نعيش في مجتمع يقدس العادات والتقاليد أكثر من دينه. تجد الناس يستعملون كلمة "عيب" أكثر من هذا حلال وذاك حرام، حتى لو كان حاملاً لكتاب الله، وهو أمر طبيعي في وسط يتم فيه تدريس التعاليم الدينية وتطبيق التقاليد الموروثة.
تخصّب البويضة فتصبح علقة ثم جنين، لكن يحدث شيء بسيط كتعويض الكروموزوم "y" ب الكروموزوم "x"، أي عوض ولادة ذكر تبتسم له الأوجه، تأتي الأنثى مبتسمة لتعبس في وجهها هذه الحياة، تسعد كونها أتت في عصر لم تعد توأد فيه الإناث، لكنها تنسى أن العادات والتقاليد إن تنازلت عن شيء ستسلب منك أشياء أخرى كثيرة.
في المغرب مثلاً، الدين والقانون يعطيان للمرأة حقها في الإرث، لكن التقاليد تقضي بحرمانها منه. تحكي قريبتي أنها بعد وفاة والدها طالبت بحقها في الإرث، فحرمها إخوتها منه، وعندما أصرت صرخت أمها في وجهها قائلة: متى رأيت فتاة في قبيلتنا تتقاسم مع إخوتها مال أبيها؟ هل تريدين أن تنشري الفتنة بيننا؟ لنجد أن هذه الموروثات اللعينة لم تكفها أن تكون سليطة على حياة الأنثى فقط، بل جعلتها تتجرعها حد الشبع لتصبح قاعدة في عقلها وتسلطها على باقي النساء.
المرأة البسيطة التي تلعب دور الأم، الأخت والزوجة، لم تطالب بحقوق عبثية كالمساواة في الإرث والتحرر بمعناه الحداثي المائع الذي نراه لدى البعض، بل طالبت بحقها الطبيعي الذي أعطاه لها الدين والقانون، كونها إنساناً مثلها مثل الرجل.
لكن الغريب في الأمر أن هذه التقاليد تحيزت دائماً إلى جانب الرجل، حتى عندما ساوت بين الجنسين. لم تجد شيئاً تعدل فيه بينهما أفضل من الختان، مثلما يفعلون في بعض المناطق في السودان، مصر وغيرها من الدول المحيطة بها. وكأنهم يودون من المرأة أن تتجرع أي شيء يؤلم الرجل، وسلبها أي شيء يبرز دورها، أهميتها وقدرتها على تطوير هذا المجتمع.
حتى التربية لدى مجتمعنا العربي قائمة على زرع فكر الخدمة المنزلية وإطاعة الأوامر في صمت عند الأنثى، وفكر السيادة وإعطاء الأوامر عند الذكر. لنأخذ مثالاً لأخ وأخت: يكون الاثنان جالسين وسط أسرتهما يشاهدان فيلماً، على نفس الكنبة وبكامل صحتهما، يعطش الأخ فتأمر الأنثى بجلب الماء له، أما إن عطشت هي فتوجب عليها سقي نفسها بنفسها. نفس الأمر عندما يكون الزوجان عاملين، يعود الرجل من عمل فيتسطح على السرير، أما هي فيتوجب عليها تحضير الأكل وترتيب البيت.. الخدمة بالنسبة لي ليس أمراً يستصعب على الأنثى تقبله، إن تم اعتباره تفضلاً وإحساناً منها، لكن يصبح خانقاً وقاتلاً عندما يفرضه المجتمع ويعتبره واجباً.
لنعُد إلى معاناة نساء العالم القروي مرة أخرى، تستيقظ المرأة قبل الجميع لتحضر الفطور، تذهب بعدها لجلب الماء من الوادي ثم تجمع الحطب من أجل إشعال النار، تحضر وجبة اليوم الرئيسية ثم تتوجه مساءً لجمع الغنم مع زوجها، كأن هذه العادات لم تكفِها تزويج هذه الأنثى وهي قاصر دون استشارتها أو موافقتها، لا أعلم كيف تهون طفلة مازال أمثالها يلعبون على أهلها، تدخل هذه الصغيرة إلى عالم جديد عنها تصبح فيه هي المسؤولة عن ترتيب وخدمة شخص آخر، ليكون الإنجاز في هذه الجريمة هو ستر عرضهم. وأحياناً يتم تزويجها بكهل هجر زوجته رغبة في خلفة الذكور. نعم هكذا، إن أنجبت إناثاً فقط تعتبر زوجة عاقة لا تصلح سوى لخدمة أهل الزوج وتعاقب بالهجران، كأنه لا يعلم أنه هو المسؤول عن جنس المولود. في عالم الأرياف لا يوجد طلاق إما زوجة أو أرملة، أهل الأنثى لا يقبلون كلمة مطلقة، يعتبرونها وصمة عار عليهم. لنكُن واقعيين حتى أهل المدن في بعض بلداننا العربية مازالوا يرون أن المرأة المطلقة عار، لدرجة أنهم يتخلون عنها في أزمتها، أما إن أشفقوا عليها وتقبلوها فغالباً ما تقيد حريتها في الدخول والخروج، إلى أن يدفنوها في زيجة أخرى.
يسلبون من الأنثى حقوقها ويقيدون حريتها وعندما يسمحون لها بممارستها يشعرونها كأنهم تفضَّلوا عليها بحقها، كحرمانها من السياقة ثم السماح لها بها، كأن المرأة العربية لم تركب حصاناً ولم تشارك في معركة من قبل.
لن ننكر أن المرأة حققت مجموعة من الإنجازات وتسلخت من هذه الموروثات الفكرية من عادات وتقاليد، إذ وصلت إلى مناصب عالية وبرهنت عن دورها المهم في بناء المجتمع وقدرتها على تطويرها، لكن مثلما هناك نساء استطعن تحقيق ذواتهن، مازال هناك أخريات في الجبال منسيات، لدرجة أنهن لا يعلمن بحقوقهن وأنهن صاحبات دور ورأي، إذ إن هذه التقاليد قتلت الروح بداخلهن لتجعلهن مثل الآلة ينفذن فقط.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.