"أعتقد أن سر نجاحه معنا ومع الفريق هو لأنه لم يظهر لنا بثوب المدير، بل هو أقرب إلينا كأب من مدير أو مسؤول، نحن جميعاً نحبه كأب ونخاف منه كأب أيضاً"
الاقتباس أعلاه هو جزء من حديث لاعب ليفربول الإنجليزي السنغالي ساديو ماني مع مجلة فرانس فوتبول الفرنسية في بدايات شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. بهذه الكلمات يتبين لك الاحترام الكبير الذي يحظى به يورغن كلوب وسط لاعبيه ومدى تأثيره عليهم على الصعيد الشخصي قبل الكروي. والنتيجة هي فريق أرعب أوروبا بأكملها الموسم الماضي وكان منافساً عنيداً على لقب الدوري الإنجليزي في الموسم السابق والمتصدر والمرشح الأول للفوز بالبريميرليغ هذا الموسم.
ماينز، دورتموند، ليفربول.. أينما حل فهناك تحسن
بعمر الـ"52″ عاماً، ولم يدرب حتى الآن سوى ثلاثة أندية فقط هي المذكورة أعلاه، وبفلسفة وأسلوب حياة عملي أثبت به الألماني أن النجاح يكون في الاستقرار وإيمان من يوظفونك بمشروعك الذي تؤمن به. وهذا ما رأيناه في مسيرته مع ماينز الذي استمر معهم لمدة ثماني سنوات كاملة اكتسب خلالها الخبرة التي أهلته لقيادة نادٍ بحجم بروسيا دورتموند وجعله قوة عظمى يقارع به كبار أوروبا وينافس عملاقها المحلي فريق بايرن ميونخ وينتزع منه الألقاب المحلية وصولاً للعب ضده في نهائي دوري أبطال أوروبا.
النجاح الكبير مع الفريق الألماني وقدرته على تحويل النجوم المغمورين إلى نجوم يتطلع الجميع لمشاهدتهم على مدار سبعة مواسم كاملة عزز من قدرات المدرب في مجال صناعة النجوم وكشف عن قدراته النفسية والشخصية. ليبرهن كلوب أن المدرب ليس ذلك الرجل الذي يحمل "صفارة" في التدريبات ويقف على الخط موجهاً لاعبيه في المباريات، بل المدرب هو ذلك الشخص الذي يستطيع صنع الفارق من خلال منح الفرصة وزرع روح الفوز والتنافس في عقلية لاعبيه والتعامل بمنطق المرشد الذي يريد لهم أن ينجحوا لأنفسهم قبل أنديتهم وقبل نفسه هو أيضاً.
ليفربول كلوب.. العمل الجماعي هو سر النجاح
ثلاثة مواسم وربع الموسم هي فترة الـ"نورمال ون" مع فريق ليفربول حتى الآن، حط الرحال في موسم 15/16 بعقد يمتد حتى موسم 2022. وخلال الفترة المذكورة في بداية الفقرة تحول ليفربول لوحش في القارة الأوروبية والدوري الإنجليزي بعد سنوات من التخبط في النتائج والابتعاد عن التنافس على الألقاب وأهمها اللقب المحلي الذي كان في يوم من الأيام حامل رقمها القياسي.
فما سر هذا التحول؟
فلنقرأ تصريحات المدرب نفسه:
"فهمي لكرة القدم هو أن تكون جزءاً من الفريق وأن تتصرف كأنك جزء من هذا الفريق، لا يمكنك الحصول على جميع مزايا كونك جزءاً من فريق ومن ثم تتصرف كأنك النجم الأوحد. إذا كنت تريد أن تفعل ذلك، فعليك بلعب لعبة السهام."
ويكمل العبقري الألماني "الشيء الرئيسي في هذه اللعبة هو جعلهم أقوى مع بعضهم البعض. هذه هي الطريقة التي أفهم بها الحياة، لكن في فريق كرة القدم يكون الأمر هكذا بشكل خاص. ساعد شريكك في أن يكون أفضل وسوف يساعدك على أن تكون الأفضل"
كلمات وفلسفة حياة تخبرنا لماذا نجح في فريقيه السابقين وتعطينا فكرة عن أسباب النجاح الكبير الذي يشهده رفقة ناديه الحالي ليفربول وسر الحُب والإجماع الذي يجده من جميع لاعبيه الذين مروا عليه والمكانة البارزة التي يجدها في قلوب لاعبي فريقه الحالي والذي تجلى بالتصريح البارز الذي أدلى به ساديو ماني.
