رغم ديكتاتورية الملك وأصدقائه.. يبقى العيب في النظام يا «كباتن»

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/30 الساعة 16:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/30 الساعة 16:19 بتوقيت غرينتش

الجميع يرفض الحديث عن المستقبل، يرون فيه أشياء غير معروفة، تجعلهم يمتنعون عن الحديث عنه؛ ربما خوفاً منه، وربما لأن التفكير فيه يعني عدم الاستمتاع بالحاضر، لكن ماذا إن لم يكن الحاضر سعيداً؟ 

ما نراه الآن من برشلونة نسخة باهتة، دعك من الانتصارات الزائفة، بل هي ليست نسخة من أي شيء في الأساس، الفريق الذي كان من الممكن أن تصفه بالـ "فريق" لم يعد كذلك، كان فريقاً في الماضي. لكن الآن نحن لا نعرف ماذا نطلق عليه، لأن ما يُقدَّم منه بعيد كل البعد عن كرة القدم، لذلك فالحديث عن المستقبل، ذو ملامحه المشوشة، لن يكون أكثر بؤساً من الحاضر التعيس. فما يحدث على أيدي فالفيردي وبارتيميو، سيكون الموتُ بعد التعذيب أرحمَ منه، لذلك فنحن لا نخاف الحديث عن المستقبل، لأن الحديث عنه لن يجعلنا نتوقف عن الاستمتاع بالحاضر، لأن بكل بساطة، الحاضر السعيد غير موجود.

حتمية الرحيل

نكره الموت رغم كونه مقدَّراً، يوصف بالمصيبة، فحتى وإن كان الجميع يعلم بحدوثه وأنه النهاية الحتمية لكل شيء، إلا أن الحديث عنه يأتي مصحوباً بجُمل تجعلنا نتوقف عن استكمال الحديث. الاعتزال بالتأكيد لا يشبه الموت، لأن من يعتزل يظل حيّاً، لكن نحن نصف الموت بالرحيل والاعتزال يُوصف أيضاً بالرحيل. بالنسبة للبساط الأخضر والمشجعين، فلحظة الاعتزال هي الأسوأ دائما.ً وكشخص يعتبر مشاهدة ليونيل أندريس ميسي في الملعب من البديهيات، ففكرة رحيله لا يُمكن تقبُّلها، صاحب أفضل الذكريات لدى جميع مشجعي البلوغرانا، وصاحب اللعبة نفسها بالنسبة لكثيرين، سيأتي يوماً ويصبح رحيله قراراً لا يمكن الرجعة عنه. فكما يقول ليونيل بنفسه: "الجسد لا يُظهر أي رحمة، مع مرور الوقت يصبح الأمر أكثر صعوبة"، ومن تلك النقطة يأتي سؤال: ماذا سيحدث لبرشلونة دون ميسي؟

مصائب في الانتظار

فلنعتبر الفترة من شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018 حتى عام 2019 في سبتمبر/أيلول، عينة ممثِّلة لأداء برشلونة في غياب المَلك. في تلك الفترة غاب ميسي عن برشلونة في 9 مباريات، فاز في اثنتين فقط (أمام ريال بيتيس وخيتافي). وجاءت نتائج المباريات على النحو التالي:

