الدقيقة الـ 48 من مباراة برشلونة وسلافيا براغ، والكرة مع أرثور ميلو أمام خط دفاع برشلونة، يضغط عليه بيتر أوليانكا، نعم اللاعب الذي سجل هدف في مرماه، لكن تلك تفصيلة غير مهمة. يحاول أرثور الدوران حتى يقلل من ضغط أوليانكا عليه، لا يهم كيف انتهت اللقطة ولا حتى كيف بدأت من الأساس، فأرثور كان هو السبب في فقدانها، واستطاع أوليانكا أن يشكل خطراً على مرمى تير شتيجن، وكان من الممكن أن يأتي التعادل مبكراً، لولا أن قطعها بيكيه وأعادها مرة أخرى إلى أرثور. مرة أخرى، كل هذه التفاصيل لا تهم، ما يهم هو ما فعله أرثور بعد هذا، دار بالكرة مرة أخرى وحاول أن يمررها للأمام.
حسناً لم أصب بالجنون بعد ولم يأت سالخ العقول وأكل عقلي، فأنت بالتأكيد لا ترى الأمر ساحراً. تقول الحكمة: "من ذاق طعم الهناء يصعب عليه رؤية المرار".
من قال تلك الجملة؟ لا أعرف بل ربما اختلقها عقلي الآن. حاول أن تتخيل أنك تسير في الصحراء لمدة 3 أشهر وانتهى مخزون المياه معك منذ أسبوعين، ولا تعلم إن كان البقاء بدون مياه لتلك المدة أمرٌ قابل للتطبيق أم لا، وتخيل أيضاً أنك قد وجدت بئر ماء، بالتأكيد لن تفكر فيما إذا كان الماء مسمماً أم لا، ولن تدرك حقيقة الماء إلا بعد أن تموت. ولكن تلك اللحظة التي وجدت فيها المياة لا تقدر بثمن، اللحظة التي توقف فيها حلقك عن الشعور بالجفاف لا مثيل لها. حسناً تخيل عزيزي القارئ أن برشلونة هو ذاك الشخص الذي عاش بدون ماء، الماء عند برشلونة هو خط الوسط دونه يموت الفريق ويحتضر. منذ أن رحل تشافي وبدأت لعنة الكبر تأكل أندريس إنيستا حتى رحل وتوقف الزمن عن الرأفة ببوسكيتس. صار بئر المياه هو لاعب في الثالثة والعشرين من عمره يدعى أرثور، وإن كان يعاني من بعض المشاكل إلا أنه غير مسمم. يقوم ميلو بما يتمناه مشجعي البلوغرانا، منذ رحيل تشافي وإنيستا وتصلب أطراف بوسكيتس. تخيل هذا، وستجد أن فقدان العقل هنا أصبح أمرٌ منطقياً بالفعل.
في أي شيء يكتب عن برشلونة حتى وإن كان مجرد خبر عابر فلابد من ذكر شيء في غاية الأهمية، الفريق لا يمتلك منظومة، لا يمتلك مدرباً ليقوم بتطوير اللاعبين، ولا يمتلك إدارة قوية تستطيع أن تقيل المدرب. لذلك فالقليل الذي يظهر من أي لاعب جاء لهذا الفريق في آخر سنتين، لا يمكن الحكم الكامل عليه، بكل بساطة لأنه لا يشارك في منظومة، باستثناء مثلاً ديمبلي الذي يمكنك أن تستشعر رعونته في كثير من المواقف. لكن عند الحديث عن لاعب بقيمة أرثور، فنحن نتحدث عن لاعب يقدم أداءً عظيماً مثالياً بالنسبة لفرد في فريق بلا منظومة، رغم صغر سنه وحاجته للتطور على عدة مستويات، لكنه دائماً ما يظهر ثقة كبيرة بنفسه، تمكنه من أن يغدو لاعب كبير.
ربما ترى الأمر لا يستحق كل هذا، لكن دعني أذكرك بالمباراة الودية لبرشلونة ضد تشيلسي ضمن فترة الاستعداد للموسم الحالي. في تلك المباراة نُشر فيديو لراكيتيتش ودعني أخبرك ما كان فيه إن لم تشاهد المباراة مثلي تماماً ولم تشاهد هذا الفيديو، الكرة كانت مع راكيتيتش في منتصف الملعب، والمثير للإعجاب هو عدم تواجد أي لاعب ليقوم بالضغط عليه، لذلك فالحل الأكثر منطقية هو أن يمرر راكي الكرة للأمام، لكنه وفي مشهد يتكرر كثيراً، أكثر من عدد مرات فوز برشلونة بأداء ممتع مع فالفيردي، يمرر راكيتيتش الكرة للخلف. ربما لو أخذ قرار تمريرها للأمام لكانت الكرة تحولت لهجمة. لكن الكرواتي يميل لاختيار الحلول السهلة حتى وإن كان الأمر ليس بهذا التعقيد، هو يميل للسلام حتى وإن قتل المعتدين أعز ما يملك، وفي برشلونة فمثل ذلك السلام غير محبب. هذا ما لا يفعله أرثور، رغم اعترافي بأنه لاعب حَذِر، لكنه لا يقرر أن يحكم على هجمة تمتلك فرصة لأن تصبح هدفاً بالموت. هل لازالت ترى الأمر مبالغة؟
حسناً ربما قد تغير رأيك في إحصائية نشرت في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول للاعبي خط الوسط الذين شاركوا في 300 دقيقة أو أكثر في اللا ليغا تصدر أرثور قائمة أكثر من صنع فرص، حيث وصلت نسبته إلى تقريباً 1.4، وأكثر من قام بإرسال كرات بينية 2.8 لكل 90 دقيقة.
