يبحث العالم الآن عن مكان أكثر أمناً وخالٍ من الطاقة النووية، فهي وإن كانت تحقق مزيداً من الاستقرار في إمدادات الطاقة للدول التي تنشئ محطات لهذا الغرض، فإنها تأتي ومعها كثير من الأمور التي تبعث على القلق، وأولها عنصر الأمان والخوف من حدوث كارثة نووية قد تمثل حدثاً مروعاً يهدد مناطق شاسعة تُجاور هذه المحطات أو المفاعلات.
لذلك فإنه من غير المقبول أن يسمح العالم بانتشار مثل هذه المحطات، التي قد تمثلاً تهديداً حقيقياً لمستقبل البشرية.
ورغم امتلاك دول كبرى مزيداً من الرؤوس النووية التي تمثل تحدياً حقيقياً للمجتمع الدولي الراغب في السِّلم وقوانين الحد من الانتشار النووي، فإن إنشاء بعض الدول هذه المحطات في مناطق أكثر اضطراباً وعرضةً للقلاقل في العالم أمر مقلق.
وهنا ينبغي الإشارة إلى عدة مناطق توجد بها هذه المفاعلات التي يمكن أن تكون سبباً في خراب واسع إذا استُهدفت أو تغيرت الظروف السياسية والعسكرية بالمنطقة بين عشية وضحاها، وعلى رأس هذه المناطق منطقة الشرق الأوسط، وبالتحديد إسرائيل، التي توجد وسط محيط كارهٍ ومُعادٍ لها، وقد يمثل إصرارها على تشغيل مفاعل ديمونة النووي تعدياً سافراً على المستقبل، حيث تعد المنطقة واحدة من أكثر المناطق التهاباً في العالم ومسرحاً واسعاً للعواصف السياسية والعمليات العسكرية التي لا ترحم. وإذا ما استُهدف المفاعل، بسبب عدوان إسرائيل المستمر على جيرانها، فإنها لن تكون الوحيدة التي تتضرر في هذه العملية، وإنما البلدان المحيطة كافة.
ومن النماذج الأخرى التي تدعو إلى القلق رغبة دولة أوزبكستان بوسط آسيا في بناء محطة نووية، وهو ما فجَّر كثيراً من النقاشات حول المشروع وأهدافه، والأسباب التي تدفع دولة تحقق عوائد ضخمة من الغاز الطبيعي إلى أن تلجأ إلى مثل هذا الحل، حيث قوبل هذا المشروع برفض كبير بين سكان المنطقة المحيطة به؛ خوفاً من تكرار حوادث نووية كتلك التي وقعت من قبلُ في أوكرانيا وروسيا واليابان. وبدأ القلق يساور جيران أوزبكستان نفسها.
ومن الناحية الاستراتيجية، فإن منطقة آسيا الوسطى ليست بالاستقرار التام الذي يضمن أن نغمض أعيننا عن سلامة مثل هذه المحطات، إذ تعد المنطقة منطقة صراعٍ وعرضة لتقلبات سياسية قد تسبب كثيراً من المتاعب، والمشكلات التي قد تكون أكثر فداحة إذا ما دخلت المحطات النووية طرفاً فيها.
فهذه المحطات قد تكون عرضة لاستهداف جماعة راديكالية مسلحة لا تأبه بنتائج الفعل بقدر ما يهمها إحداث الصدمة والحالة، وقد تكون أيضاً عرضة لاعتداء مسلح إذا ما حدثت اضطرابات أو صراعات.
وبالنظر في محطة أوزبكستان المرتقبة والمزمع إنشاؤها رغم المعارضة، فإنه قد تم التوقيع على اتفاقية بين حكومتي روسيا وأوزبكستان فى سبتمبر/أيلول لإنشائها، وسوف تبني الشركة الحكومية الروسية "روس أتوم" هذه المحطة في موقع بالقرب من بحيرة توزكان بإقليم جيزاكسي. وتبلغ تكلفة المشروع ما يقرب من 11 مليار دولار أمريكي. وسيتم تدشين أول وحدة من المحطة عام 2028.
ورغم أن أوزبكستان ستوفر ما يقارب 7 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً بعد إطلاق المحطة، وإذا قررت أوزبكستان بيع هذا الفائض من الغاز حتى دون تكريره، فسوف تجنى ما يقرب من 600-550 مليون دولار كل عام- فإن هذا لم يبعث الارتياح لدى سكان الدولة بالنظر إلى المخاطر الناتجة عن وجود مفاعل نووي إلى الجوار، حيث أسس نشطاء البيئة الأوزباك المعارضون لتنفيذ المشروع مجموعةً على موقع فيسبوك تحت عنوان "أوزباك ضد محطة الكهرباء النووية". وأرسلوا عريضة إلى الرئيس الأوزبكي، ورئيس مجلس الشيوخ ببرلمان أوزبكستان، والمدير العام لشركة "روس أتوم" الروسية، ولقيادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يقولون فيها إن الشعب الأوزبكي لم يُبد موافقته ولم يُستشر بشأن هذه المحطة. ولم يتم اتخاذ آراء المواطنين أو سكان المنطقة بشأن بنائها، وقد يعود هذا إلى أن الوضع في أوزبكستان ليس بالحرية التي تسمح باتخاذ مثل هذا الإجراء، حيث وقعت الدولة تحت حكم استبدادي في العقود الثلاثة الأخيرة.
المراقبون أشاروا إلى أن أصحاب فكرة إنشاء المحطة لم يأخذوا بعين الاعتبار الخصائص الجغرافية للبلاد، حيث إن إقليم جيزارسكي واحد من أكثر المناطق المعرَّضة للزلازل بالبلاد. ويتم تسجيل ما لا يقل عن 10-12 حالة من الزلازل، تتراوح درجاتها بين 1 و4 على مقياس ريختر. كما أن المناخ هناك غير مناسب لإيجاد أماكن آمنة لتخزين النفايات النووية. وهذا من أهم الدوافع التى يشير إليها الخبراء المحليون.
بالإضافة إلى خطر آخر، يتمثل في أن محطة الطاقة النووية ستصبح بعد تدشينها، هدفاً للإرهابيين والمتطرفين الذين يحملون عناصر من الحروب المختلطة وغير المتماثلة. علاوة على ذلك، فإن المنطقة التي يتم التخطيط لبناء المحطة فيها ليست بعيدة عن أفغانستان غير المستقرة. كما أن الوضع مضطرب ككل في آسيا الوسطى، وضمن ذلك أوزبكستان.
إن دول العالم، ومن ضمنها أوزبكستان وإسرائيل وغيرهما، ملزمة بالتصدي لفكرة قيام محطات نووية، ومنع انتشارها، فقد يؤدي استخدام هذا النوع من الطاقة إلى أضرار جمَّة للبشرية أكبر من النفع الذي قد يعود من ورائها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.