتراف العربي بإسرائيل، وعدم ربط قضية فلسطين بالصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك نص القرار في بنوده على احترام سيادة دول المنطقة على أراضيها، وحرية الملاحة الدولية، وحل مشكلة اللاجئين، وإنشاء مناطق منزوعة السلاح، وسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، إلا أن إسرائيل تنصلت من الالتزام بالقرار الأممي رقم "٢٤٢" ورفضت الاعتراف به، واكتفت بوقف لإطلاق النار، وهو أشبه بتوقيع هدنة بين العرب وإسرائيل.
في العام التالي وقعت أيضاً بما عرف بحرب الاستنزاف، في محاولة عربية لاسترجاع الأرض العربية المصرية، لكنها لم تسفر عن أي تغيير للواقع الذي فرضته إسرائيل على العرب، وانتهت بقبول الرئيس المصري جمال عبدالناصر بمبادرة روجرز لوقف إطلاق النار في العام ١٩٧٠م، وفي نفس العام توفي الرئيس المصري جمال عبدالناصر إثر إصابته بنوبة قلبية، ثم تولى أنور السادات الحكم بصفته نائباً للرئيس الراحل.
لقد كانت أبرز الحروب العربية التي خاضتها مصر في عهد أنور السادات، بما عرف باسم حرب أكتوبر أو حرب تشرين التحررية ١٩٧٣م، والتي تخللها عدد من الانتصارات للجيش المصري على الجبهة، ثم وساطة أمريكية بتوقيع اتفاق فض الاشتباك في العام ١٩٧٤م، وبدأت جملة من المفاوضات السرية بين المصريين والأمريكيين، تمهيداً للدخول في مفاوضات مباشرة بين الطرف المصري والإسرائيلي، تمخض عنها توقيع معاهدة سلام بعد الحرب بعدة سنوات عرفت باتفاقية كامب ديفيد في العام ١٩٧٨م – ١٩٧٩م، أبرز ما نصت عليه تلك الاتفاقية إنهاء حالة الصراع والحرب بين إسرائيل ومصر، وتحسين العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية للبلدين مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وتطوير مشاريع سياحية خاصة بسيناء، وعلى اثر ذلك الاتفاق تم تعليق عضوية مصر بالجامعة العربية من العام ١٩٧٩م حتى العام ١٩٨٩م، بما اعتبره العرب هزيمة أمام إسرائيل وتنازل عن الحقوق العربية، ولاحقاً تم عرض إشكالية منطقة طابا على التحكيم الدولي الذي حكم بين العام ١٩٨٨م والعام ١٩٨٩م بالسيادة المصرية عليها، واستطاعت مصر استرداد كامل السيادة على سيناء تدريجياً، وإعادة أجزاء من الجولان ومدينة القنيطرة لسوريا، وإقامة حزام أمني على طول الحدود ومنطقة منزوعة السلاح.
كانت مفاوضات ما قبل توقيع اتفاق كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل تجري على قدمٍ وساق، بالتزامن مع وقوع معارك وعمليات للجيش الإسرائيلي هدفها محاصرة قوات منظمة التحرير الفلسطينية، التي اتخذت من الجنوب اللبناني نقطة انطلاق للعمليات العسكرية ضد إسرائيل، حتى شنت إسرائيل ما أطلق عليه اسم عملية الليطاني، نسبة لنهر الليطاني في الجنوب اللبناني وذلك عام ١٩٧٨م، والتي انتهت بتدخل أممي بوضع قوات حفظ السلام الدولية، وانسحاب جزئي إسرائيلي من الجنوب اللبناني.
استمرت محاصرة منظمة التحرير الفلسطينية، ومحاولات طردها من لبنان خلال الغزو الإسرائيلي، بما عرف بعملية السلام للجليل أو عملية الصنوبر في العام ١٩٨٢م، وانتهت تلك الحرب بخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت وانسحاب إسرائيلي من الأراضي اللبنانية، ثم تبع ذلك انسحاب فعلي للجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في العام ٢٠٠٠م.
كانت تلك الحروب مجتمعة بين الهزيمة والانتصار هنا أو هناك، عبارة عن مرحلة توسعية للكيان الإسرائيلي، استطاعت إسرائيل من خلالها السيطرة على فلسطين كاملة، وأجزاء من الأراضي العربية في سيناء، وهضبة الجولان، والجنوب اللبناني، وإقامة مناطق عازلة منزوعة السلاح من خلال الاتفاقيات، لضمان أمن ومستقبل إسرائيل.
لقد لعبت الاتفاقيات التي فرضت على العرب والفلسطينيين خلال تلك الفترة التاريخية السابقة الذكر دوراً بارزاً، في فرض معادلات سياسية جديدة على العرب، والتي كان أبرزها اتفاقية كامب ديفيد، ومن ثم مؤتمر مدريد في العام 1991م، وصولاً باتفاق أوسلو مع الفلسطينيين في العام ١٩٩٣م، ثم كامب ديفيد الثانية في العام ٢٠٠٠م، وطابا في العام ٢٠٠١م، وانتهاءً بعددٍ من المبادرات التي لم تنجح، حتى توقفت عملية السلام نهائياً مع الفلسطينيين باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، عندما وصل الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي الى طريق مسدود بالوصول لسلامٍ شامل وعادل عبر مفاوضات الحل النهائي، وذلك بعد تنصل إسرائيل من بنود اتفاق أوسلو وقتل عملية السلام نهائياً.
نستطيع الحديث الآن عن نهاية عقود من الزمن تمثلت بصراعٍ عربي إسرائيلي منذ العام ١٩٤٨م حتى العام ١٩٩٣م، انتهت بتوقيع اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل، وخسارة الأرض العربية الفلسطينية، إضافة الى بعض الأراضي العربية، وكنتيجة لتلك الاتفاقيات تم عزل القضية الفلسطينية عن العالم العربي.
