"ينبغي علينا أن نعرف، أن كل انحطاط يصيب السلطة، إنما هو دعوة مفتوحة للعنف"
(حنة أرندت)
إنها ثورة العراق ضد الفساد والحكومة ترد بالقمع، إنها الحكومة التي أحضرتها الولايات المتحدة لإسقاط الدكتاتور
إنها الحكومة التي ترفض تحقيق مطالب الشعب برحيلها
إنها الحكومة التي أدخلت العراق في حرب طائفية وفق مصالحها خلال الأعوام الماضية
إنها الحكومة التي سمحت بدخول داعش
إنها الحكومة التي تدعي الحفاظ على أمن وسلامة المواطن إنها الحكومة التي تسمح لقواتها بإطلاق قنابل الغاز فوق رؤوس شبابنا الأعزل لتصيبهم وتؤدي بهم للموت!!
يقولون إن العراق يعيش تجربة ديمقراطية بعد عام ٢٠٠٣ يقولون إننا نعيش حقبة الحرية لكن هذهِ مجرد مسميات شكلية تمارسها الحكومة العراقية التي تدعي حماية المتظاهرين العزل الذين يهتفون بشعارات سلمية، لا يحملون سوى ما يقيهم من قنابل الغاز المسيل للدموع الذي تطلقه قوات مكافحة الشغب بوحشية.
العراقيون يخرجون في ثورة يتم قمعها بأبشع الأساليب والطرق غير الشرعية في الوقت الذي تعتبر فيه حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي من الممارسات التي كفلها الدستور العراقي.
وسط صمت المنظمات الدولية والحقوقية وتعبيرها عن أسفها الشديد وقلقها وكذلك دعمها لحكومة الضمير المستتر الذي لا يظهر إلا بتصريحات فضفاضة أو خطاب فيهِ تخويف وتهديد للطلاب وموظفي الدوائر والمؤسسات الحكومية التي ينخر مفاصلها الفساد منذ سنوات بصفقات وعقود ومشاريع وهمية تتغذى من أموال العراقيين أطفالاً ونساءً، رجالاً وشيوخاً.
منذ الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم وبحسب آخر بيان أصدرته المفوضية العليا لحقوق الإنسان تم رصد وتوثيق التظاهرات والانتهاكات التي رافقتها في بغداد وعدد من المحافظات.
كشفت المفوضية عن استخدام القوات الأمنية الغازات المسيلة للدموع والمياه الساخنة والقنابل الصوتية والهراوات لتفريق المتظاهرين أثناء المصادمات التي حصلت بين القوات الأمنية في بغداد وعدد من المحافظات أثناء محاولة المتظاهرين دخول المنطقة الخضراء.
فيما بلغ عدد الشهداء ( ٧٤)، أغلب إصاباتهم بطلق ناري إضافة إلى حالات الاختناق بسبب الغازات المسيلة للدموع، وبلغت أعداد الإصابات (٣٦٥٤) من صفوف المتظاهرين والقوات الأمنية أغلبها بسبب الغازات المسيلة للدموع.
ويذكر تحول التظاهرات إلى اعتصامات في العديد من المحافظات، وأنه تم تفريقها بالقوة من قبل القوات الأمنية باستخدام الغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية في محافظات بغداد وميسان والبصرة وذي قار. قيام القوات الأمنية بحملة اعتقالات في محافظات البصرة وذي قار وبابل
كما ذكرت المفوضية في بيانها عن تقييد حرية القنوات الإعلامية والصحفيين وتعرض مراسل قناة السومرية إلى إصابة حادة وثلاثة من كوادر التلفزيون الألماني وقناة العراقية واعتقال مراسل قناة الديار حسين العامل وإطلاق سراحه بعد يومين من الاعتقال.
وأكدت على صعوبة وصول سيارات الإسعاف إلى أماكن التظاهرات لنقل المصابين واضطرار المتظاهرين لنقل المصابين بسيارات التكتك مما أدى إلى صعوبة الوصول إلى المستشفيات والخطورة على حياة المصابين مع تأشير الزخم الكبير على المستشفيات الصحية وقلة الأسرة والعلاجات التي تقدم للمصابين.
وفي مشهد تقشعر لهُ الأبدان يكشف للعالم توحد وانتماء العراقيين لوطنهم وأرضهم لا لطائفة ولا لمذهب ولا لقومية
خرج طلاب الجامعات والمدارس بمختلف المناطق داخل بغداد والمحافظات يهتفون باسم العراق ويعلنون توحدهم وإصرارهم على واقع ومستقبل أفضل هم من يختارونه وهذهِ الوجوه يجب أن ترحل يرددون "نريد وطناً"
يأتي رد الحكومة في تصريح للمتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي قائلاً: "زج الطلاب في التظاهرات انتهاك للطفولة"!
سيادة رئيس الوزراء نسألك؟
والمستقبل المجهول للأجيال القادمة والواقع التعليمي والصحي السيئ وأحداث العنف، والتلوث الذي لا تخلو منه بقعة من العراق ليس انتهاكاً للطفولة؟!
الأطفال الذين مازالوا في المخيمات ولم يدخلوا مدارس ليس انتهاكاً للطفولة..!
زج الأطفال في الحروب وحملهم للسلاح واستخدامهم كأدوات حرب ليس انتهاكاً للطفولة؟
عمالة الأطفال المنتشرة في العراق بكثرة والفقر والتشرد والتسول ليس انتهاكاً للطفولة؟
الطفولة منتهكة في العراق منذ زمن، منذ أن كان الأطفال يموتون لعدم وجود أدوية وغذاء منذ أيام الحصار وأطفال العراق ضحايا للحروب يدفعون ثمن بقاء الحُكام في سدة الحكم وسوء تقديرهم للسلطة وممارسة القمع والديكتاتورية.. حتى يومنا هذا
كنا أطفالاً حين بدأت الحرب والآن أكثرنا أباء وأمهات وأطفالنا يعيشون ما عشناه من طفولة مشوهة سرقت أجمل أيام عمرنا
كل هذا ليس انتهاكاً..؟!
خروجهم لمساندة الثورة في وطنهم في الشارع المجاور لمدارسهم أصبح انتهاكاً..
أتمنى أن تخرس هذه التصريحات العقيمة إلى الأبد.
نحن يا سادة نرى الموت بأم أعيينا ثم لا نعود نهاب شيئاً الموت واحد كما الحياة واحدة، إن كان للموت معان كثيرة أصبحنا نصادفها ونلتقيها ونتعرف عليها في كل مرة نفقد أحداً من حولنا.
لا أعلم متى ستنتهي حالة الترقب الدائم والنظر نحو المجهول التي نعيش فيها منذ أعوام.
لا نريد اجتماعات ولا عقد جلسات طارئة ولا حلولاً ولا لجان تحقيق ولا أي نوع من التصريحات والقرارات التي تناسب مقاس طموحاتكم ومصالحكم.
ارحلوا.. من انتخبكم أو تم تزوير عشرات الأصوات لضمان شرعية وجودكم والتي منحتكم السلطة في السنوات الماضية لحكم العراق
هي اليوم خرجت بكل الانتماءات والولاء للطائفة والعشيرة والقومية لتقول لكم: الشعب العراقي بالإجماع يطلب منكم الرحيل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.