أكد أسطورة نادي تشيلسي فرانك لامبارد جدارته بقيادة البلوز هذا الموسم. وبالعكس فإن البداية الصعبة لم تحبط آمال لامبارد، بل غيّرت كثيراً من السيناريوهات متوقعة، ومنحته الفرصة لتثبيت أقدام شبان النادي الشرسين، خطوة خطوة.
أثبت فرانك قوة الصّاعدين إلى مصاف الفريق الأول دون شك.
لكن قبل ذلك دعنا نتذكر البداية رفقة ديربي كاونتي، عندما فصلت شعرة صغيرة فرانك لامبارد عن الصّعود إلى البريميرليغ، بفريق شاب لكن واضح المعطيات والمعالم. جانب فرانكي الصعود في الأمتار الأخيرة وبسبب تفاصيل صغيرة جداً.
لكن الأخبار القادمة من لندن فرصة العودة إلى دكة بدلاء الستامفورد بريدج، لقيادة ناديه الذي شهد ميلاد أحد أعظم الغائصين في تعقيدات وسط الميدان وتفاصيله.
هدم لامبارد معابد الحرس القديم في تشيلسي، وكتب نهاية محتومة لغالبية القدامى وبقاياهم. وعبر فرانك على حتمية المداورة بين أفراد المنظومة كاملة، كل فردٍ ملزم بإخراج 100% من قدراته، لخدمة المجموعة من أولها إلى آخرها.
رحل إيدين هازارد، وغادر دافيد لويز صوب آرسنال، وأُجلس جيرو على مقاعد البدلاء، فالملعب لم يعد متسعاً لافتراضات الماضي. ويمكننا مشاهدة نتائج عملية الهدم هذه، فرحلت المزاجية دون عودة، وتوفرت حلول لا محدودة.
الأرقام لا تكذب
إحصائيات موقع هوسكورد تصنع فريقاً متكاملا هجومياً مع نقص دفاعي واضح، فمن ست مباريات بين الدوري ودوري الأبطال والسوبر الأوروبي وكأس الرابطة الإنجليزية، سجل الفريق 36 هدفاً، من معدل تسديد بلغ 16.5 تسديدة كل مباراة. أي أن الهجوم يسجل من كل 6 تسديدات تقريباً، فمن 13 مباراة بين الدوري ودوري الأبطال يصنع الفريق 1.5 هدف لكل مباراة، 0.4 منها من كرات عرضية، 0.1 من تمرير بيني، وواحدة من لعبة مختلفة، مع ميلان الكفّة نحو الأطراف أكثر من غيرها في الإحصائيات السّابقة.
ولمواصلة البحث في تفاصيل الأرقام لإثبات توازن فريق تشيلسي، تحدثنا معدلات الاستحواذ بين البطولات الأربع السالفة الذكر، أن الفريق يصل معدّلاً مقداره 55%، تغلب عليها صبغة الدّقة في التمرير المتنوع، فأغلب فترات الاستحواذ على الكرة لا يخير فيها تشيلسي الكرة إلا بالقطع أو الافتكاك من أقدام اللاعبين. وذلك ما تشير إليه أرقام التمريرات الصحيحة التي تصل إلى 84% في أغلب المواجهات.
صنعة فائقة الإبداع على الرّقعة
إذا كانت الإحصاءات مجرد تفاهات عند أغلب المدربين، بل والمحللين أيضاً، فإن ما يقدمه الفريق على طول وعرض الملعب لهو دحض لكل أنواع الشك في رسم الأرقام تلك صورة جميلة لموسم البلوز بقيادة فرانك لامبارد. الإنجليزي لا يتردد في تصحيح كل خطأ عقب أي مواجهة، متشبعاً بتجربة ديربي كاونتي، وقبلها بمجموعة المدربين الذين تتلمذ على أيديهم، الرسم غير مهم، وإذا أشرنا قليلاً إليه فلا مشكل، ينطلق تشيلسي من بناء صلب سواء بالـ 4-3-3 أو الــ4-2-3-1 أو شكل 3-5-2 هجومياً، أو الـ 4-1-4-1 عند الــBuild-Up من الخلف، مع تنوع كبير في الانتشار وفي التمركز عبر غالبية المناطق عمودياً وعرضياً، في أنحاء خط الوسط كاملة، وعند العمق هجومياً قبل صعود الظهيرين.
القواعد الثابتة
لدى فرانك لامبارد مبادئ لا تهتز، أولها التمرير العمودي السّريع، وثانيها الضغط العكسي من أماكن متقدمة، يؤمن بذلك السرعة في التحول، والقوة في افتكاك الكرة، واستعادة الاستحواذ في أقرب مكان لمرمى الخصم. أضف إلى ذلك حرية في عملية الارتجال واتخاذ القرار من قبل حامل الكرة في جميع الوضعيات. وحرية في تحرك خط الوسط دون كرة بأسلوب مقيد نوعا ما، لخلق زوايا تمرير لحامل الكرة.