هذا على الجانب الشخصي ولكن هنالك أسراراً أخرى رياضية وفنية وتكتيكية يؤمن بها المدرب الألماني ساعدته على هذا النجاح ومن أهمها:
إحاطة نفسه بالخبراء
من يشاهد كلوب في المقابلات والمؤتمرات الصحفية يجده واثقاً من نفسه بشكل كبير ولكن، فإن تعريفه الشخصي لما يعنيه أن تكون واثقاً من أن تكون قائداً أمر مثير للاهتمام. وعلى الرغم من إدراكه للأشياء التي يفعلها للنادي، إلا أنه يعرف أيضاً حدوده ولا يحاول إخفاءها. ويقول:
"إذا كنت أتوقع من نفسي أن أعرف كل شيء، فلن يكون لدي ثقة. لا أتوقع ذلك، أعرف أنني في وضع جيد في بعض الأمور. ثقتي كبيرة بما فيه الكفاية لدرجة أنني لا أستطيع حقًا أن أترك الناس بجانبي، إنها ليست مشكلة. أحتاج خبراء من حولي. أحط نفسك بأشخاص أقوياء لديهم معرفة أفضل في الأقسام المختلفة أكثر من نفسك. لا تتصرف وكأنك تعرف كل شيء. كن مستعداً للاعتراف بأنه ليس لديك أدنى فكرة في الوقت الحالي، لكن أعطني بضع دقائق، وربما سأحصل على فكرة".
أفضل مطور لاعبين في العالم
في دورتموند سابقاً وليفربول حالياً، بصمة كلوب في دعم لاعبيه للوصول للعالمية واستخراج أفضل ما لديهم وتحسين طريقة لعبهم ظاهرة وواضحة لا ينكرها إلا مُكابر. نظرته هو إن التدريب في القمة يدور حول مساعدة اللاعبين على اتخاذ الخطوة الأخيرة في سبيل تطويرهم للأفضل.
"في هذه وظيفة بهذا المستوى، هنالك بعض اللاعبين لديهم إمكانات عالية المستوى. مهمتي هي مساعدتهم على أن يصبحوا من الطراز العالمي. إنهم يعرفون بالفعل حوالي 80٪ من كرة القدم، لكن الـ 20٪ الأخيرة يمكن أن تكون حاسمة حقاً وهذه وظيفتي".
الجوانب الشخصية قبل التكتيكية
بالإضافة لقدراته التدريبية، فهو قادر على تحديد وجلب اللاعبين أصحاب الرغبة والطموح اللازمين لتحقيق النجاح مع الفريق. قبل اتخاذه القرار النهائي بشأن التوقيع مع هذا اللاعب أو ذاك، يحاول الألماني معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن شخصية اللاعب وحياته الاجتماعية، ويقول:
"من المهم جداً ألا أترك" بطني" يتكلم. يثق الناس بي كثيراً ولا يمكنني إنفاق الملايين على لاعب لمجرد التفكير في أنه "يمكن أن ينجح". إذا قمت بالتوقيع مع لاعب ما، يجب أن تعرف أكبر قدر ممكن من المعلومات عنه خارج إطار كرة القدم. فمن السهل العثور على لاعب كرة قدم جيد، ولكن التعرف عليه كشخص ليس بالأمر السهل. فغالباً ما يندهش اللاعبون عند مقابلتهم لي للمرة الأولى، لا أتحدث معهم مطلقاً عن كرة القدم".
الفوز مهم لكن لا تنس المتعة
يهدف نظام كلوب الداخلي إلى إقامة توازن بين التنظيم والحرية الشخصية. لديه تقدير للمواهب الإبداعية الموجودة لدي لاعبيه سواء داخل الملعب أو خارجه، ولكنه يدرك أيضاً أنه بحاجة إلى الهيكل التنظيمي والانضباط. وهذا ما تجلى في مساعدة روبرتو فيرمينو في أن يصبح واحداً من أفضل المهاجمين الوهميين دون أن يقلل من دوره في عدم إحرازه الأهداف. وعن ذلك يقول:
"لقد بنيت فريقنا على تنظيم جيد للغاية. من ناحية أخرى، يجب أن تكون حيوياً للغاية. كن شجاعاً، جرب شيئاً ما. فاللاعبون أذكياء بما يكفي ليعرفوا أنه لا يمكنك الفوز في مباراة كرة القدم فقط باستخدام مهاراتك الخارقة دون وجود تنظيم جماعي محكم. بالنسبة لنا يتعلق الأمر بالفوز، بالإضافة إلى المتعة أيضاً".
التحفيز ثم التحفيز ثم مرة أخرى التحفيز
يجيد المدرب الألماني أيضًا إحداث توازنًا في أساليب تحفيزه للاعبيه. فكثيراً ما نراه يدخل إلى الملعب بعد كل مباراة لمعانقة لاعبيه وتحفيز جماهيره، بعد أن يكون قد أمضى الدقائق التسعين الماضية في الصراخ وإبراز كل تعابير الوجه التي يمكنك تخيلها من على خط التماس، فهو يعرف جيداً أن دوره يتطلب منه أن يدرك متى تنخفض مستويات تحفيز اللاعب، قبل أن يثير نوعاً من الاستجابة اعتماداً على شخصية الفرد.
ليلة الريمونتادا
يورغن كلوب لم يكن لديه تلك المسيرة المميزة في ملاعب كرة القدم كلاعب، ولكن كمدير فني فإن ما أحدثه من ثورة في عالم التدريب خاصة في الجانب النفسي أصبح عِلماً يُدرس في معاهد كرة القدم وأصبح المثال الذي يريد أن يصبح عليه الكثير من المدربين الطموحين، ودخوله لعالم التدريب بشكل مبكر كان له أثره الكبير في تشكيل شخصيته التي نراها الآن.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.