حتى لا تتهمنا بأننا ننسى، فإيفان هو أعظم لاعب
أنجبته كرة القدم ولكنه فقط غير مناسب لفريق مثل برشلونة، اعذرهم فهم مجرد حمقى
يودون طريقة لعب معينة ولا يقدرون النعمة الموجودة في أيديهم. شاركت النعمة، عذراً
راكيتيتش، في 34 مباراة في الموسم الماضي في الدوري الإسباني بدأ منهم 29 أساسياً،
بمعدل دقائق 77 دقيقة/ المباراة الواحدة. مع معدل تمريرات وصل إلى 74.6 تمريرة في
المباراة الواحدة، معدل التمريرات القصيرة الصحيحة 63.6 تمريرة، والخاطئة 5 تمريرة،
عدد التمريرات الطولية الصحيحة 4.6 تمريرة وعدد التمريرات الغير صحيحة 1.4 تمريرة.
بالنسبة لأرثور الذي شارك في 27 مباراة ولم يبدأ منهم سوى 19 مباراة ومعدل دقائقه
53 دقيقة/المباراة الواحدة. في الدقائق التي شارك فيها البرازيلي بلغ معدل
تمريراته إلى 47.4 تمريرة صحيحة. ووصل عدد تمريراته الطولية الصحيحة في المباراة
الواحدة 2.1 تمريرة وعدد التمريرات الغير صحيحة 0.4 فقط. أما عدد التمريرات
القصيرة الصحيحة 42.3 والغير صحيحة 2.7 تمريرة.
تخبرنا الأرقام أن راكيتيتش أفضل من أرثور على جميع الأصعدة، حتى في التمريرات
الأمامية، لكن أين تلك التمريرات، أين تذهب؟
ما قام به راكيتتش في مباراة تشيلسي الودية هو أمرٌ مكرر، لا يمكن أن تصفني بالتناقض لأن مع فالفيردي لا أحد يقدم شيء، لكن حتى من اللوتشو لويس إنريكي لراكيتتش وباستثناء موسمه الأول لم يقدم الكثير، راكيتتش مناسب لما يقدم من فالفيردي ألا وهو اللاشيء. أنا لا أقوم بمدح إلا لاعب لأن ما يقوم به في ظل تواجد فالفيردي هو معجزة، لكن هذا لا يمنع أن ثلاثية خط الوسط بتواجد دي يونج وارثور بوسكيتس ليست إلا ثلاثية فاشلة، وتواجد راكيتتش يمنع من أن تكون فاشلة لأنه يدافع قليلاً، لكن من الممكن أن يشارك دي يونج أرثور مع أرتورو فيدال.
في مباراة برشلونة ضد فالنسيا والتي انتهت بالتعادل الإيجابي 1-1 الموسم الماضي، قام أرثور بتمرير 142 كرة كان منهم 135 تمريرة صحيحة، أكبر عدد من التمريرات للاعب في مباراة واحدة، في موسمه الأول في مباراة في ملعب الميستايا، ولم يكن سوى في الثانية والعشرين من عمره، أرثور أظهر ثقة كبيرة، افتقدناها كثيراً حتى قاربنا على نسيانها.
في مباراته أمام توتنهام الموسم الماضي في دوري الأبطال أرثور مرر 70 تمريرة بلغ الصحيح منها 64. قبل هدف ميسي الثالث مرر الفريق 22 تمريرة شارك بستة منها، وقبل أن يمرر ميسي الكرة لألبا ليعيدها لليو ليسجل الهدف، ميسي لم يصبح واجباً عليه أن يهبط هو لنصف الملعب ويقوم باستلام الكرة من راكيتيتش في مناطق الأمان ليمر من سبعة لاعبين ويصنع المستحيل. فأرثور قد أرسلها له، أرثور أصبح هو حلقة الوصل بين ميسي وبين خط الوسط، أخيراً تواجد شخص ما ليساعده في الهجوم، الدفاع لم يكن قوة برشلونة الأولى، ولكن كان الهجوم جباراً، إلا وأن مع فالفيردي الاثنين لا يقلا عن البشاعة بشئ، فوجود أرثور قد ساهم في أن يكون الهجوم أكثر رقي.
حسناً حتى لا تظن أنني من شرطة المدافعين عن
أرثور، يتميز أرثور بكونه قادراً على التقليل من الضغط عن فريقه، يستطيع الخروج
بالكرة من تحت الضغط ويصعب فقدانها وهي تحت قدمه، فناهيك عن كونه في بدايته مع
برشلونة لم يشارك بشكل كبير إلا وأنه في كل مرة تطأ قدمه الملعب كان يقدم ما يجعل
الجميع في انتظار أن يأخذ فرصة كاملة، ولكنه عندما كان يشارك كان يميل لبناء اللعب
من عند الدائرة، كان يفضل البقاء في نصف ملعبه على أن يميل لنصف ملعب الخصم، كان
نادراً ما يتحرك للأمام، زاد الأمر بعد أن شارك مع منتخب البرازيل في الكوبا
أمريكا، فكان كاسيميرو يقوم هو بالواجبات الدفاعية وارثور يتقدم للأمام لبناء
الهجمات، مع القليل من الدفاع عن طريق اعتراض الكرة، ليس عن طريق العرقلة
والافتكاك كما يفعل كاسيميرو.
على الرغم من تطوره في تلك النقطة يبقى على أرثور أن يحسّن من تمريراته الطويلة،
وأن يتقدم بشكل أكبر ويصبح أكثر فعالية على المرمى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.