مجمل القول في الصراع العربي الإسرائيلي، هو أن اتفاقيات السلام التي تم توقيعها، تعتبر بمثابة تقديم تنازلات عن الحقوق العربية، وتحول الصراع من صراع الكل إلى الجزء في مواجهة فلسطينية منفردة ضد إسرائيل.
انتكاسة العرب الجديدة والتطبيع العربي
هل العرب أمام نكسة وهزيمة جديدة أو مشروع سلام جديد مع إسرائيل؟
عندما نتحدث عن التطبيع نجد التناقض الغريب في التاريخ بربط الماضي السياسي بالحاضر السياسي العربي، الذي كان يتمحور حول الصراع العربي الإسرائيلي على الأرض، والذي تخلله مجموع الهزائم تارةً ومجموع الانتصارات تارةً اخرى، ليتحول حاضرنا السياسي العربي إلى تطبيع مع الكيان الصهيوني.
اليوم نشهد نقطة تحول سياسي كنتيجة لحقبة زمنية منتهية مليئة باتفاقيات السلام العربية، والتي انتهت باعتراف عربي بالكيان الصهيوني بما في ذلك اعتراف فلسطيني بالدولة الإسرائيلية، وكنتيجة لمجموع الهزائم العربية والاتفاقيات غير العادلة، أصبح مجموع العرب هم الأضعف أمام دولة إسرائيل.
لقد تحولت العلاقات العربية من خلال اتفاقيات السلام والتدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط منذ العام ١٩٩١م، وما تلاه من غزو أمريكي للعراق في العام ٢٠٠٣م إلى تطبيع عربي.
ففي العام ٢٠٠٢م تقدمت الدول العربية المشاركة في قمة بيروت بمبادرة السلام، وهي مبادرة هدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود ١٩٦٧م، مقابل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
لقد جاءت الاعترافات العربية المتتالية بالكيان الصهيوني، كبداية للتطبيع مبتدأه باعتراف مصر بموجب اتفاق كامب ديفيد، ومنظمة التحرير الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو، ثم توالت الاعترافات الرسمية بدولة إسرائيل، فاعترفت الأردن بموجب معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بدولة إسرائيل، وكذلك دولٍ كقطر، وتونس، والإمارات التي قبلت بدخول الإسرائيليين لأراضيها لغرض الترانزيت، رغم أن معظم تلك الدول وضعت تحفظاً على عدم قبول جوازات السفر الإسرائيلية، إلا أنها تعتبر معترفة بإسرائيل كدولة أمر واقع، يعترف بها المجتمع الدولي، وذات عضوية في الأمم المتحدة منقوصةً ومشروطةً بعودة اللاجئين، فالاتفاقيات التجارية، والاتفاقيات السياسية، والتمثيل الدبلوماسي في بعض البلدان العربية، هو بمثابة اعتراف جزئي بدولة إسرائيل.
لقد تطورت العلاقات العربية الإسرائيلية حتى وصلت إلى ذروتها بالزيارة التي قام بها نتنياهو لسلطنة عمان مؤخراً، وبعض الزيارات الدبلوماسية بحجة طرح قضايا حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كبديل عن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
استطاعت إسرائيل مؤخراً فرض نفسها على العرب كراعي سلام حقيقي في المنطقة العربية، من خلال صفقة العصر في محاولة منها لتقزيم القضية الفلسطينية عربياً، وطرح الحلول الاقتصادية كبديل للحلول السياسية مع الفلسطينيين وهو الهدف الرئيسي الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه.
بين الرفض والقبول العربي لصفقة القرن شاركت عدد من الدول العربية في المؤتمر، كان على رأسها البحرين التي رحبت بصفقة القرن منذ البداية، وكذلك شاركت مصر، والأردن، وقطر، والإمارات، والمغرب.
لقد تسببت صفقة القرن في شرخ بين الأنظمة العربية المشاركة وشعوبها، فعبرت الشعوب العربية عن سخطها ورفضها للمؤتمر والتطبيع مع الكيان الصهيوني، بما في ذلك شعب البحرين الذي أقيم على أرضه مؤتمر المنامة.
أختتم الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي، بتحول سياسي خطير كنتيجة لاتفاقيات السلام الموقعة مع العرب، تمثل في التطبيع العربي اليوم الذي وصل إلى ذروته، وذلك بمشاركة الوفد الإسرائيلي الرياضي لدولٍ عربية مختلفة، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية، وتبادل تجاري، وزيارات متكررة للوفود العربية لإسرائيل، وتصريحات رؤساء دول عربية هنا وهناك تشير إلى العلاقات المتبادلة بين العرب وإسرائيل.
لقد كان العام ٢٠١٨م حافلاً بالزيارات المتبادلة بين الوفود العربية والوفود الإسرائيلية بحسب ما رصدته وكالات الأنباء الإخبارية نذكر منها، زيارة رسمية لوفد عراقي عالي المستوى لإسرائيل، وزيارة وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغيف للإمارات على رأس وفد رياضي مشارك في بطولة الجودو، كذلك زيارة وزير الاتصالات الإسرائيلي إلى دبي للمشاركة في مؤتمر دبي حول أمن المعلومات، والاتصالات، ومشاركة رسمية لإسرائيل في كأس العالم للراليات الذي أقيم في أبوظبي، وزيارة للأكاديمي المصري البارز سعد الدين إبراهيم لجامعة تل أبيب.
فهل نحن أمام مرحلة تاريخية انتقالية تشهد تحول في العلاقات العربية مع إسرائيل؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.