فاز بايرن ميونيخ على أرسنال بنتائج كبيرة مراراً وتكراراً، حتى صار أمراً معتاداً، وأخيراً فاز الأول على غريم الأخير، لكن بنتيجة لم يخسر بها أرسنال من قبل (7-2)، سنأخذ قليلاً من هنا، وبعضاً من هناك، ونستنتج في النهاية أنها عقلية الفوز لبايرن ضد فرق لندن، أو للدقة فرق شمال لندن. هذه النظرية ليست سطحية عزيزي القارئ، هي ليست نظرية أصلاً.
إلحاد كرويّ
مصطلح شخصية وعقلية الفريق مشكلته الأولى أنه يلغي كل ما يتعلق بكرة القدم من الأساس، بمعنى أن ريال مدريد سيظل على القمة دائماً لأنه الفريق الأكبر في التاريخ، وأن ما حدث في الواقع من سقطات لفرق كبيرة مثل ميلان وبايرن ويونايتد وبرشلونة وليفربول هو واقع وهمي ولا يمت للحقيقة التي نعيشها بصلة، لأنها فرق ذات شخصيات كبيرة بالطبع. وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل، ما هو السبب أصلاً في كون ريال مدريد وميلان فرقاً ذات تاريخ كبير؟
أهي شخصية الفريق الكبيرة؟
حسناً، من أين أتت تلك الشخصية أصلاً في البداية قبل تكوين هذا الكَم الهائل من البطولات؟
المجد للطبيعة إذاً.
يقول أحد أعظم منظري كرة القدم، خوانما ليو: "النتيجة مجموعة من البيانات، أنت تناقش العملية وليس النتيجة، النتائج لا تُناقَش، الجماهير في المدرجات وعلى التلفاز تشاهد المباراة التي تُقام، لكن لا تنتظر النتيجة النهائية وهي جالسة على المقاعد".
شخصية الفريق هي المبدأ، كيفية إدارة المباراة والسيطرة عليها، الخطة، اللعب على نقاط ضعف الخصم بأسلوب اللعب الأساسي، والصناعة. ليس شرطاً أن تتناسب النتيجة النهائية مع الأسلوب، رضوخ الواقع للمنطق لا يحدث دائماً، لكنه يحدث في أغلب الحالات.
بديهيات لا بد من ذكرها
بالتالي فاز بايرن ميونيخ لأنه استحق الفوز والنتيجة النهائية، لعب بأسلوبه، سيطر على المباراة، واستغل نقاط ضعف خصمه بأسلوبه، فكانت ليلة ساحرة تصدر فيها مجموعته بأحقية كاملة.
ورغم ذلك، هزيمة توتنهام القاسية لا يمكن نسبتها لسوء الحالة الفنية والتكتيكية التي كان عليها الفريق فقط، مع كامل الاعتراف بأحقية بايرن ميونيخ في النقاط الثلاث، لكن الأخير يُلاقي فرقاً أقل من توتنهام في البوندسليغا ولا يفوز بالأربعة حتى.
الفكرة هنا هي أن هذه إرهاصات النهاية، رحلة بوتشيتينو مع توتنهام انتهت عملياً، لم يعد الأرجنتيني قادراً على إعطاء المزيد للفريق اللندني، تلك مرحلة مر بها فينغر مع أرسنال من قبل، وأليغري مع يوفنتوس مؤخراً، هي مرحلة التخبط لأنه لا جديد لتقديمه بشكل عام. حالة من التشبع الكامل والفقر المدقع في آن واحد.
دخل بوتشيتينو اللقاء بتشكيل خالٍ من عمودين أساسيين، وهما صانع الألعاب وعقل الفريق كريستيان إيركسن، والجناح لوكاس مورا، لكن الفريق فاجأ الجميع بعرض مبهر في الشوط الأول بهدف الكوري الجنوبي سون هيونغ مين، مع اندفاع بدني هائل في الصراعات الثنائية مع عناصر بايرن، ضغط عالٍ يبدأ بحجز الأظهرة للأظهرة في مناطقهم، وضغط ندومبيلي المستمر على كوتينيو لأنه مفتاح لعب البايرن الأول من العمق، مع تخلص كامل من تكرار التمريرات العرضية التي لاحقته في الدوري الإنجليزي، وأصبح أكثر اعتماداً على التمريرات العمودية في العمق.
