لن يكون أبلغ تعبيرا من هذه العبارة، التي أرسلها باسم يوسف لعمرو أديب تعليقا على الفظاعات التي ارتكبها الأخير خلال أيام تغطيته الممتدة لفعاليات التظاهرات التي عرفتها بعض من المدن المصرية على مدار الأسبوعين الأخيرين، لتلخيص الوضع العام البئيس لنظام عبد الفتاح السيسي الانقلابي وأركان حكمه "المتهاوي".
سقوطه قادم طال الزمن أو قصر
السيسي لن يسقط في ثمانية عشر يوما كما يأمل الحالمون. لكن سقوط نظامه أكيد مهما طال الزمن أو قصر. وفي انتظار ذلك لابد من الإعداد لمواجهة عنجهيته وتسلطه بما يسرع من تداعي أركان النظام الهش، أو انتظار رصاصة رحمة تأتيه من حيث لا يحتسب.
كان مؤملا من المبشرين بالثورة القادمة وبـ "جمعة الخلاص" أن يكونوا قد وعوا الدرس من أيام حراك 25 يناير وما تلاه من فترة سادت فيها الرومانسية الثورية لتفضي بمصر وأبنائها إلى ما هم عليه اليوم. استنساخ "الثورات" لا يحقق الأمنيات. فكما يسعى الثوار لاستعادة المبادرة وإنقاذ البلاد من أيدي العصابة المتحكمة في مقدراته، لم تعدم العصابة من إمكانيات للتعامل مع أي حراك مفترض خصوصا إن كان مفتقدا لعنصر المفاجأة أو الإبداع في الفعل والاستعداد للتضحية من أجل النجاح فيه.
نظام عبد الفتاح السيسي هو النظام الديكتاتوري المفضل لدى الرئيس دونالد ترمب، وهو أيضا الثروة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي والحليف المطواع لقادة الثورة المضادة من أنظمة المنطقة بدولتي السعودية والإمارات وغيرهما. وطوال السنوات التي تلت انقلابه على الرئيس الشرعي، استطاع توطيد علاقاته بكثير من قادة دول الغرب "الحر" الذين صاروا يستقبلونه بالأحضان ويتبادلون معه القبلات. الاتجاه الدولي العام معادٍ لأي تغيير في السلطة بدولة كبيرة كمصر، وهم لأجل ذلك يغفرون للانقلابي جرائمه وإن شملت ضحايا غربيين، ولكم في حكاية ريجيني العبرة والمثال.
في الضفة الأخرى، يعاني معسكر الثورة الاغتيال والتصفية الجسدية والقتل والسجن والاعتقال والنفي والشتات والقهر والتخويف. ولأن المصائب ما كان لها أن تأتي فرادى، فقد ساهم أبناء التيار الثوري في التشنيع المتبادل والتشهير المتعمد وتوزيع صكوك الغفران والطهرانية حسب الانتماء الأيديولوجي والحزبي. وانتهى المطاف بكثيرين منهم إلى "الكفر" بالنشاط السياسي وبآخرين إلى حافة الجنون.
شروط التغيير
لقد كرست سرعة سقوط المخلوع حسني مبارك وما رافق ذلك من تضخيم للأعداد ونقل مباشر للفعاليات، بما سمح للكاميرا أن تتحول إلى شاهد يستعان به للضغط على الجالس على الكرسي من الخارج ومن المتربصين به داخل النظام، قناعة لدى ثوار الفضاء الأزرق أن سقوط الأنظمة ممكن بالوسوم والصفحات الفيسبوكية والتحليل التلفزيوني زمن النشرات والتغطيات. لكن واقع الحال، تأكيد بأن الأمر كان "منة" إلهية ما كان لها أن تتكرر دون دفع الأثمان غالية من الأرواح والممتلكات وأوجه الاستقرار والأمان.