6/11/2018 برشلونة ضد إنتر ميلان 1-1

‏‎10/1/2019 برشلونة ضد ليفانتي 2-1 لصالح ليفانتي

‏‎23/1/2019 برشلونة ضد إشبيلية 2-0 لصالح إشبيلية

‏‎13/4/2019 برشلونة ضد هويسكا 0/0

‏‎4/5/2019 برشلونة ضد سيلتا فيجو 2-0 لصالح سيلتا فيجو 

‏‎16/8/2019 برشلونة ضد أتلتيك بيلباو 1-0 لصالح أتليتك بيلباو

‏‎25/8/2019 برشلونة ضد ريال بيتيس 5-2 لصالح برشلونة

‏‎31/8/2019 برشلونة ضد أوساسونا 2-2 

‏‎28/9/2019 برشلونة ضد خيتافي 2-0 لصالح برشلونة

بالتأكيد لا يخفى على أحدٍ حقيقة كون ميسي واحداً من أفضل اللاعبين في التاريخ، لكن لا يمكن أيضاً القول بأن غياب ميسي هو السبب الوحيد في تلك النتائج البائسة، خاصةً أن الفريق يوجد به عناصر أكثر من جيدة، بالتأكيد هناك بعض النواقص، لكن حتى مع هذه النواقص لا يمكن تبرير ما يقدمه الفريق في غياب ليونيل. المشكلة ليست في تغيّر أسلوب الفريق، لأنه إن كان هنالك أسلوب فلا بأس، لكن المشكلة أنه لا يوجد أي شيء، حتى اللاشيء غير موجود أيضاً.

العيب يكمن في النظام

دعني أُخبرك بمشكلة برشلونة في السر، تخيَّل أننا نتحدث الآن بعضنا بجوار بعض، لذلك أعتقد أن صوتي سيصبح خافتاً قليلاً. المشكلة -يا صديقي- في أرنستو فالفيردي، مفاجأة غير متوقعة، فالرجل الذي قرر أن يتخذ من الدفاع ملجأً له، ونعم سيقول لك البعض إن كثافة فالفيردي العددية غير المصحوبة بالضغط أو حتى التمركز الصحيح، سياسة يُطلق عليها واقعية، حتى وإن كانت تخلو من المنطقية، يطلق عليها في النهاية منظومة دفاعية. رغم أن برشلونة حقق أرقاماً كارثية على مستوى الدفاع في اللا ليغا حتى الآن، كما أن بداية الموسم هي الأسوأ للفريق منذ التسعينيات. والمدرب الذي تعرض لـ "ريمونتادتين" بالطريقة نفسها والأخطاء الدفاعية نفسها ورد الفعل العاجز نفسه، يطلق عليه رجل الواقعية.

برشلونة لم يتميز يوماً بقوة دفاعه، بل بقوة خط الوسط، الذي يمَكّن الفريق من الاستحواذ على الكرة وهنا يكمن الأسلوب الدفاعي، والأمر الجيد هو معرفة أن برشلونة يمتلك آرثر ودي يونغ في خط الوسط، ولكن البدلاء هم راكيتيتش وسيرجي روبيرتو، اللذان يشاركان على أية حال، مع فالفيردي لا توجد أي فكرة للضغط. لذلك نرى دي يونغ يتقدم كثيراً، ليس لأنه أحمق، بل لأنه اعتاد ذلك مع أياكس، الفريق يتقدم لقطع الكرة في حال فقدانها. 

مع برشلونة في حالة فقدان الكرة، يتم استرجاعها بطريقتين، والاثنتان من عند الشخص نفسه وهو تير شتيجن. أما هجومياً فلا توجد حلول جماعية، الفريق يظهر عقيماً تماماً، مجرد حلول واجتهادات فردية. في مباراة خيتافي جاء الهدف الأول من صناعة شتيجن، بطل المرحلة مع ميسي وصاحب الفضل الأول في أن يخرج الفريق بشِباك نظيفة، غير ذلك لا يوجد سوى العقم في جميع النواحي.

ديكتاتورية الملك

في حضور ميسي يمتنع الجميع عن اللعب، الكُرات جميعها تتجه نحوه، وتتوقف عقول الجميع عن العمل. وفي غيابه تصبح الأمور سلسة بالنسبة للاعبين، تجدهم يستحوذون على الكرة، والتمريرات للأمام تزداد، ترى قليلاً من الإبداع وذلك لسببين: الأول أنَّ وجود أفضل لاعب في العالم بجوارك يجبر اللاعبين المتواكلين على اختيار الحل الأسهل، وهو التمرير إلى ميسي، وبالتأكيد هذا الأمر يتطلب من المدرب أن يتحدث بشكل أكبر مع اللاعبين، وأن يتعامل معهم نفسياً بطريقة أفضل.

