سجن وتُهم ملفقة بالدعارة وحياة زوجية بائسة.. «حنان ترك» كما لم تعرفها من قبل

عربي بوست
تم النشر: 2019/11/04 الساعة 15:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/16 الساعة 13:28 بتوقيت غرينتش
الفنانة المصرية حنان ترك

"ما أُريده هو القوة على تحمّل الأشياء بهدوء، أشياء مثل الظلم، سوء الحظ، الحزن، الأخطاء، سوء الفهم" واحدة من الأقوال المأثورة للأديب الياباني هاروكي موراكامي، لم أستطع أن أصرف عن بالي صورة الفنانة المصرية حنان ترك، حين قرأتها للمرة الأولى، فالأمنية التي أعرب عنها الروائي الفائز بجائزة فرانتس كافكا، من الأرض البعيدة تنطبق بالكامل على حال تلك الشابة التي لا تلبث "تحاول".

لم يبد أنها أرادت سوى حياة "سالمة" و"هادئة" و"مستقيمة"، أمنيات بسيطة لم تنلها أبداً، فالأحداث الجسيمة تطاردها كالشيطان، والقدر يختارها دوماً لاختبارات قاسية، لا تكاد تنجو من واحد حتى تقع في الآخر.

بداية جبرية

"كنت متضايقة أوي من الوسط اللي خاطف النجومية من الجميع بينما قطاعات تانية بتتعب وتجيب جوايز وترفع اسم البلد محدش بيهتم بيهم" كانت شابة غاضبة، تنظر للوسط الفني شزراً، من بعيد، داخل تلك النقطة بمعهد الباليه حيث  كانت تواصل الدراسة والتدريب.

لم تحب حنان "الحالة" التي تكتنف عالم الممثلين الكبار أبداً، على الرغم من مشاركتها بعمر الخامسة في فيلم "ناس تجنن" عام 1980، وتقديمها عدد من العروض الفنية إلا أنها توقفت عن التمثيل لفترة طويلة وانخرطت في دراستها، لكن القدر اختارها في ذلك اليوم، حينما ذهب المخرج خيري بشارة بصحبة سيدة اصطحبته لترشح له طالبة "معرفة" في المعهد لدور في فيلمه "رغبة متوحشة" عام 1992، إلا أنه اختار حنان بدلاً منها، لم تفلح يومها محاولات السيدة للتصحيح أو إثناء الرجل عن اختياره.

هكذا راحت لتستأذن والدها في التمثيل، ليسمح لها ولكن بشرط أن تصطحب والدتها معها إلى "اللوكيشن" وهو ما استمر لاحقاً ولمدة عامين كاملين.

صحيح أن حنان كانت ساخطة على "حالة الوسط الفني" لكنه كان بالنسبة لها كالنداهة، ربما كان ذلك السبب في أنها لم ترفض العرض لتنطلق من بعدها حنان في عدد من المسلسلات والأفلام، وتظهر كموديل في كليب لهاني شاكر، لكن حماسها لم يلبث أن اصطدم بقذارة الواقع.

اختبارات صعبة

في كتابه "سقوط رجال الرئيس تصفية الصراعات السياسية بالفضائح الجنسية" يروي المؤلف حمادة إمام كيف تم الإيقاع بحنان عام 1997، بصحبة وفاء عامر، في محاولة من وزير الداخلية آنذاك للتغطية على حادث الأقصر، عبر قضية ملفقة، "آداب" لم تلبث أن برأتهما المحكمة منها، ولكن عقب سلسلة من التشهير والإساءة وصلت إلى حد نشر صورها وزميلتها وفاء عامر وهن يحملن شارة داخل قسم الشرطة.

في الصورة الشهيرة التي لاتزال متاحة عبر الإنترنت حتى الآن تظهر صورة حنان ترك إلى جوار وفاء عامر في القضية "المفبركة" الشهيرة، لكن اللافت فيها هي تلك النظرة على وجهها، لم تكن حنان تبكي، ولم يبد على وجهها خوف، أو هلع كذلك الذي كان واضحاً على وجه وفاء عامر، كانت حنان تحمل الشارة وتنظر بتحد لمن حولها كأنها تؤكد "أنا بريئة.. سينتهي كل هذا قريباً".

 هكذا تجاوزت حنان المولودة في اليونان يوم 7 مارس 1975 المحنة، صحيح أن الصدمة كانت عنيفة للممثلة التي كانت تبذل قصارى جهدها لتثبت نفسها عبر المشاركة بعدد غير قليل من المسلسلات والأفلام والسهرات التلفزيونية، جهد جعلها تظهر عام 1995 وحده في أربعة أعمال كبرى بحجم "المال والبنون" و"الزيني بركات"، و"الصبر في الملاحات" لتواصل عملها وصولاً إلى الوتد ولن أعيش في جلباب أبي، ونصف ربيع الآخر قبل أن تتعرض للأزمة التي تراجع من بعدها عدد أعمالها لسنوات، لكنها قاومت لتعود بـ"أوبرا عايدة" و"وادي فيران" و"سامحوني مكنش قصدي"، لتنتظم من بعدها في العمل وصولاً إلى عملها التلفزيوني الأخير "اخت تريز" والذي أعلنت بعده اعتزالها التمثيل.

