ظروف قاسية.. أمل لا ينقطع.. ومعجزات في النهاية.. عن أوجه الشبه بين الثورة المصرية وبرشلونة وليفربول

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/27 الساعة 14:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/27 الساعة 16:13 بتوقيت غرينتش

"الله على غدر الزمان"

التاريخ: السادس من مايو/أيار عام 2009.

التوقيت: 9:45 ليلاً.

المكان: "استاد ستامفورد بريدج" في لندن في حضرة أكثر من 40 ألف مشجع.

الحدث:

سرق نادي برشلونة بطاقة التأهل لنهائي أغلى الكؤوس الأوروبية من نادي تشيلسي في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا. كل من شاهد تلك المباراة يعلم جيداً أن تشيلسي كان الطرف المتحكم في مجريات الأمور خلال الـ 90 دقيقة وأنه كان الطرف الذي يستحق الذهاب إلى روما لمواجهة مانشستر يونايتد في نهائي البطولة. لكن كرة القدم لها حساباتٌ أخرى دائماً!

فلطالما مثل تشيلسي الوجه القبيح لكرة القدم بالنسبة لأبناء جيلي، فقد كان حينها ذلك الفريق القادر على شراء ترسانة من النجوم في سوق انتقالات واحد ورغم ذلك فإن النادي يقدم كرة قدم لطالما وصمت بالقبيحة. 

أما برشلونة آنذاك فكان متوسط القوة المادية، عريض الجماهيرية، فائق المتعة الكروية. كان يمثل بالنسبة لي كرة القدم الجميلة، كرة القدم كما يجب أن تكون، حتى وإن كان له من الكبوات الكثير. فلا يوجد فرد، أو مؤسسة بلا كبوة. لكن الشعور الذي كان يعطيه النادي حينذاك لمحبيه هو أنه يلعب من أجل إسعاد جماهيره وإعطائهم لحظات من النشوة واليوفوريا لا غير، كان هذا قبل أن يتحول النادي لشركة استثمارية لا تبحث سوى عن جني الأموال.

لذلك عندما انطلق داني ألفيس في الدقيقة الثالثة من الوقت البدل الضائع من الجهة اليمنى في هجمة ظاهرها الفشل كسابقتها -إن كان لها سابقة أصلاً- قررت الكرة مكافأة برشلونة "الممتع" طوال البطولة ومعاقبة تشيلسي لأسباب غير معلومة على وجه الدقة، فوصلت الكرة العرضية للكاميروني صامويل إيتو الذي أوصلها إلى ميسي بالصدفة البحتة والذي مررها بدوره إلى إنييستا أمام منطقة الجزاء في لحظة هروب من المسئولية!

الآن أتت اللحظة الحاسمة، فإنييستا الذي لا يجيد التسديد من داخل منطقة الجزاء تتهادى الكرة أمامه لكن على مشارف منطقة الـ18، لكن حدثت المعجزة سددها الرسام ببراعة غير معهودة فأرسلها "أين يسكن الشيطان" معلناً عودة البلوغرانا بعشرة لاعبين.

حينها صاح الشوالي: غدارة.. غدارة.. غدارة.. غدارة

الله على غدر الكورة، الله على غدر الزمان، الله على غدر الدنيا، الله على غدر الأيام!

ما أقصده هو أنه يمكنني ادعاء أن برشلونة كان ممثل الثورة المصرية في هذه الملحمة الكروية، أداؤها أحياناً يصل لدرجة من السوء لا تسمح حتى بتحقيق نتيجة تحفظ ماء الوجه، اختلفت الأسباب المؤدية لهذا الأداء الكارثي لكن النتيجة أصبحت واضحة للعيان وظهرت لنا رؤية العين، لا مجال لتفادي الهزيمة المُذلة والاستسلام للأمر الواقع وتوديع الحلم الذي أرقنا ليالي طويلة، لكن مازال بداخلنا يقينٌ مزعج يُنادي بأننا سننتصر، لا ندري الميعاد ولا الطريقة لكننا سننتصر، سننتصر حتى لو كانت كل أسباب الانتصار غير موجودة بل إن أسباب الهزيمة الساحقة والتاريخية متوفرة ولا ينكرها إلا مُغيَب!

ربما لأن كل إمكانات الثورة والانتصار متواجدان لكن لم يخلق سياقهما بعد، أقول ربما. 

