"يمكنك أن تخرج شخصاً من روسينغارد.. لكنك لن تستطيع إخراج روسينغارد منه"
في روسينغارد، ذلك الحيّ السويدي الفقير الذي يعج بالمهاجرين من مختلف الأعراق والديانات، والذي يقع داخل مدينة تسمى "مالمو"، التي تنضوي بدورها تحت لواء مقاطعة "سكونا" في أقصى جنوب السويد، نشأ شاب من أصول بوسنية مسلمة. عانى الطفل من طفولة قاسية، أمُّه وأبوه مُنفصلان، أمه تعمل كعاملة تنظيف وأبوه مدمن للكحول، يروي الفتى ذو الطباع الحادة أن "أمه كانت تكسر عليه الملاعق من كثرة الضرب ثم تجبره على شراء ملاعق جديدة لتضربه بها مرة أخرى. بينما أبوه كان منشغلاً دائماً بحرب البلقان ولا يُعيره اهتماماً إلا عندما تنفد زجاجات الشراب من الثلاجة ليشتري له زجاجات جديدة".
هذا الشاب هو سارق الدراجات الهوائية السابق وأسطورة كرة القدم الحالية زلاتان إبراهيموفيتش.
يبدو أن زلاتان كان صادقاً عندما قال إنه لا يمكنك إخراج روسينغارد من قلب من نشأ بها حتى وإن غادرها، فطباع السويدي لا تشبه أياً من طباع نجوم عالم الكرة، حيث اللباقة والتواضع والروح الرياضية إلى آخر هذه الترهات التي تقتل المتعة كما يعتقد السلطان.
في الملعب الكل يخشى زلاتان، حكاماً ولاعبين ومدربين، لا أحد يرغب في تعكير مزاجه. وخارج حدود الملعب لا يجرؤ صحفيّ على استفزازه وإلّا كان مصيره كمصير تلك الصحفية التي سألته عن الشائعات التي تقول إنه مثليّ الجنس!
فما كان منه سوى أن طلب منها أن تصطحب أختها وتأتي إلى منزله ليريهما إن كان مثلياً أم لا!
يروي المدرب الفرنسي المُخضرم أرسين فينغر، المدير الفني السابق لنادي الأرسنال، أنه ذات يوم وصل إلى مكتبه تقرير من أحد كشافي اللاعبين في السويد، يفيد بأن هناك موهبةً صاعدة يُنصح بالتعاقد معها قبل أن يخطفها نادي أياكس الهولندي، لكن لم تتسن لفينغر الفرصة لمشاهدة تلك الموهبة وهي تلعب. لكن الفرنسي أنصت لكشافه وقام بالفعل بالاتصال بزلاتان وطلب منه إجراء فترة معايشة للوقوف على مستواه، فما كان من الشاب صاحب الثمانية عشر عاماً سوى الرد بأن زلاتان لا يقوم بتجارب أداء.
يكمل أرسين، لقد فاجأني برده، ما كل هذا الغرور والعنجهية لفتى لم يُغادر السويد بعد!
"أنا كالفيراري لكنك تستخدمني وكأنني فيات"
كان هذا رد إبراهيموفيتش على طلبات مدربه السابق بيب غوارديولا التكتيكية. في أعين زلاتان هذه الأدوار تقوم "بتحجيمه" وكبته في الملعب وتمنعه من إخراج كل ما لديه.
كانت مشكلة زلاتان الأساسية مع غوارديولا مشكلة فلسفية وسلوكية بالأساس كما ذكر في كتاب سيرته الذاتية "أنا زلاتان". الفلسفية تتعلق بشكل ومحتوى كرة القدم التي يجب أن يلعبها اللاعبون على أرضية الميدان، وأن يفهموا أن المدرب هو صاحب الكلمة العليا، وأنه صاحب القرار الأول والأخير في طريقة استخدام إمكانيات كل لاعب. أما المشكلة السلوكية فيمكن تلخيصها في رغبته أن يأتي إلى التدريب بسيارته اللامبورغيني بينما يطلبون منه في برشلونة قيادة "الأودي" دون تجاوز حدود السرعة.
إبراهيموفيتش له فلسفته الخاصة في كل شيء، ولا يمكنك أن تفرض عليه نمطاً معيناً مهما كان ثقلك. يكمل إبراهيموفيتش عن برشلونة: "كنت أشعر أنني أذهب إلى المدرسة وليس إلى التدريب، الكل يؤمن على كلام غوارديولا، لا مجال للنقاش، هذا لا يناسب زلاتان".
"إن لم تؤمن بالله، فإنك لا تؤمن بزلاتان"
يروي الكاتب ديفيد لاجركرانتر، كاتب السيرة الذاتية لإبراهيموفيتش، عن المقابلة الأولى له مع إبراهيموفيتش، فاجأه السويديّ بسؤال غريب: "ديفيد، هل تؤمن بالله؟"، يكمل ديفيد قائلاً: ظننت لوهلة أنني وقعت مع شخص متزمت دينياً، لكنه قطع صدمتي قائلاً: إن لم تؤمن بالله، فإنك لا تؤمن بزلاتان.
لم أستطع أن أجد تعليقاً على هذا الموقف.
الموهوبون في عالم الكرة ينقسمون إلى مدرستين؛ مدرسة "الشوكة والسكينة" ويتربع على عرش هذه المدرسة ريكاردو كاكا. حيث السهل المُمتنع، السلاسة في الأداء، حيث تعليمات المدرب يُضاف إليها لمسة خاصة من اللاعب.
بالطبع هذه المدرسة لها محبوها ومريدوها، لكن في الجهة المقابلة توجد مدرسة "الفَجَرة" ولم أستطع أن أجد اسماً أدق من هذا، وعلى قمتها الأسطورة الأرجنتينية دييجو أرماندو مارادونا ويليه فتى روسينغارد الأول إبراهيموفيتش، مِن الذين يملكون الموهبة الفذة والكاريزما الطاغية، الذين يتعاملون مع الكرة كما يحلو لهم هم لا كما يطلب المدير الفني، الذين يصنعون الفارق داخل المستطيل الأخضر وخارجه، أولئك الخارقون للعادة الذين يعطون كرة القدم نكهتها الخاصة، الذين يفوزون بالمباريات قبل خوضها.
سيصرخ أحدهم وأين ميسي؟
الكل صار يحب أو معجباً بميسي، الكل يستمتع بمراوغاته وأهدافه وركلاته الحرة. لكن أين الإثارة والمتعة إن كنت محبوباً من الجميع -ما عدا مشجعي ريال مدريد- أين أعداؤك وخصومك الذين تود إيذاءهم -نفسياً- باستعراضك، وبإشاراتك وحركاتك المستفزة، هذه متعة لا يدركها سوى المتيمين بالكرة، الذين يفرحون لخسارة منافسهم أكثر من فوز فريقهم.
عندما تشاهد الكرة بين أقدام إبرا تدرك لم خُلقت كرة القدم، وكأن لوحة إعلانية كبيرة تظهر أمامك كُتِب عليها: "Haters Watch Out".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.