صدمات عاطفية وتعفف عن الإساءة

لم يكن زواجها الأول موفقاً للغاية، شهر واحد فقط سارعت من بعده إلى طلب الطلاق من زوجها الأول أيمن السويدي، بدا الأمر مزعجاً لها جداً حتى أنها قامت بتوزيع "شيكولاته" عقب حصولها على الطلاق، أما زواجها الثاني من رجل الأعمال المصري خالد خطاب، والذي أدين لاحقاً في قضية أخلاقية "حساسة"، انتهى نهاية مأساوية للغاية، صحيح أنها نالت الطلاق قبل إلقاء القبض عليه ومحاكمته، حيث أعلنت وقتها أنهما على خلاف بشأن الحجاب وأنهما حاولا الاستمرار، لكنهما لم يوفقا.

لكن السؤال الذي راودني كثيراً، هل كانت تعلم حنان شيئاً حول طبيعة التهمة التي أدين بها طليقها، والذي توفي لاحقاً داخل السجن؟ إن كانت تعلم وقاومت لتستمر حياتها الزوجية فهذا أمر جلل، وإن لم تكن تعلم حتى تاريخ الإدانة وإثبات التهمة فهذا أمر جلل أيضاً وفي الحالتين لا أستطيع إلا أن أتخيل وجهها ومدى شعورها بالصدمة حين علمت للمرة الأولى ما حدث.

حالة من الشعور بالغربة جعلت اختياراتها اللاحقة متسرعة بعض الشيء، زيجتان في أعوام قليلة انتهتا إلى أن استقرت أخيراً بصحبة زوجها الأخير "م.م" هكذا كانت تشير إليه في لقاءاتها التلفزيونية، حيث حرصت على إبقاء اسمه سراً، وحرصت على إبقاء أبنائها بعيداً عن كل الصخب والغضب والإحباط الذي نال منها.

ولدت بالمنزل وحدها!

من بين التجارب الفريدة في حياة حنان ترك والتي استوقفتني كثيراً تجربتها في الولادة وحدها، في منزل يضم أماً مريضة  بالزهايمر لم تكن قادرة على مد يد العون، وطفلين بلا حول ولا قوة "يوسف وآدم"، في ساعة متأخرة من الليل كانت على موعد مع استقبال طفلها الثالث محمد والذي انفلت أمام يوسف وآدم في مشهد استثنائي "حاولت اتصل بحد من أصدقائي يوديني المستشفى كله كان نايم أو قافل تليفونه وكنت لوحدي بتألم ألم شديد" هكذا استقبلت طفلها الثالث وحدها ليعلمها القدر درساً جديداً بشأن الفقد والاكتساب بالمقابل.

في زيجتها الأخيرة والتي لا تزال مستمرة حتى الآن أنجبت حنان أخيراً ابنتين "مريم ومنى"، الشيء اللافت جداً بالنسبة لي في حياة حنان هو تلك المقاومة العظيمة من جانبها، السيدة التي عفت لسانها طوال حياتها عن الإساءة أو الانتقاد لأي من أزواجها السابقين، أحياء كانوا، أو أمواتاً -عكس كثيرين- قاومت الصدمات العاطفية المتلاحقة بأسرة أصرت أن تكون كبيرة بما يكفي لتساعدها على الشعور بالاستقرار، خمسة أبناء وأم، يزيد أو ينقص منهم "الأب" في كل الأحوال، الأسرة مستمرة وتواصل الحياة وتقاوم أيضاً.

كلمة السر "الموت"

"بقوى بالصدمات، أنا صدمة متنقلة" هكذا تصف نفسها بنبرة واثقة، لم يكن ثمة صدمة أكبر من الموت في حياة الممثلة الخمسينية، بدأ الأمر مع وفاة والدها في اليوم التالي لزفافها من رجل الأعمال خالد خطاب، كان الأمر جللاً، فلم تكن علاقتها بوالدها عابرة، كانت من القوة بحيث راقصته الرقصة الأولى في زفافها بدلاً من زوجها، وكان يرافقها أيضاً في الفندق الذي أقامت به استعداداً للسفر إلى "لندن" حيث كان من المقرر أن تقضي شهر العسل هناك، لكن الصدمة أطاحت بها في أيام زفافها الأولى إلى الدرجة التي جعلتها ترفض تصديق الأمر.. استغرق الأمر الكثير من الأدوية والنوم والمهدئات قبل أن يتدخل الراحل يوسف شاهين لينقذها "إنتي بتعملي دا ليه؟ فوقي يلا عندنا شغل".

