هل بدأت الإجراءات الفعلية لعزل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من قِبل أعضاء الطبقة الحاكمة في مصر؟ هل ما نشهده هو حملة منظمة من قِبل الطبقة الحاكمة لمحاصرة الرئيس بالاتهامات أو الحقائق تمهيداً للإطاحة به؟ وهل بلغ الخلاف بين أعضاء الطبقة الحاكمة والرئيس المصري طريقاً مسدوداً لا عودة عنه؟
تقاليد مصرية
مصر لديها تقاليد راسخة في انتقال السلطة تبعت وفاة الرئيس عبد الناصر؛ تقاليد جاءت بالسادات ثم مبارك وأخيراً السيسي؛ ولم يكن مرسي إلا حالة عابرة ووقتاً مستقطعاً تم تجاوزها بقوة المؤسسة والتنظيم المحكم للدولة؛ فرضية تنسف فكرة الثورة والمجتمع لصالح فكرة مؤسسة الحكم؛ فرضية تخضع لاختبار قوي في هذه المرحلة من تاريخ مصر وطبقته الحاكمة التي تولت السلطة من بعد الحكم الملكي.
أسئلة كثيرة أثارتها الأحداث المتسارعة خلال الأسابيع القليلة الماضية أطلقها المقاول المصري (محمد علي)؛ المعروف بقربه من الطبقة الحاكمة وانضم إليها عدد لا بأس به من العسكريين السابقين من مختلف الأجهزة عبر تسريبات لم تنقطع على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، فهل الأزمة أزمة مجتمع ودولة أم أزمة طبقة حاكمة؟
تسريبات مسَّت شخصية الرئيس
فتسريبات محمد علي ومَن معه مست شخص الرئيس عبدالفتاح السيسي وأسرته انصب التركيز فيها على نمط حياته وسلوكه الاستهلاكي؛ والأخطر طريقة تعامله مع المحيطين والمقربين منه الذين ساعدوه في الوصول إلى سُدة الحكم وباتوا محل شك وتقريع واستهداف من قِبله بحسب التسريبات.
ما أظهرته تسريبات محمد علي وعدد من المتقاعدين والمسؤولين الأمنيين من مختلف الأجهزة؛ تُظهر أن دائرة الصراع اتسعت لتتجاوز خصوم الرئيس التقليديين من المعارضة أو منافسيه التقليديين داخل الطبقة الحاكمة المغلقة كالمخابرات العامة الخصم التقليدي للمخابرات الحربية؛ أو اللواء أحمد شفيق ورئيس هيئة الأركان السابق سامي عنان؛ فما تم تسريبه تجاوز الخصوم التقليديين أو المنافسين من داخل المؤسسة العسكرية ليعبر عن حالة قلق وامتعاض في صفوف الطبقة الحاكمة تتسع ولا تضيق يفسرها البعض ويرجعها إلى تفرُّد الرئيس وأسرته بشؤون الحكم.
صراع داخل الطبقة الحاكمة
الصراع داخل الطبقة الحاكمة في مصر ليس بالأمر الجديد، إلا أنه اتخذ منحى خطيراً خلال الأسابيع الأخيرة؛ ففي كل يوم نشهد تطوراً في الساحة المصرية يشير إلى تدحرج الأزمة ككرة الثلج داخل الطبقة الحاكمة؛ فما يميز الأزمة المستجدة أنها مستمرة وتتصاعد ببطء، ولكن بشكل أكيد نحو الأمام.
أزمة الطبقة الحاكمة لم تعد تقتصر على الصراع مع اللواء السابق أحمد شفيق الذي أعادته أبوظبي إلى القاهرة ليخضع للإقامة الجبرية، ولا مع اللواء سامي عنان قائد هيئة الأركان الذي خضع للمحاكمة والسجن بتهمة تحدي إرادة الرئيس السيسي بترشيح نفسه للانتخابات؛ بل هي أزمة نفور كبير لرجال الأعمال والأكاديميين والسياسيين والإعلاميين المقربين من الطبقة الحكمة.
جديد الأزمة هذه المرة أنها تكبر ولا تصغر وتزداد اتساعاً على مستوى النخبة، فالتسريبات ووسائل التواصل الاجتماعي باتت تزخر بعدد كبير من الضباط السابقين ورجال الأعمال الذين يناقشون أداء الرئيس في ما يشبه إجراءات العزل؛ من خلال التحشيد المستمر والموجه داخل المؤسسة لشرعنة التحرك القانوني والسياسي ضد الرئيس وأسرته.
تحركات تظهر أنها بعيدة عن نشاطات المعارضة التقليدية، خصوصاً أن الاعتقالات الأخيرة استهدفت خصوم الرئيس من داخل المؤسسة كان على رأسهم رئيس حملة رئيس هيئة الأركان السابق سامي عنان والدكتور حازم حسني إلى جانب الأكاديمي حسن نافعة المقرب من دوائر صنع القرار.
ختاماً.. ما بعد محمد علي ليس كما قبله؛ فالمؤشرات تتراكم لتؤكد أن الأزمة الأخيرة في مصر تأتي من داخل مؤسسات الحكم والطبقة الحاكمة لا من خارجها؛ أمر دفع الكثيرين إلى ربط ظهور وزير الدفاع الفريق محمد زكي خلال احتفالية للجيش المصري مؤخراً بجهود تُبذل لاحتواء الأزمة وطمأنة الطبقة الحاكمة والمؤسسة العسكرية بقدرتها على تجاوز الأزمة وتفاعلاتها الخطيرة؛ فهل تنجح الجهود في وقف التفاعلات الداخلية أم سينضم المزيد من الغاضبين لإجراءات العزل؟ أم إن الطبقة الحاكمة ستتفكك تحت تأثير أزمتها المزمنة وتحت ضغط البيئة المحلية المحتقنة والبيئة الإقليمية المضطربة؟
أسئلة باتت أكبر من الأجوبة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.