لكن العرض المبهر انتهى بمأساة، خطّا الوسط والهجوم يندفعان للضغط، في حين يقف خط الدفاع متأخراً، فيظهر الفريق وكأنه مجموعتان منفصلتان، يقول جوزيه مورينيو عن هذا الوضع: "الأصل في الدفاع هو اقتراب الخطوط الثلاثة من بعضها (Compactness)، ومحاولة تقليل الفراغات بينها قدر الإمكان، سواء كان الفريق يعتمد على الدفاع المتأخر أو الضغط العالي".
جاء الرد المناسب من كوفاتش، بأنه قام بتوظيف كوتينيو كلاعب حر بين الخطوط، وأحياناً يتطرف على اليمين ويأتي مكانه جنابري، الأهم هو تواجد لاعب يستغل تلك المساحة لصنع الفراغ لزملائه على الأطراف، خاصةً في ظل تقدم أظهرة توتنهام وبالأخص روز، وبالفعل، يتمركز لاعب على اليمين، ومن ثم يمرر في تلك المنطقة، وهي الطريقة التي سدد بها بايرن هدفه الأول عن طريق كيميتش.
واستكمالاً لبحر البديهيات، كوفاتش جعل ليفاندوفسكي مهاجماً متحركاً في تلك المنطقة، كأننا نشاهد نسخة من فيرمينو مع ليفربول. يتحرك ليفاندوفسكي ويسحب معه قلب الدفاع الغر وينكس، يلاحظ قلب من قلبي الدفاع المساحة الفارغة في عمق الوسط، فيذهب لشغلها، فيقوم ليفا بسحبه هو الآخر بالحركة بدون كرة، فيصعد جناحا بايرن لاستغلال المساحة في الفراغات بين الظهير وقلب الدفاع، ويتم استغلال تلك المنطقة ومنطقة العمق معاً من جانب الهجوم بشكل كامل.
الأمر لا يظهر كجنة الخلد بالنسبة لكوفاتش، الرجل قد أجرم بالبدء بتوليسو بجانب كيميتش، لأن توليسو كثير الأخطاء، فقرر مشاركته ضد فريق يلعب في العمق فقط، بالتالي كان يسقط سون كثيراً في الشوط الأول ليسحب توليسو ويُعطي المساحة لديلي مع هاري كين في الأمام واستغلال المرتدات، وهي الطريقة التي توضح أسلوب توتنهام الرئيسي هذا الموسم.
مع دخول ألكانتارا الاضطراري بدلاً من المصاب ديفيد آلابا، ظهر البافاري بثياب التنظيم بشكل أكبر، لا يضطر كوتينيو أو جنابري للسقوط كثيراً في الوسط لمساعدة توليسو، مع تحكم ألكانتارا في نقل مركزيات اللاعبين للأمام بكل بساطة، لأن توليسو قد أعطاه الأريحية للتقدم على الدائرة، فيقوم بالتمرير عرضياً أو في العمق بحثاً عن المساحة.
عريس الليلة، جنابري أظهر تألقاً كبيراً في أفضل لياليه الكروية
حتى اللحظة، خصوصاً في استغلال المساحة خلف الظهير الأيمن سيرجي أورييه.
ليفاندوفسكي لعب دور المهاجم المتحرك، وكان ركيزة أساسية
في تألق البايرن. أما المطرود من جنة برشلونة، كوتينيو، فلم يظهر كثيراً، لكنه
شارك في هدف، وبدا وكأنه في طريقه لاستعادة عافيته، لكن بشكل تدريجي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.