جورجينهو فكرة والأفكار لا تموت
قبل بداية الموسم لم يتوقع أحد أن يبقى جورجينهو كارتكاز بمثل أدواره مع ساري سابقاً. ومع قدوم فرانك لامبارد الواضح المعالم، لم يفقد جورجينهو مكانته، بل تحول إلى شرس يحمي المناطق الخلفية من وراء خط الوسط الضاغط في الهجوم، مع تقليد الإيطالي مهام ضبط إيقاع الفريق، وإيجاد الحلول السّريعة في البناء من أسفل الدائرة عبر التمرير العمودي.
يؤمن لامبارد لجورجينهو، خمسة حلول تمرير متاحة طول الوقت، الجناحان ينزلان بضع خطوات للأسفل مع زيادة امتار للدخول إلى العمق، صانع الألعاب حر في التمركز، وفردي خط الوسط كانتي أو كوفاسيتاش يتحركان في ما بين الخطوط، أو المناطق العمياء لشغل المساحة بين الدائرة والخط، ومع تقدم اللعبة هناك دائماً حركة مستمرة، وحركة متكررة لكسر الخط الأول للخصم.
ميزان وغرامات متساوية
إذا كان ساري رجلاً يحب امتلاك الكرة، ففرانك غير مهتم بذلك إلى حد الجنون، يصعب أحياناً أن تفقد الكرة دائماً، ولكنك تملأ ذلك الفراغ بالتحولات السريعة، ضد جميع الفرق في البريمرليغ خلال الموسم الحالي، هناك دائماً لعبة سريعة.. خاطفة.. قاتلة، تبادل كرات عمودي، يصبّ بالفريق في بضع ثوان إلى مواجهة مرمى الخصم وجهاً لوجه، الــ4-2-3-1 هي الخطة التي تغلب على لقاءات البلوز، رباعي دفاعي صلب، ينقلب إلى ثلاثي بصعود ماركوس ألونسو وعودة أزبليكويتا، وتقدم جورجينهو نحو الدائرة، مع اختلاف طفيف في تمركز كوفاسيتش، فالكرواتي غالباً ما يقف عرضياً قرب جورجي في حالات مختلفة لحماية الكرة قبل الصعود إلى الدائرة تقريبا، لأخذ الحيطة والحذر من افتكاك الكرة في منطقة Zone14.
يحمل فرانك كل تلك التفاصيل الصغيرة من أول البناء ثم الانتشار، للصعود عبر أربعة خطوط، ماستها ماونت، المتحرك بحرية تامة كــRoaming-PlayeMaker يستلم ويدور كحلقة وصل بين خط الوسط وخط الهجوم، فالشاب يشكل نقطة ازدواجية، كمحطة تمرير إلى الأجنحة أو نحو المهاجم الصريح تامي أبراهام ذي الدور الهام في تشتيت انتباه المدافعين، وفصل توقيت الرؤية نحو الكرة، ثم الدوران نحو أظهرهم.
على الأطراف، هناك يزرع فرانك الأفخاخ، ودائماً لمواجهة ظهير الخصم في وضعية 2 ضد 1 للدخول من الطرف، عملياً يؤدي الفريق سمفونية الصعود إما من العمق أو الأجنحة عبر المثلثات والمربعات، لصناعة القرار عبر الزيادة العددية المثالية، في مناطق موزعة، ولنزيد التفاصيل وضوحاً، فلعبة على الطّرف اليمين هي فرصة مثالية للإيقاع بالظهير في المنطقة المقابلة -أي اليسار- وكل ذلك بتمريرة قطرية تقلب أنحاء الملعب.
دون نسيان جودة القادمين من الدكة، الجالسون هناك على أحر من الحمر ينتظرون الفرصة، يعضون على الأصابع، وذلك ما أبانت عليه نوايا بوليسيتش، الأمريكي يجيد عدة أدوار، كمحور 8 أو صانع ألعاب، أو كجناح على الخط، غير تقليدي في أداء المطلوب، دون نسيان لوفتس تشيك المصاب، وروديغير في قلب الدّفاع، وهودسون أودوي والبقية، وعلى غرار بوليستش سيحذو البقية، ولا فرداً منهم سيحمل الراية البيضاء، وذلك يخدم لامبارد كثيراً.
ختاماً.. مقال غير كاف لشرح الحوادث المبهجة التي يصنعها شبان تشيلسي تحت يد المدير الفني الصاعد فرانك، إن صخب تولي الإنجليزي دفة قيادة الفريق غير مبالغ فيه، فكل تلك الجعجعة التي سبقت توليه المنصب صار لها طحين، وطحين لم يكن متوقعاً نهائياً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.