في عام 2015 بلغ الحوثيون أعلى مستويات قوتهم، وامتلكوا المقاتلات الحربية، لدرجة أنهم كانوا يحركون قواتهم العسكرية على هيئة أفواج ضخمة تحرسها طائرات الهليكوبتر. بعد شهر من "عاصفة الحزم" استطاع التحالف العربي هزيمة الجزء الصلب من تلك القوة، ودحر الحوثيين من مستوى الجيوش إلى درجة العصابات مرة أخرى.
فلقد كان الحوثيون عصابة دينية خرجت من جبال الشمال، ثم رفعهم علي عبدالله صالح إلى مصاف الجيوش، لكن المقاومة والتحالف أعادتهم إلى سيرتهم الأولى، فما كان منهم وهم يهبطون إلى أرض العصابات مرة أخرى إلا أن قتلوا الرجل الذي جعل منهم جيشاً. إن قوة الحوثي الآن أضعف مما كانت عليه قبل أعوام معدودة. أما عنصر قوتهم الأساسية فيكمن في حقيقة أنهم لم يعودوا جيشاً، ولا يمكن للجيوش الحديثة أن تستهدفهم على نحو مباشر.
يقاتل الحوثيون منذ ثلاثة أعوام على حدود مدينتي تعز والضالع، ويعجزون عن تحقيق أي اختراق. في الواقع يتقهقرون ببطء. في الأيام الماضية تحدثوا عن عملية عسكرية سموها "نصر من الله" حققوا فيها نصراً كبيراً على لواء الفتح. وهو لواء سلفي يتبع السعودية بصورة مباشرة، غارق في التطرف والفساد، يملك قائمة مقاتلين من 8 آلاف، وعند هزيمته أفادت المعلومات بأن إجمالي مقاتليه، في الواقع، ليسوا أكثر من ألفي مقاتل. منذ تشكيله يرفض لواء الفتح الالتحام بالجيش كي يبقى قريباً من الله [قال قائده، مراراً، إنه يخشى على عقيدة أفراده]. قرب اللواء من الله لم يحل دون هزيمته في عملية سماها خصمه "نصر من الله".
انتهت الحرب بوصفها عملية شاملة تهدف إلى إنجاز تغييرات استراتيجية، ودخلت اليمن في مرحلة ما بعد الحرب، حيث يتقاسم المتحاربون الأراضي التي لم يعد لها من صاحب. في السنة الأولى من الحرب العالمية الثانية التقى جنرالات ألمانيا وروسيا في مكان ما في بولندا التي تلاشت للتو، وقال أحدهم لآخر وهو ينظر إلى دخان سيجاره: ها نحن ندخّن بولندا.
في الحروب الهجينة، حيث متحاربون عديدون، غالباً ما يفضي المشهد إلى منظر لجنرالات متنافسين يدخنون أرضاً مهزومة، أو يحولونها إلى دخان. لإتمام هذا المشهد تبدو شرعية الرئيس هادي شديدة الأهمية، فهو الوحيد القادر على منح عملية التقسيم مشروعية أخلاقية وقانونية بحيث يجعلها تبدو وكأنها عملية تحرير. في الأيام الماضية هدد الأمير تركي، قائد قوات التحالف، جنرالات في الجيش اليمني قائلاً إن مقاتلات بلده على استعداد للفتك بالجيش إن حاول الاقتراب من عدن. كان واضحاً أن الرجل قد رأى سحابة دخان طالعة من سيجارتين أو ثلاث، وصار بمقدوره حماية ممتلكاته. قبل ذلك قالت الخارجية الإماراتية إن الجيش "اليمني" الذي قصفته على مداخل عدن كان إرهابياً، وإنها دافعت عن مصالحها ومصالح حلفائها، أي نصيبها من التركة. أما شمالاً، حيث إيران، فقد استقرت الأمور منذ زمن. فلم يغير عمّال إيران وجه السياسة وحسب، بل قلبوا الديانة رأساً على عقب، وجاؤوا بالاثني عشرية إلى بلاد لم تكن على مر تاريخها جزءاً من ذلك المذهب. تتصرف إيران في ممتلكاتها بالطريقة التي تراها مناسبة، ولأجل ذلك ستغرق الشمال بالسلاح حتى تبدو ترتيباتها وكأنها قد صارت نهائية. مثل ذلك، تماماً، تفعل الإمارات في الجنوب.
انتهت الحرب اليمنية، يمكننا القول، ودخل البلد عصر التقسيم. وسيكون على اليمنيين أن يصارعوا لعقود طويلة للتحرر من احتلال ثلاثي لا يعتمد على الآلة العسكرية وحسب، بل على تشكيلات محلية ضاربة القوة ومستعدة لتقديم كل أنواع الخدمة للمندوب السامي. الدول الثلاث، على نحو مستقل، ستقوم بقمع كل حركة استقلال وطني تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وسيوصف كل من يرفض انهيار الدولة اليمنية على هذا النحو بالإخواني، أو الإرهابي. دخلت اليمن، بأكملها، في عصر المستعمرات، ولم يحدث لها مثل ذلك من قبل في كل تاريخها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.