لا أدري ما الدافع الذي أحيا في داخلي هذه الهمة الآن، فنحن على مشارف مرور عام كامل على بدء مجالس السليمانية، وكنت قد عزمت من اليوم الأول على تدوين تجربتي في لقاء الأحد مع الدكتورة هبة رؤوف عزت، ويبدو أن عزيمتي تلك أثمرت اليوم. وهذه ليست بشرى سارة بأي حال، ما دامت مشيئتي تبصر الحقيقة بعد نحو عام كامل، أو أقل من ذلك بقليل. وذنبي مضاعف، متأخر وعجول، فلو كنت صبرت حتى يُتم الدرس عامَه الأول ونشرت فيه تدوينتي هذه لظهرت بصورة أكثر "شياكة".
ولأنني لا أضمن ألا أعود في الفتور والسُّبات عاماً آخرَ، كما لا أضمن أن أعيش حتى ذلك اليوم القريب… وبعد تلك المقدمات المملة، إليكم المضمون النافع:
من محاسن الأقدار -التي أؤمن بأن دعاء أمي هو سببها الأول دائماً بعد الله- أن يُعلَن عن عودة مجلس ابن خلدون، مع الدكتورة هبة رؤوف عزت، في الوقت الذي أصل فيه إلى إسطنبول. مجلس كان قد وُلد في قاهرة المعز، في مسجد السلطان حسن، وبُعث من جديد في عاصمة العالم إسطنبول، في دار القُرّاء- جامعة ابن خلدون، وهو مبنى ضمن أوقاف مسجد السُّليمانية. تغيير طفيف طرأ على موعد اللقاء، تحوّل الدرس من يوم الثلاثاء إلى يوم الأحد، وهو يوم العطلة الرسمي في تركيا. كان اليوم الأول للمجلس هو يوم الأحد، الموافق لتاريخ 25 /11 /2018. وصار يُعرف الدرس الجديد باسم مجالس السُّليمانية.
يعرِّف مشرف درس القاهرة المجلس قائلاً:
"بدأ درس وحوار الثلاثاء للدكتورة هبة رؤوف عزت يوم 25 /06 /2013 في مسجد ومدرسة السلطان حسن، باستضافة من اللجنة الثقافية للمسجد "منارات السلطان حسن".
وبدأ بتدارس كتاب "مقدمة ابن خلدون"، واستمرَّ الدرس والحوار طيلة 7 أشهر، تخلّلته حلقات مصغرة لتدارس ومناقشة الكتاب، وموضوعات العمران المختلفة كما تناولها ابن خلدون.
ثم أبلغتنا إدارة المسجد بأنها وردت لها تعليمات بوقف الدرس، يوم السبت الموافق 15 /02 /2014، وتقرّر استمرار الحوار على مجموعة الدرس على الفيسبوك كل ثلاثاء لحين ترتيب المسار.
وقد تم الانتهاء من مطالعة مقدمة ابن خلدون، ونواصل القراءة في غيره من الكتب، وحالياً نناقش كتاب الجمهورية لأفلاطون".
عن مجالس السُّليمانية
القرآن- قراءة في تزكية النفس وعمران الأرض
من عظيم أمر مجلسنا هذا أنه يجمع أمر الدين كله، بداية من تلاوة آيات الله، ثم قراءة في الفهم العمراني لابن خلدون، وتهذيب الفكر والسلوك مع العز بن عبدالسلام. فإن صحّت المقاربة فلقد حظينا بجمع كليات هذا الدين، التوحيد، والتزكية والعمران، كما يقسمها الأستاذ طه جابر العلواني، رحمه الله.
هذا التقسيم أو التوصيف الكُلي للإسلام يعبّر عنه كوحدة مترابطة، فلا نتحدث عن التوحيد بمعزل عن التزكية والعمران، فلا يستقيم تهذيب النفس وإعمار الأرض إلا باستقامة التصور التوحيدي.
وقفات مع آيات الله
تلاوة القرآن بصوت الأخ ياسين خطاب هي تلاوة ذكر وفكر، وفي كل مرة تتحفنا أستاذتنا هبة بإشارة قرآنية. وبعد كل تلاوة وتفكُّر أعيد النظر للآية المُشار إليها وكأنني أسمعها لأول مرة! وليس هذا توصيفاً استهلاكياً، بل تأكيداً على قصور نظرنا، وعجزنا عن الإحاطة بجل أو حتى ببعض معاني القرآن العظيم. وهذه من نعم الله علينا، أن يفتح علينا في الاطلاع والفهم على جزء من أسرار القرآن المُعجز.
كنا قد توقفنا مع هذه الآية يوماً، وحفظت ملاحظة ودوّنتها عن شأن هذه الآية، وما فهمته بعد الالتفات لها.
((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ)) [سورة البقرة:83].
هذه الآية تشمل منهج الإسلام كله، تبدأ بالتوحيد، تنتقل للإحسان بأهم وأولى صوره، أي الإحسان للوالدين، وتختتم بالتوجيه العام "وقولوا للناس حُسنا"، أي أن الإحسان يبدأ من عند الأم ولا ينتهي حتى يشمل الناس. بعد ذلك يأتي الأمر بالعبادة، بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
هذا هامش ضيّق لفهم بسيط لآية عظيمة من آية الله، وبالإمكان أن تدرس هذه الآية وتُدرّس ويُعمل في كنفها طيلة العُمر.
القرآن مُعجز، ومعين لا ينضب، بعد تلك المدارسات بتُّ أقدر على فهم هذه العبارات وما تعنيه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.