أثار إعلان العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، انتهاء العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر في معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية، الموقعة عام 1994 والمعروفة باسم "معاهدة وادي عربة"، وذلك في الخطاب الذي ألقاه مؤخراً لمناسبة افتتاح أعمال الدورة العادية لمجلس الأمة "البرلمان الأردني"- حالة من الفرح لدى الأوساط الأردنية والعربية، لكون ذلك الحدث شكَّل بارقة أمل للأردنيين والعرب، خصوصاً في ظل المتغيرات التي تعصف بالإقليم بشكل عام، والمنطقة العربية بشكل خاص.
ويمكن القول هنا إن قرار الأردن إنهاء العمل بكلا الملحقين إنما ينبع من قوة الموقف الأردني المستند إلى القانون الدولي، لكون المعاهدات تُعَد أهم مصادر القانون الدولي الأساسية، وهو ما يعني أن الأردن استخدم حقه المكفول له بموجب أحكام القانون الدولي. هذا بالإضافة إلى أن ممارسة الأردن لحقه في استعادة كلتا المنطقتين إنما ينبع من قوة وصلابة الجبهة الداخلية الأردنية في دفاعها عن قضاياها الوطنية والعربية، وليس عنا ببعيدٍ موقف القيادة الهاشمية بخصوص حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، خصوصاً المسجد الأقصى المبارك، ومواجهتها للضغوط ذات العلاقة بما عُرف باسم "صفقة القرن" التي أصبحت أثراً بعد عين، وإسنادها للموقف الفلسطيني القوي الرافض لتلك الصفقة المزعومة.
وينبغي التأكيد هنا أن استعادة أية أراضٍ عربية تعد حدثاً استثنائياً في حد ذاته، خصوصاً إذا كانت المناطق المستعادة ذات أهمية جغرافية وزراعية وسياحية واستراتيجية كالباقورة والغمر اللتين تمت استعادتهما مؤخراً بموجب أحكام القانون الدولي، كما أسلفنا. ولا أبالغ إن قلت إن استعادة كلتا المنطقتين تعد من وجهة نظر جيوسياسية وجيواستراتيجية ذات أهمية بالغة على المستويات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكون ذلك يؤدي إلى اتساع رقعة الأراضي الأردنية والعربية وبسط السيادة عليها، وهو ما يشمل الأراضي الزراعية ومصادر المياه، ذلك أن الباقورة خصوصاً ذات أهمية خاصة، لكونها نقطة التقاء نهرَي الأردن واليرموك، إضافة إلى التأثير النفسي الإيجابي لذلك على المزاج العام للشارع الأردني والعربي، الذي سئِم من حالة التردي والتراخي التي عانتها المنطقة العربية خلال العقد الحالي.
هذا فضلاً عن الرمزية التي تعنيها استعادة أراضٍ عربية محتلة باستخدام أدوات القانون الدولي، وهو ما قد يشكّل أساساً لاستعادة أراضٍ عربية أخرى مستقبلاً، من خلال اتباع الأدوات القانونية الدولية ذاتها، وهو ما يمكن القول معه إن ذلك الحدث المهم شكَّل رافعة ومرتكزاً لمزيد من الإنجازات المشابهة، وأرسى قاعدةً، مفادها أن الأراضي العربية المحتلة تمت استعادتها وفقاً لأحكام القانون الدولي ولم يتم التفريط فيها، خصوصاً أن المجتمع الدولي قد يتفهم المغزى الكامن وراء اتباع ذلك الخيار القانوني.
وكان الملحقان التابعان لمعاهدة وادي عربة (1/ب، 1/ج) قد أخضعا كلتا المنطقتين لنظام خاص، بشكل مؤقت، مفاده بقاؤهما تحت السيادة الأردنية دون خضوعهما، كاستثناء، لأحكام التشريعات الأردنية ذات العلاقة بالجمارك والهجرة والمساءلة الجنائية، وهو ما يشمل فرض الضرائب على الأنشطة الزراعية الخاصة التي كانت تمارَس فيهما من قِبل إسرائيليين. وتضمَّن الملحقان النص كذلك على سريانهما 25 سنة من تاريخ دخول معاهدة السلام سالفة الذكر حيز التنفيذ، على أن يتم تجديد العمل بهما تلقائياً لفترات مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بنيَّته إنهاء العمل بكلا الملحقين، قبل سنة من تاريخ انتهاء العمل بهما. وأعلن العاهل الأردني، بتاريخ 21 أكتوبر/تشرين الأول2018، إنهاء العمل بكلا الملحقين، واستتبع ذلك مخاطبة وزارة الخارجية الأردنية نظيرتها الإسرائيلية، وإخطارها رسمياً بخصوص عدم رغبتها في تجديد العمل بكلا الملحقين، أي وقف العمل بهما، وذلك استناداً إلى نصوص المعاهدة سالفة الذكر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.