"سونغ وزيدان"

عندما سجل أبوتريكة هدفه الحاسم في نهائي أمم إفريقيا 2008 في مرمى الكاميرون كان المنتخب الكاميروني مهيمناً على مجريات المباراة لانخفاض مخزون اللياقة لدى لاعبي منتصر مصر، بالتعبير الدارج كانت الكاميرون "زانقانا" تماماً في منتصف ملعبنا بينما لاعبو مصر، بالتعبير الدارج مرة أخرى "مِكَسكِسين" للوراء بعد أن اقترب مخزون لياقتهم من الانتهاء. ولم يكن يتوقع أحد أن ينتزع محمد زيدان الكرة من أحد هضاب الصحراء الغربية الهاربة في أرض الملعب ريجيبور سونغ، حتى أخذها بالفعل وأعطاها لأعظم من أنجبت الكرة المصرية ليضعها في شباك الحارس كاميني.

لم يكن طبيعياً أو منطقياً أن يخسر الكاميرون بهذه الطريقة الدراماتيكية، لكن في نفس الوقت لم يعترينا قلق أو ينتابنا شك بأننا لن نفوز بالبطولة أمام الكاميرون التي لقناها درساً في أصول كرة القدم في الدور الأول من تلك البطولة. 

ما أقصده هنا أننا أحياناً ننتصر بالإيمان فقط، ننتصر لأننا نرفض أن نهزم. هكذا ببساطة. أو كما تقول الراحلة رضوى عاشور: هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا 

"لا شيء اسمه مستحيل"

التاريخ: الخامس والعشرين من مايو/أيار لعام 2005

التوقيت: 9:45 ليلاً

المكان: ستاد "أتاتورك" في غرب العاصمة التركية إسطنبول وأمام أكثر من 80 ألف مشجع.

الحدث:

يتنافس كل من ليفربول الإنجليزي وميلان الايطاليّ على خطب ود الأميرة الأوروبية في نهائي دوري الأبطال.

ما حدث في الشوط الأول من المباراة كان ضرباً من الخيال فلقد انهار الإنجليز تماماً وتلقت شباكهم ثلاثة أهداف في الخمس والأربعين دقيقة الأولى من عمر اللقاء في سيناريو لم يتوقعه أشد المتفائلين الطليان، ومع ولوج الهدف الثالث المرمى الإنجليزي صاح حينها معلق المباراة عدنان حمد: "خلصت المباراة، خلصت خلصت".

هكذا ظن الكثيرمن عشاق ليفربول والمتيمين به، وكان أقصى أمانيهم هو هدف شرفي لإنقاذ ما تبقى من سمعة الإنجليز، لكن بقيت هناك قلة مؤمنة بقدرة ليفربول على العودة، هذه الفئة كانت تغني بإيمان عجيب أشهر أغاني الفريق:

"You'll never walk alone"

"إنك لن تمضي وحدك"

هذا الإيمان النابع من الحب الخالص المُجرد للفريق، نشجع ليفربول لأننا نحب ليفربول، لا لأنه يفوز بالبطولات بل لأنه ليفربول.هكذا ببساطة.

في الشوط الثاني حدثت المعجزة، عاد ليفربول بثلاثة أهداف في أقل من 10 دقائق في سيناريو مجنون، قاتل، مرعب، سَمِه ما شئت، لكنه عاد. 

ليحتكم الفريقان لركلات الترجيح في النهاية التي أنصفت ليفربول وأهدته اللقب الغالي.

ما حدث عندنا من بعد الثالث من يوليو/تموز هو ما حدث لليفربول على اختلاف قسوته ودمويته، فلدينا أكثر من 3 ألاف شهيد و60 ألف معتقل وعشرات الآلاف من المصابين.

ربما تكون النتيجة أكثر من ثلاثة أهداف لكن هذا لا يعني أن الاستسلام أو استجداء هدف شرفي هو الحل. بالتأكيد هنالك حلول أخرى، ووسائل مختلفة قد تكلل مساعينا بغير الهزيمة.

ففي أوقات يسودها الجنون، لا يمكن ادعاء العقلانية أو ممارسة التعقل، لكن يجب فقط الصدح بأعلى صوت:

"You'll never walk alone"

هذا ما أدين به في هذه الثورة، فكما قامت فجأة واشتعلت على غفلة كهدف قاتل، انطفأت فجأة دون سابق تحذير أو مراعاة فغدرت بكل الفصائل التي تعالت عليها كهجمة مرتدة قاتلة أيضاً!

لكن كما انطفأت ستشتعل مرةً أخرى وستغدر بالجنرال ومشجعيه السُذج الذين تعالوا عليها، وحينها سنتقمص دور عصام الشوالي ونغني: "غدارة.. غدارة". وما الـ20 من سبتمبر/أيلول عنا ببعيد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حذيفة حمزة
كاتب ومحرر
محرر، وباحث في علم الاجتماع الرياضي