أصبح التسول أو (الشحاتة) في عصرنا الحالي مهنة لعدد كبير من البشر، ولكل مهنة قواعد تجب مراعاتها حتى تحقق هذه المهنة أهدافها. لذلك إليك عزيزي القارئ بعض قواعد الشحاتة الحديثة أو مدارس الشحاتة الموجودة على الساحة في وقتنا الراهن.
القاعدة الأولى: أظهر بعض ما جمعته للمارة
وهي قاعدة أساسية؛ فوجود مال معروض للجماهير المارة يكون عاملاً محفزاً للشخص على دفع المال إليك، لأن ذلك يُغذي الشعور لدى المار بأنه ليس الوحيد الذي يقوم بفعل ذلك. فإن كنت تستحق فنعماً أنت؛ وإلا فإنه ليس المغفل الوحيد هنا. الأمر مشابه لقيام رجلٍ بشراء الخضراوات من السوق للمرةِ الأولى، ببساطة شديدة سيذهب إلى البائع الذي يلتف حوله الناس بكثرة وسيشتري منه، لماذا؟ لأنه وبكل تأكيد لا يمكن أن يكون كل هؤلاء المشترون على خطأ وهم بالتأكيد يعلمون أكثر مني!
القاعدة الثانية: لا تجعل منظرك منفراً جداً
وهي ربما ليست قاعدة إلا أنها مدرسة مهمة من مدارس الشحاته، والحقيقة أن المظهر اللائق المعتدل من أهم الدوافع التي تجعل هناك إقبالاً على الشحات، لأن الغالبية العظمى من الذين يعطون الشحات من الطبقة المتوسطة، وهم الذين ينظرون إلى الشخص صاحب الهندام المعتدل على أنه واحدٌ كان منهم لكنه سقط في فخ الفقر الذي أصبح يلتهم الجميع، وهو التخوف الأكبر لدى هذه الطبقة المتآكلة، ولهذا هم يحاولون مساعدته وإنقاذه لأنهم ربما يرون فيه الصورة التي يخافون أن يكونوا عليها قريباً.
القاعدة الثالثة: الصمت أو الطلب المهذب
وهما مدرستان متقاربتان: فالشخص الصامت الرابض أمام المسجد أو على الرصيف يمكن أن يكون مشجعاً لك لإعطائه أكثر من المُلِح، والذي يعتبره الكثير منا (بجح) بلا كرامة، فهذا الصامت قليل الكلام قد أمسك العصا من المنتصف؛ طلب المال بجلوسه ومظهره وتعابير وجهه والتي يجعلها توحي بانكسارٍ شديدٍ وحزنٍ جَمٍ وعدم رضا عن ما يقوم به وما آلت إليه أموره، بل وربما تصنع البكاء أيضاً، وفي نفس الوقت يعتبره البعض لا يتسول وإنما هو فقط محتاج لم يطلب شيئاً. لذلك فإعطاؤه يكون من باب إعفائه من سؤال الناس؛ وحفظاً له من التسول!
القاعدة الرابعة: كن غريباً
وهي من البديهيات لدى أغلب الشحاذين، وهي طريقة أنا غريب (ضاعت- سُرقت- نفذت) أموالي وأحتاج فقط إلى أن أعود إلى بلدي وكفى، هذه حيلة لا تنتهي أبداً ولا تنضب رغم معرفة الجميع بها، لماذا؟
أولاً- لأن نسبة 99% من الشحاتين يتسولون بالفعل خارج محافظاتهم أو بلداتهم، نظراً لأن لهم أسَراً بالفعل في بلادهم ويعيشون عيشة سوية بها وهم بذلك يخشون أن يَفتضح أمرهم من قِبَل من يعرفونهم، وبالتالي حتى وإن طلبت هوية أحدهم فستجده بالفعل غريباً عن بلدتك مما يدعم رأيه، ثانياً- إنه من وجهة نظر الناس غير مُتَطَلب! كل ما يطلبه الرجل 15 أو 20 أو حتى 50 جنيهاً، بالتالي فإن الأمر بسيط ويمكن لشخص واحد أن يكفي هذا الرجل احتياجه ويرحل في سلام، وهو أمر مريح لنفوس الجميع.
القاعدة الخامسة: استخدام النكبات
ينشأ عن كل كارثة في بلادنا بعض المحتاجين الحقيقيين؛ والكثير من المُستَغلين، وخير مثال على هذا ما حدث في سوريا، والذي أدى إلى رحيل الكثير من الأشخاص إلى بلادٍ مجاورة ومنهم من جاء إلى مصر وعاش فيها وبدأ في العمل والسعي من أجل الرزق والقليل منهم لجأ إلى الطريق السهل ربما لاحتياج حقيقي وعدم قدرة على العمل لذلك كان التعاطف معهم كبيراً، وهو ما جعل الشحات المحلي يشعر بالقلق على لُقمة عَيشه وهو ما جعل الكثير منهم يجيد اللهجة السورية في مدةٍ وجيزة؛ بل ويعلمها أطفاله الصغار حتى يصبح الأمر أكثر تأثيراً، وعلى الرغم من ذلك فَطِن الناس سريعاً إلى هذه الخدعة ولا يقع فيها إلا القليل في وقتنا الراهن.
القاعدة السادسة: المكان الجيد رأس مال الشحات
كانت هناك امرأة تجلس أمام ماكينة سحب الأموال، ماكينة الـ(atm) قريبة من بيتي لعدة أيام متتالية ثم لم أعد أراها، واعتقدت بيني وبين نفسي أنها لم تحصل على جنيهٍ واحد في أيامها المعدودة، أولاً لأن الإنسان المتواجد أمام الماكينة جاء إليها لأنه يحتاج إلى المال وبالتالي هو في ذلك الوقت يشعر داخل نفسه بالاحتياج ربما أكثر من الشحات نفسه، وهو ما يعني أنه ليس في وضع يسمح له بالعطاء، كما أن الماكينة تخرج أموالاً مجمدة ولن يمكنه العطاء منها، والسبب الثالث هو الحالة التي تسببها الماكينة من اختناق نتيجة التزاحم عليها أو عدم وجود أموال كافية في الرصيد. أو وجود أموال من فئات صغيرة أو وجود شخص لا يعرف طريقة الاستخدام؛ يعيد السحب أكثر من مرة، أو بطء الماكينة، كل هذه العوامل وغيرها تتسبب في تعكير المزاج وتتسبب في شيء من العصبية ورغبة جامحة في الرحيل عنها سريعاً، وهو نفس السبب الذي يجعل من المسجد المكان المثالي الأبدي للشحاتين، نظراً لحالة المصلي؛ والذي تسبب له الصلاة في الغالب شيئاً من الصفاء والهدوء والسكينة بالإضافة إلى حث الخطباء على العطاء وهو ما يجعله في وضع جيد للعطاء.
القاعدة السابعة: التلويح بالمصائب
وهي مدارس كبيرة وأغلبها قديم، ويستخدمها الناس عن طريق التلويح بمرضهم وعدم قدرتهم على توفير العلاج أو تدبير أموال العملية الجراحية، أو بموت من كانوا يتولون أمرهم وعدم قدرتهم على توفير نفقاتهم، أو بإظهار عاهاتهم والتي لا تكون حقيقية في الغالب أو حتى حقيقية في بعض الأحيان، وهي طريقة مازالت تثير مشاعر الناس وتجلب استعطافهم وأموالهم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.