هل أعطى ترامب للسيسي تعليمات للتعامل مع المتظاهرين اليوم؟ ماذا ستفعل واشنطن؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/27 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/27 الساعة 11:25 بتوقيت غرينتش

مع انطلاق المظاهرات في الشوارع المصرية الجمعة الماضي، اتجهت الأنظار في مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، جنباً إلى حراك الناس الملفت، وهو أمر له ما يبرره، فعبدالفتاح السيسي غادر يوم الجمعة لحضور اجتماعات الأمم المتحدة ولقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هامشها، بينما تعد أمريكا هي الشريك العسكري الرئيسي لمصر، وتعد مواقفها صوب مصر مؤشراً وترمومتر قياس في كثير من الأحوال. إلا أن الاهتمام بما يجري هنا في واشنطن قد تعاظم بعدما أعلن قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس اعتزامهم بدء محاكمة ترامب برلمانياً تمهيداً لعزله على خلفية مكالمته مع الرئيس الأوكراني بشأن نجل جو بايدن، وهو ما أعقب لقاءه مع عبدالفتاح السيسي وإعلانه دعمه له.

هذا التعاظم في الاهتمام كان منشؤه أملاً لدى الجماهير بأن يكون الضغط الحادث على ترامب سياسياً في الداخل مؤدياً إلى اهتزاز في موقف السيسي السياسي أو تراجعاً في دعم أحد أهم حلفائه له، لاسيما مع حالة حبس الأنفاس التي تشهدها مصر مع ارتفاع وتيرة الاعتقالات وكثافتها بالتزامن مع الدعوات بالتظاهر اليوم الجمعة، الأمر الذي جعل سؤال سيناريوهات الموقف الأمريكي في حال تصاعدت حدة الأحداث في مصر، واحداً من الأسئلة المركزية لدى المصريين.

وبرأيي فإن السيناريوهات الأمريكية تتوزع على ثلاثة مستويات ترتبط جميعها بسير الأحداث في مصر وتصاعدها، وليس العكس، فالموقف الأمريكي كما بدا منذ ثورات الربيع العربي في عام 2011 يميل نحو ترسيخ فكرة الاستقرار السياسي في مصر وإبقاء الشراكة الاستراتيجية مع المكون العسكري الذي له الكلمة العليا في مصر، كما أكدت آن باترسون، سفيرة الولايات المتحدة في مصر، إبان الثورة وإلى ما بعد الانقلاب في يوليو/تموز 2013، خلال ندوتها الشهيرة هذا العام.

ولا تعني كلمة الاستقرار السياسي هنا وجود حياة ديمقراطية أو وجود ضمانات حقيقية لحالة حقوق الإنسان، بل تعني عدم انفلات الأمور إلى فوضى تقوض السيطرة على المشهد المصري، بما ينعكس على أمن إسرائيل أو سير الملاحة في قناة السويس وهما النقطتان الأوضح في علاقة كلا البلدين منذ نشأة العلاقات الاستراتيجية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في نهاية السبعينيات، لذا فإن حالة التدافع السياسي ومدى الصخب في الشارع ورد فعل المؤسسة العسكرية المصرية وتفاعلها سلباً وإيجاباً مع ما سيجري اليوم الجمعة والأيام التي تليه سيكون الفاعل الأكبر في تحديد أي السيناريوهات التي ستلجأ لها أمريكا.

أما العامل الثاني المؤثر في تحديد السيناريو الأمريكي فهو عامل بات محدداً سلفاً، وهو طبيعة الإدارة الأمريكية والفاعلين فيها تجاه مصر، فعلى هذا الجانب فإنه لا يوجد ثمة اختلاف كبير بين ترامب ومعاونيه بشأن مصر، فوزير الخارجية مايك بومبيو الذي كان رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكي (سي آي إيه) معروف بعدائه للإسلام السياسي الذي استخدمه السيسي كفزاعة في لقائه الذي جمعه بترامب، وكذلك ميوله اليمينية المحافظة، أما الشخصية التالية فهي ديفيد شينكر مسؤول ملف الشرق الأوسط في الخارجية الأمريكية المعروف بانحيازاته لإسرائيل وتأييده للسيسي، أما روبرت أوبراين مستشار الأمن القومي الجديد، فرغم أنه ينتمي للبيروقراطية وسبق أن عمل مع الجمهوريين والديمقراطيين، إلا أنه يميني محافظ ولا يتوقع أن يكون مخالفاً لترامب أو مناوئاً له حال ما تعقدت الأمور في مصر، أما وزير الدفاع مارك اسبر فهو أقرب للجمهوريين خلال مسيرته العملية الطويلة في السياسة وعالم لوبيات صناعة السلاح.