السبب الثاني يكمن في الخطة بالأساس، وجود ميسي وسواريز وغريزمان، من دون وجود لاعب على الأطراف، يجعل الأمر أكثر صعوبة في فتح الملعب عرضياً، إذ يبدأ ميسي في التحرك نحو العمق، ومن يوجد على الأطراف؟ لا أحد. مع وجود غريزمان، الذي هو في الأصل مهاجم أو مهاجم ثانٍ، وبالتأكيد لن يكون بنجاعة أي جناح في مركزه الأساسي. لذلك عند خروج ميسي وسواريز ووجود فاتي في مباراة فياريال، أصبحت الأمور أكثر سلاسة، فاتي يصبح على الأطراف، ويتمدد الملعب قليلاً على الأقل أكثر من ذي قبل، وقدَّم برشلونة الدقائق الأفضل منذ بداية الموسم، كما يقول يوهان كرويف: "عند الهجوم لا بد من توسيع الملعب بأكبر قدر ممكن".

الخطأ الذي لا يُغتفر 

البشر عادة يرفضون الاعتراف بالخطأ، يجدون فيه جرحاً لكبريائهم، عادة بشرية خاطئة بالتأكيد، أَخذَ الإيمان بتلك الحقيقة مني كثيراً من التفكير، في برشلونة، من الصعب أن تضع اللوم على أهم شخص بتاريخ النادي الحديث في فترة الألفينات. مُسبِّب السعادة الأول كان سبب الحزن أيضاً، عناوين كثيرة في كتالونيا، تتحدث عن شلة الأصدقاء: ميسي وسواريز وبيكيه، رغبتهم في استمرار فالفيردي لأنه سيُشركهم على أية حال، حتى وإن قدموا أداء بائساً، رُبما ميسي أيضاً لا يعرف أياً من هذا، رُبما يحمل قدراً من السذاجة، التي لا يمكن أن يتم غفرانها، لأن في كل مرَّة يحاول أحدهم الدفاع عن ميسي، يكتشف في كل مرَّة أنه السبب في المهزلة الجارية، لاعب قدَّم أداء لن يُقدم أبداً أو على الأقل في السنوات الأخيرة، ومع ذلك لم يحصد سوى أربع بطولات، وخرج بفضيحتين في سنتين متتاليتين، لكنه لا يتوقف عن دعم مُسبِّب تلك الفضائح.. مستر فالفيردي. سذاجة ميسي استغلها الجميع، وكان هو الخاسر الوحيد، فضلاً بالتأكيد عن كون تلك الإداراة، التي يمكن أن نصفها بـ "شلة الحرامية"، لا تهتم بالفريق من الأصل، مشكلة برشلونة أكبر من كونها متمثلة في فالفيردي، لكن هذا لا يُعفي حقيقة كونه يتميز بشخصية ضعيفة، غير قادر على فعل أي شيء، ولا يُعفيه هذا من جُبنه في كثيرٍ من المواقف.

في النهاية، وللإجابة عن السؤال الذي طُرح بالبداية، فالفريق وإن كان يمتلك بعض النواقص، فهذا لا يعني أنه لن يعرف الوقوف على قدميه مرة أخرى بعد أن يرحل ميسي. لكن ليعرف كيفية الوقوف، لا بد من أن يتخلص من فالفيردي ومن بارتيميو ومن كل لاعب أصبح عبئاً على فريق حمل أكثر مما ينبغي، حينها المستقبل المظلم لن يصبح كذلك، وبالتأكيد، يجب على الجميع ألا ينسوا حقيقة أن أي فوز في هذه المرحلة لا يعني كون المستقبل سيكون أفضل، فهو لن يكون هكذا.. أبداً، لو لم يتغير أي شيء.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

آمنة أيمن
كاتبة رياضية
كاتبة رياضية