وأي قراءة متأنية للحالة الثورية المصرية للعام 2011 وما تلاه من حراك مستمر في بلدان متعددة أخرى، تظهر أن النجاح في تغيير الأنظمة المستبدة، وهي الغالبة في منطقتنا العربية، يحتاج مقومات ذاتية وموضوعية يكون أساسها القناعة الجماهيرية والثقة في القدرة على تحقيق التغيير بما يفرض على القوى الأجنبية، باعتبارها الفاعل الأهم للأسف، السعي للبحث عن حلول تأخذ طموحات الشعوب بعين الاعتبار.
الثورة لم تكن يوما نزهة أو خرجة نهاية أسبوع لتفريغ منسوب الغضب المتنامي ثم العودة إلى الحياة الطبيعية في انتظار فرصة ثانية لتكرار الأسطوانة ذاتها. إن كان الأمر كذلك، فالاستمرارية واجبة لأسابيع وأسابيع كما في الحالة الجزائرية التي وإن فقدت وهجها فإنها على الأقل بقيت صامدة في انتظار الاستفادة من دروس أهلنا في السودان وتجربتهم مع العصيان المدني الذي حرك المياه الراكدة في فعلهم الثوري. ففي مواجهة نظام أمني مستعد لإغلاق كل مناحي الحياة درءا لأي تظاهرة تخدش حياءه أمام العالم، يحتاج الشعب، وقود الثورة، ومعه النشطاء المفترضون للقيادة إلى تأهيل كامل يعيد للمتخوفين القدرة على المبادرة، وإلى اليائسين الأمل في التغيير، وإلى العامة الثقة في الذات والآخر في زمن تمكنت فيه الآلة الإعلامية، رغم أدائها البئيس، من زرع الشقاق وبث الإحباط وتصدير الهزيمة أمرا واقعا مقابل نفخ في قدرات النظام ورأسه ومن والاه.
الحرية لها ثمن لا مناص من دفعه
الأكيد أن نظام عبد الفتاح السيسي، من دون الغطاء الإقليمي والدولي، هش البنية باعتباره حاكما بالقوة والقهر ضد مناوئيه ومناصريه على السواء. وهو بذلك فاقد لقوة يحاول الإيهام بأنها فائضة عند قواته يصدرها إلى الجيران في ليبيا وغيرها من دول الجوار. لقد أثبتت فيديوهات ممثل ومقاول مغمور، لا يملك من الكفاءة السياسية إلا النزر اليسير، مدى ضعف أركان دعاية النظام التي أسقط عنها أوراق التوت الواحدة تلو الأخرى بما صارت بذكره الركبان. ولعل في استنجاد الأخير، طوال أسبوعين كاملين، بما أوتي من ترسانة ممكنة من أسلحة التلفيق والتهديد والتخوين واستعراض العضلات، عماده فيها راقصات وكومبارس وشيوخ سياسة ودين لا يملكون من أمرهم غير الطاعة، ولا يملكون من التأثير في الناس قدر ما يملكونه من السخط الجماهيري والاستهزاء، ما يؤكد أن الاستعراض الأمني المبالغ فيه مجرد رقصة ديك مذبوح أو متوجس من مصير أسود يراه البعض بعيدا ويراه هو أقرب إليه من جبل الوريد.
ظاهرة محمد علي، رغم ما حُمِّلت من آمال انتهت بإحباط يكاد يكون عاما، مناسبة لمن لا يزال في نفسه مطمح إلى التحرر أن الصبح قريب. وهي في الوقت ذاته تذكير بأن الحرية تحتاج تحضيرا وتأهيلا يبدأ بالمصالحة مع الذات والآخرين لاستعادة ثقة مفقودة هي الفيصل في قادم الأيام. الحرية لها ثمن لا مناص من دفعه. أما سقوط عبد الفتاح السيسي فأمر لن يتم بالتأكيد في ثمانية عشر يوما، وقد يتم قبلها أو بعدها بـ "ثورة حقيقية" أو رصاصة رحمة قد تأتيه من حيث لا يحتسب أو يدري.
وفي انتظار ذلك، تفضلوا بقبول فائق الاحترام.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.