محمد الطفل الأول لأسرته، طفل يبدو طبيعياً بعد ولادته يضحك ويلعب، نطق أول كلماته فى عمر عشرة أشهر، يتأخر قليلاً في الحبو والمشي فيخطو أولى خطواته فى عمر 18 شهراً، يخبر الطبيب والدته بأنه لا بأس من التأخر ما دام الأمر في حدود الطبيعي، يظهر انزعاجاً شديداً عند التعامل مع الغرباء، ثم يبدأ بصفّ كل شيء يراه أو يقابله في المنزل في صف مستقيم على شكل قطار، يطول القطار يوماً بعد يوم، يبكي بكاءً شديداً إذا حرّك أحدهم عربات قطاره ويصير الأمر كارثياً ونوبات بكاء وصراخ لا تنقطع، تذهب الأم به في عامه الثاني إلى طبيب متخصص فيخبرها بأنه ربما يكون وسواساً أو … أو .. أو توحد، وحين كانت الأم لا تعرف كثيراً عن أعراض التوحد عند الأطفال لم تقتنع بالتشخيص ولم تأخذ الأمر على محمل الجد، فطفلها يلعب ويضحك ويتحدث كثيراً كثيراً جداً ربما أفضل من كثير ممن هم في مثل عمره، فلقد كانت معلوماتها في هذا الحين أن الطفل المتوحد لا يتكلم ولا يتواصل مع أحد وليس له علاقات اجتماعية.
بعد عدة أشهر تنتقل الأسرة إلى بلد أوروبي، يبدأ محمد بالذهاب إلى الروضة، يبكي يومياً من الصباح حتى عودته بعد ثلاث ساعات إلى البيت، لم يتحدث اللغة الجديدة بعد مرور تسعة أشهر، تبدأ إدارة المدرسة في تحليل الأمر ترجعه إلى اللغة الجديدة، بعد عام يُعاد تقييم الطفل بأن انعزاله عن باقي الأطفال وعدم مشاركتهم اللعب وتأخره في المهارات الأخرى غير اللغوية ليس له علاقة باللغة وأن على الأسرة السعي للحصول على مساعدة نفسية بشكل عاجل، بعد شهور يبدأ التشخيص الأولي بأن هناك تأخراً له علاقة بالنمو النفسي. ينتهي بعد شهور أخرى بتشخيص مؤكد بطيف التوحد. فتبدأ الأسرة رحلة من التحدي لا تنتهي.
فما هو التوحد؟
التوحد عند الأطفال حالة نمو عصبي مختلفة يتم تشخيصها عادة في أول 3 سنوات من الحياة.عموماً، يشعر الآباء بالقلق عندما يكون لدى طفلهم تأخر في تطور الكلام، ومحدودية الترابط الاجتماعي والتقيد بروتين وأنشطة محددة.[1] قد يتجنب الطفل الاتصال المباشر بالعين ويظهر سلوكيات غريبة مثل التركيز على أجزاء من الأشياء مثل عجلة صغيرة في سيارة لعبة، أو غسالة الملابس على سبيل المثال، واهتمامات معينة قد تبدو غريبة أو غير منطقية، أيضاً قد تكون هناك حركات حركية غير عادية، مثل تحريك الأيدي بشكل مستمر قد يمتد لساعات أو إصدار صوت ذي نغمة محددة طوال الوقت.
وحتى يطلق على تلك الحالة توحّد يجب أن يتم تشخيص ثلاثة جوانب في الوقت ذاته:
يتطلب تشخيص مرض التوحد عند الأطفال اضطرابات في كل من المجالات الثلاثة:
1- التفاعل الاجتماعي: في أغلب الحالات يكون الطفل غير قادر على التفاعل مع الآخرين خصوصاً من أقرانه، بعضهم يستطيع التواصل بشكل أكبر مع البالغين، وربما يكون ذلك من أسباب تأخير التشخيص خصوصاً للطفل الأول.
2- التواصل اللفظي وغير اللفظي: التوحد عند الأطفال يجعلهم مختلفين في التواصل اللفظي، فبعضهم لا يتواصل مطلقاً، وربما يتعلم لغة الإشارة، وبعضهم يتحدث بطلاقة شديدة ربما أكثر من لغة، لكن لا يستطيع فهم المعانى خصوصاً الكنايات والاستعارات والأمثلة. [2]
أما عن التواصل غير اللفظي فيكون الطفل مختلفاً في طريقة لعبه عن الآخرين، بل ربما يلعب مع الآخرين لكن يفرض عليهم نمطاً محدداً في اللعب، بالأحرى يستخدمهم كألعاب. ربما يستمتع الأطفال العاديون باللعب مثلاً بسيارة صغيرة لكنّ الطفل ذا التوحد ربما يقضي وقت لعبه في النظر إليها.
