"إنه اللاعب الذي يملك جينات مهارية تفوق أقرانه، ويتفوق على منافسيه بذكائه الفطري وقدرته التقنية التي تجعله مؤهلاً لصناعة الفارق في اللحظات المصيرية، لذلك تجده الحاسم الأكبر خلال المباريات الكبيرة، والنجم صاحب أكبر رصيد من صناعة الأهداف. وعلى الرغم من ارتدائه لنفس القميص مع رقم على الظهر، إلا أنه بالنسبة للجماهير والأنصار بمثابة الرهان الفائز بين جنبات الركن المنسي من المدرجات".
هذا هو التعريف الأساسي لصانع اللعب الحقيقي في كرة القدم، من وجهة نظر مانشيني مدرب الأزوري، قبل تعقد اللعبة وتخصص التكتيك في السنوات الأخيرة.
بدون مقدمات، أعترف سريعاً بأني وقعت في حب ليستر سيتي هذا الموسم. فريق مبادر وشجاع، يلعب كرة سريعة على الطريقة الحديثة، مع مدرب لديه أسلوب خاص وفكرة صريحة. براندن رودجرز يستحق التحية على الطفرة التكتيكية التي صنعها مع الثعالب، ليحوله من جديد إلى أحد الفرق التي يهابها الكبار، مع حلم مشروع بالتواجد ضمن المراكز الستة الأولى هذا الموسم.
خلال مباراة ليستر وتوتنهام بداية الأسبوع، عاد فريق رودجرز من التأخر بهدف ليحقق انتصاراً مستحقاً بهدفين، بعد تعديل خططي بسيط من جانب مدربه، بالتحول من 4-4-2 صريحة إلى 4-1-2-1-2، لكن كيف حدث ذلك؟
تغيير بسيط وسريع بدخول دينيس برايت مكان أيوزي بيريز، ثم قبل النهاية جراي مكان بارنيز، ليدخل ماديسون إلى العمق بدلاً من الطرف، ويفتح رودجرز الملعب بثنائي من الأظهرة الهجومية، بيريرا يميناً وتشيلويل يساراً، بالإضافة إلى تمركز ثنائي هجومي بالمقدمة.
أدى هذا التعديل إلى انفجار طاقات جيمس ماديسون، نجم الفريق الأول هذا الموسم، في مركز جديد نوعاً ما اسمه "التريكوارتيستا" على الطريقة الإيطالية، حيث يطلق هذا الوصف على صانع اللعب المباشر المحاط بأظهرة هجومية وخلفه ثلاثي بالوسط، مع تحرك اثنين من المهاجمين أمامه داخل وخارج الصندوق.
انشغل دفاع توتنهام بتحرك فاردي وجراي، كان هناك صراع بدني بالمنتصف بين ثلاثي الارتكاز لكل فريق، مما جعل ماديسون يحصل على الفراغ اللازم للتسديد أو إعطاء الأسيست. هكذا كانت لعبة هدف الفوز في الدقائق الأخيرة بإيجاز، صانع ألعاب ليستر يستلم أمام منطقة الجزاء، يملك الوقت المناسب للدوران والتسديد وهز الشباك، معلناً فوز فريقه وحسن تبدير مدربه، ويعيدنا جميعاً إلى مركز خططي لا ينسى بدأ وتوهج وانطلق من بلاد كانت جنة كرة القدم في وقت سابق. التريكوارتيستا والكالتشيو قصة حب لا تُنسى.
في إيطاليا، صانع اللعب الذي يسجل الأهداف ويمررها لزملائه يُطلق عليه "التريكوارتيستا"، وهو التكتيك الأكثر نجاعة في ملاعب الكالتشيو في زمن سابق، ويعني باختصار لاعب الوسط المهاجم بالمركز 10، الذي يسجل ويصنع ويمرر، ولديه القدرة على العودة إلى الارتكاز أو التوغل نحو الطرف، وبالتأكيد الدخول داخل منطقة الجزاء، إنه اللاعب الأكثر حرية على الإطلاق.
لاتسيو 2000 من أعظم الفرق التي مرت على الكالتشيو، مع المدرب السويدي سفين جوران إريكسون الذي فاز معهم بالدوري الإيطالي وبطولة الكأس مرتين وكأس الكؤوس الأوروبية كل هذا خلال 4 سنوات فقط، لكنها سنوات لا تُنسى. مع اعتماد السويدي لطريقة لعب 4-4-2 الجوهرة التي تصبح 4-3-1-2 بسبب تحركات الأرجنتيني الفنان خوان سباستيان فيرون، الذي لعب كصانع لعب خلف الثنائي كلاوديو لوبيز وسيموني إنزاجي، وأمام وسط فولاذي مكون من الشولو سيميوني وستانكوفيتش، والجناح الحر بافيل نيدفيد.
التريكوارتيستا لا تحتاج إلى طريقة لعب معينة أو أسلوب تكتيكي خاص، بل تعتمد بشكل أكبر على خصائص اللاعب وهل يستطيع القيام بهذا الدور أم لا، لذلك كان فيرون واحد من الأسماء المفضلة عند مختلف المدربين، لأنه قادر على أداء الدور الهجومي ببراعة، مع قدراته الدفاعية الواضحة.
روبرتو باجيو نموذج آخر لهذا المركز في سنواته الأخيرة، حينما أعاد اكتشاف نفسه من جديد مع فريق بريشيا، رفقة الثعلب الإيطالي العجوز كارلو ماتزوني، خلال بدايات الألفية الجديدة، بعد استعادة دور التريكوارتيستا ونجاح المدرب في صناعة نظام تكتيكي يسمح للرقم 10 بأداء الدور الهجومي والاكتفاء بصناعة الأهداف وتسجيلها، مع وجود ارتكاز يقطع الكرات وآخر يساهم في إيصال الكرة إلى روبرتو، ولنا في ثنائية بيرلو-باجيو خير دليل إبان فترات بريشيا الساحرة.
باجيو هو فنان يعرف متى وأين يهرب من الرقابة، وفي ثواني معدودة يتخذ قراره الذي يعتمد على الكرة، وتمركز زملائه، وطريقة وقوف دفاع المنافس، ومع رؤية كروية بمعدل 360 درجة، يبدأ "بابا نويل" الكرة الإيطالية في توزيع الهدايا على الرفاق، ليلعب 4 سنوات مع بريشيا، ويسجل 45 هدفاً، ويصنع أهداف بنسبة 33.7 % من كل عدد الأسيست للنادي خلال فترة تواجد الأسطورة الأولى للكرة في بلاد الأزوري.
اختفى هذا المركز لسنوات طويلة بسبب لعب فرق قليلة جداً بثنائي من المهاجمين، مع اعتماد الغالبية العظمى على الأجنحة الصريحة في صناعة اللعب، بالإضافة إلى تقسيم مهام لاعبي الوسط بشكل معقد ومتخصص للغاية، لكن مؤخراً مع تزايد قيمة الأظهرة وفطنة المنافسين لإغلاق الأطراف أمام الفرق الهجومية، فإن صانع اللعب المباشر من العمق يمكن إعادة إنتاجه من جديد، ولنا مثال بثعلب ليستر الفتاك، جيمس ماديسون، فهل نشهد نماذج أخرى في الفترة المقبلة؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.