إذن فما السيناريوهات التي ستلجأ إليها أمريكا في ضوء الاحتمالات المطروحة لمظاهرات اليوم الجمعة؟

السيناريو الأول المطروح على المشهد الحالي أن تؤثر حملة الاعتقالات العنيفة الجارية في مصر مع الحشد المضاد من مؤيدي وداعمي السيسي على وجود أي فاعلية للمظاهرات، الأمر الذي قد يجعلها غير مؤثرة أو ينجح الأمن في منعها نهائياً، في هذه الحالة فإن الإدارة الأمريكية ممثلة في الخارجية الأمريكية لن يكون لها أي رد فعل، وستلتزم الصمت كما فعلت دائماً في محاولات كثيرة للتظاهر سابقاً، وكما تفعل حالياً تجاه حملة الاعتقالات الجارية، وسبق أن قامت هذه المجموعة بالتجاهل التام لوفاة الرئيس الراحل محمد مرسي في سجنه ورفضت التعليق على حدث بهذا المستوى، ومن ثم لا يتوقع لها أن تكون طرفاً فاعلاً بالخصم من النظام عبر نقده حال ما استمر القمع دون وجود شيء حيوي أو مؤثر في المظاهرات.

أما السيناريو الثاني، فهو أن يجري مواجهات محدودة بين المتظاهرين والأمن تؤدي إلى حالات وفاة أو صدام يدفع الجهات العُليا في مصر كرئاسة الجمهورية أو وزارة الدفاع أو الداخلية لإصدار بيانات ما، الأمر الذي قد يستدعي تدخلاً "لفظياً" للحث على ضبط النفس أو إظهار مراقبة الموقف عن كثب، لكن دون دعوات للإصلاح أو الحديث عن أي شيء يسبب حرجاً للنظام أو السيسي، لكنه سيكون مؤشراً على خشية تطور الأمور لما هو أبعد من الاحتجاجات.

أما السيناريو الثالث فهو حال ما انفلتت الأمور وذهب الشارع لمواجهات مفتوحة تؤدي لسقوط العديد من الضحايا أو اشتعال الأحداث بما يشبه حال 28 يناير/كانون الثاني أو موقعة الجمل، عندئذ سيكون موقف الجيش المصري وانحيازه هو بوصلة وزارة الدفاع الأمريكية التي تميل دائماً لفكرة "الاستقرار" وعدم شحن الناس أو الضغط على السلطة الحالية لتنفيذ اي إجراء لا يرضيها، وحينما نقول السلطة الحالية فإن هذا لا يُقصد به شخص عبدالفتاح السيسي كرئيس جمهورية رسمي لمصر، بل السلطة العسكرية والقوات المسلحة التي تعد الشريك الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية منذ عهد السادات حتى الآن.

ولمعرفة أهمية وزارة الدفاع في تحديد الموقف الأمريكي من أي تغيير في مصر يأتي بصورة أو طريقة خاشنة (عنيفة)، فعلينا أن نستعيد أن عبدالفتاح السيسي حينما كان وزيراً للدفاع كان على تواصل دائم مع وزير الدفاع الأمريكي في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2013 تشاك هيجل وليس الرئيس أوباما أو أي أحد آخر، وكيف نُقل أن هيجل كان يتجاوز رسائل أوباما في حديثه مع السيسي، وكيف أنه كان الشخص الأقوى في تلك الأزمة وليس أوباما.

وعلينا هنا أن نتذكر أيضاً كيف أن مصر أفلتت كثيراً من دعوات بتعليق المعونة الأمريكية أو الخصم منها تحت بند انتهاكات حقوق الإنسان في عهد أوباما، لكن دائماً ما تأتي المبررات من وزارة الدفاع بأنه من أجل مقتضيات الأمن القومي يتم تجاوز ذلك، لذا فإن تصاعدت الأمور لحد خطير انحاز فيه الجيش بشكل علني لفكرة أو موقف ما فغالباً لن تمانع وزارة الدفاع الأمريكية من تبنيه طالما ضمن لها سلطة عسكرية قادرة على التحكم في مجريات الأمور. وبالتالي فإنه مهما بلغ التصعيد في مصر، فسيكون الانحياز لدى دوائر صنع القرار في أمريكا هو لصالح ما يمثله صاحب السلاح القادر على ضبط الأوضاع وعدم تدهورها لما هو أبعد من السيطرة.

ولا أعتقد أن الولايات المتحدة لديها الرغبة في فتح جبهات غير مستقرة في آن واحد هذه الأيام في المنطقة، فواشنطن 2011 التي كانت لها علاقات مستقرة في مناطق التوتر في الشرق الأوسط، غير تلك التي تخوض مواجهات دبلوماسية وسياسية على جبهات متعددة بدءاً من فنزويلا جنوباً وسوريا والخليج، لاسيما أن مسألة عدم وجود أي نوع من المواجهات مع إيران أمر مشكوك فيه في ظل توتر متصاعد في الخليج لا يطال السعودية فقط، بل قد يطال مصالح أمريكية، تكثر بسببه الهمسات في واشنطن عن مدى الصبر على وجود رد على إيران أو محاولة هندسة منطقة الخليج بما لا يتسبب في الإضرار بالوجود الاستراتيجي لأمريكا في الخليج، في ظل مستشار أمن للقومي معروف بعدائه لإيران وغير عابئ كثيراً بما يجري في مصر.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالرحمن يوسف
صحافي مقيم في واشنطن
صحافي مستقل مقيم في واشنطن، مهتم بالشؤون السياسية والاقتصاد الكلي والتيارات الدينية وقضايا اللاجئين.