3- والنمط التكراري لأفعال أو أنشطة معينة: يضطرب الطفل اضطراباً شديداً عند تغير نمط معين، مثلاً تغيير الطريق إلى المنزل، أو الانتقال من مسكن لآخر، أو حتى تغيير البرنامج اليومي فجأة. في الوقت نفسه لا يملّ من مشاهدة مقطع معين لفيديو ولو عدة ساعات يومياً، أو مشاهدة غسالة الملابس وهي تدور، ربما يكون النمط التكراري حركة باليد أو هز الجسد أو جزء معين منه بشكل مستمر.
ولذلك على الآباء خصوصاً الجُدد منهم الانتباه لنمو الطفل فقد تكون أعراض التوحد عند الأطفال كالتالي:
- تأخر لغوي
- ضعف في التواصل البصري
- عدم الرغبة في وجود علاقات اجتماعية
- يفضل أن يبقى وحده
- ينزعج من التواصل الجسدي مثل التقبيل أو الحضن أو اللمس
- صعوبة في التواصل مع أطفال آخرين
- تكرار بعض الكلمات والأنشطة بشكل ثابت
- البعد عن اللعب التخيلي
- زيادة في النشاط الحركي أو نقص ملحوظ في النشاط الحركي
- يظهر حساسية مفرطة للألم وعلى العكس تماماً يتحمل الألم تحملاً شديداً
- ضعف المهارات الحركية سواء الدقيقة مثلاً كالإمساك بالقلم أو المعلقة، أو المهارات الحركية الكبرى مثل: الجري أو صعود السلم، ربما يستطيع الصعود ولكن لا يستطيع النزول وحده.[3]
الفيديو التالي ربما يعطي تصوراً أكبر عن طفل التوحد، فيديو تعريفي اسمه "أخي من القمر" باللغة الفرنسية:
ما الفرق بين التوحد وطيف التوحد أو ما يطلق عليه الأسبرجر؟
الأطفال المشخصون بطيف التوحد ليس لديهم مشكلة في التواصل اللفظي فهم يتحدثون بشكل يبدو طبيعياً، ولذلك يتأخر تشخيصهم في أكثر الأوقات لما بعد الثلاث سنوات وربما حتى أول عام دراسي لهم بالمدرسة. أما مشكلة التواصل الاجتماعى فسببها الأساسي هو الانغماس التام في الاهتمام بشيء معين، وربما تتغير الاهتمامات من فترة لأخرى لكنهم يريدون ممن يتواصل معهم الحديث حول هذا الأمر فقط، وهذا الأمر يكون مملاً ومرهقاً جداً لمن يتواصل معه.
الفارق الآخر أن قدراتهم الإدراكية في نطاق الطبيعي ولا يعانون من تأخر في القدرات الإدراكية، على عكس الأطفال المشخصين بالتوحد المعروف لنا، بل بعضهم يكون لدية معدلات ذكاء عالية.
يتعرض الأطفال المشخصون بطيف التوحد إلى كثير من العنف اللفظي بسبب أن اختلافهم غير واضح، [4] فيتعامل الناس معهم كأشخاص ليس لديهم لياقة ولا ذوق في التصرفات والمعاملات الاجتماعية.
أسباب التوحد عند الأطفال
حتى الآن لم تعرف الأسباب، يقول بعضهم إنها الجينات فالذكور أكثر عرضة للإصابة بالأسبرجر بمعدل 4 أطفال ذكور مقابل بنت واحدة، وآخرون يقولون إن تعرّض الأم أثناء الحمل لضغط نفسي أو ظروف حمل سيئة ربما يجعل الطفل أكثر عرضة للتوحد. البعض يرجع الأمر إلى نقص بعض الفيتامينات أو العناصر الغذائية. بعض الأبحاث تذكر أن الأمر له علاقة بتشريح المخ، فقد ذكرت بعض الأبحاث أن التشريح والأشعة المغناطيسية للمخ للمصابين بالتوحد مختلف عن غيرهم.
إلا أنه حتى الآن لم يذكر سبب واضح للتوحد.[5]
علاج التوحد عند الأطفال
لا يوجد أي علاج للتوحد، فكل طفل مختلف تماماً عن الآخر في نقاط الضعف والقوة، لكن توجد جلسات علاجية لتحسين نقاط الضعف وأيضاً تختلف باختلاف الشخص وعمره. فبعضهم يحتاج إلى جلسات تخاطب حتى لو كان يتحدث بطلاقة لأنه لا يستطيع فهم لغة الجسد أو تعبيرات الوجه. بعضهم يحتاج لتحسين مهاراته الحركية والإدراكية، هناك أيضاً جلسات مع الأخصائي النفسي والطبيب المتخصص.
يمكن لبعض الأطفال التعلم في مدارس عادية لكن بشرط وجود مدرس ظل أو مرافق، على الرغم من عدم وجود علاج سواء دوائي أو سلوكي يقضي على التوحد، فالأدوية لا يتم وصفها لعلاج التوحد ولكن لعلاج أعراض أخرى مثل قلة النوم أو فرط الحركة وقلة الانتباه المصاحبة لبعض حالات التوحد.
لكن الأكثر أهمية هو التدخل المبكر والمكثف والذي يعطي نتائج إيجابية جداً ويحسن من الأمر بشكل كبير.