لكن الموت ظل يطاردها بقوة، لعل الحالة كاملة ظهرت بجلاء في فيلمها "منتهى اللذة" حيث مثلت دور فتاة تدعى حنان أيضاً، تفقد والدها وتبدأ في طرح الكثير من الأسئلة الفلسفية حول الحياة والموت، لم أستطع للحظة أن أتخيل أن شخصية حنان في الفيلم هي شخص آخر بخلاف حنان الحقيقية، التي ظلت لسنوات طويلة تطرح الأسئلة ذاتها وزادت وطأة الأمر بوفاة زميلتها في الفيلم سعاد نصر 5يناير/كانون الثاني 2007، وكذلك وفاة صديقها المقرب علاء ولي الدين في وقت سابق، وجعلها هذا تفكر بصورة أعمق في جدوى الحياة، وأهمية الاختيارات وخطورتها، لعل هذا ما خلق داخلها تلك الحالة من الشعور بضرورة الرجوع إلى الله، تقول "أنا درست علوم شرعية قبل الحجاب بـ 9 شهور"، هكذا ارتدت الحجاب واعتزلت التمثيل "المرئي" تلفزيوناً كان أو سينما، لتحاول الوصول إلى صيغة تسمح لها بالتصالح مع "الموت" الذي كثيراً ما أرقتها فكرته كبديل عن التناول المفرط لـ"الفاليوم" الذي لم يبد أن ساعدها بشيء عقب وفاة والدها.

"هو الفن حرام؟"

"إنتي شايفة إن الفن حرام؟" كان هو هذا هو السؤال الذي بادرت به سمية الخشاب إلى حنان ترك حين أعلنت في مكالمتها مع نيشان في برنامجه "أنا والعسل" اعتزالها، تغيرت ملامح سمية، واغرورقت عيناها بالدموع قبل أن توجه سؤالها إلى حنان التي أكدت دون تفكير "الفن رسالة ومهمة جداً، لكن جوا العسل في مر، وأخاف من إني أحط في العسل سم، دا اللي راعبني، كل شيء حلال في الدنيا وإحنا اللي بنحوله لحرام أو حلال، القصة ملهاش دعوة بالحلال والحرام، مش أنا المفتي اللي هاييجي يقول، لكن وأنا بحجابي فتنة أكبر من أي فتنة تانية، مقدرش أفتن الناس".

لم تقطع حنان صلتها مع الوسط الفني، شاركت زوجة أحمد السقا في مشروع كوافير للمحجبات، ولن تلبث تشارك في مناسبات كأعياد الميلاد، آخرها عيد ميلاد توأم زينة"، ولا تفرض سطوة خاصة على حياتها، كما لم تعد تفرض سياجاً على علاقتها بزوجها الحالي ووالد ابنتيها.

لا تجيد حنان التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تمتلك وجهة نظر صارمة بعض الشيء تجاه الإعلام، هي تمقت أخبار الوفيات والأخبار المحبطة والصادمة، ترى أن الإعلام الحقيقي يجب أن يذيع الأمور الإيجابية ولا يلتفت إلى السلبيات، إعلام "يرتقي" بالمشاهد ولا يصيبه بالإحباط.

"عاوزة ألغي فكرة القدوة" صحيح أن حنان واصلت عملها عقب الاعتزال سواء في أعمال كارتونية أو صوتية، إلا أنها كانت ولا تزال تكره فكرة القدوة "لكل دين قدوة واضحة وصريحة، أما البشري فهو خطاء واتباع قدوة يعني اتباع أخطائها أيضاً" كانت هذه هي كلمة السر في اعتزالها، فهي وعقب ارتدائها الحجاب رأت فيما تقدمه "قدوة ناقصة" للفتيات المحجبات، حيث كانت الأدوار تفرض عليها ملامسة الزملاء بشكل أو بآخر وهو ما لم ترغب في تكراره من باب "العادي" لدى قطاع الفتيات المحجبات بالجامعات "مش هاقدر أتحمل الوزر أمام الله".

مشاريع غير مكتملة

لا تخشى حنان التقدم في العمر "من سن 18 وأنا حابة أوصل لسن الـ 40 حاسة حاجة كبيرة هاتحصل وقتها" صحيح أنها تخطت العمل المذكور لكنها تواصل التجريب والمشاريع حتى لو لم تكتمل، تارة في مجال التجارة بـ كافيه وكوافير وتارة في مجال الإنتاج بمجلة كوميكس وشركة لانتاج الكارتون وتارة في أبنائها حيث تعتبرهم مشروعها الأكبر، وتارة في مجال شغفها الأثير "التمثيل" مع وضع مسافة آمنة بين سقطاته وقناعاتها، فتواصل العمل في نطاق "الصوت"، مرة في فيلم كارتون، ومرة في مسلسل إذاعي أو حتى فيلم صوتي يثير الجدل منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد