تخيل أنك تشاهد فيلماً مصرياً رائعاً في حالة من الشغف وعلى الطاولة وضع طبق من الطعام تأكله في نهم فيما تستريح على الأريكة كأنك ملك حاز الدنيا وما فيها، وبينما تنتظر نهاية الفيلم كقطعة فنية ترغب في تقييمها بعد نهايتها تصطدم بنهاية تقليدية من المخرج المصري تحبطك للغاية وتدخلك في دوامة حزن، ومن ثم تقول غاضباً: "ده فيلم مصري" لا يرقى لأن يصبح فيلماً عالمياً. أهنئك عزيزي المشاهد فلقد بنيت رأيك عزيزي القارئ بسبب النهاية السيئة لفيلم كان ممتعاً إلى حد كبير.
عطفاً
على المدير الفني لنادي الزمالك الصربي ميلوتين سيردوفيتش "ميتشو" والذي
نجح بالفوز بكأس مصر بعد ثلاثية ساحقة أمام نادي بيراميدز، وتغني جماهير الفريق
الأبيض بعودة
(مدرسة الفن والهندسة) كما يحلو لجماهير النادي تسميته.
لعب ميتشو بأسلوب رائع عندما فاز على نادي مصر المقاصة في دور الـ8، يعقبه انتصار آخر على الاتحاد السكندري في دور قبل النهائي، ووصل لذروة الأداء الفني في مباراة بيراميدز والفوز بثلاثية نظيفة.
لكن
في مباراة السوبر وعلى غير المتوقع قدم ميشتو مباراة سيئة جداً على مستوى التكتيك،
جعلت الزمالك يخسر السوبر بعد أن تقدم الأهلي بثلاثية نظيفة، وبالرغم من إحراز
الزمالك هدفين من ركلتي جزاء في الشوط الثاني لكن لم يسعفه الأمر في تدارك النتيجة
والتعادل مع الأهلي وعمل "ريمونتادا" تاريخية تبقى في الأذهان الحمراء
والبيضاء تكتب في سجلات الديربي.
ماذا الذي تغير بين الفوز بالكأس وخسارة السوبر إذن؟
الانقضاض على بيراميدز
لعب الصربي ميتشو أمام بيراميدز بعدة أفكار هجومية ودفاعية جعلت الفريق يسحق بيراميدز بثلاثية مذلة فقط في الـ45 دقيقة الثانية من عمر المباراة.
فيما
يخص الأفكار الدفاعية؛ امتاز فريق الزمالك بقدرته على الضغط العالي على لاعبي
بيراميدز معظم فترات المباراة، مما سبب ندرة فرص بيراميدز على المرمى الأبيض.
يلعب فريق بيراميدز بطريقة 4-1-4-1 بتواجد ثلاثي خط الوسط وهم نبيل عماد
"دونجا" كلاعب خط وسط مهاجم وإيريك تراوري كلاعب وسط من المنطقة إلى
المنطقة وعبدالله السعيد كلاعب creator في خط الوسط.
وتمثلت حيلة ميتشو في تطبيق الضغط العالي على ثلاثي بيراميدز ومنع بناء اللعب بشكل سلس بتكوين مربع ضغط أضلاعه هم طارق حامد وفرجاني ساسي وأشرف بن شرقي بالإضافة إلى أوباما. واعتمد الصربي على فكرة جديدة على الكرة المصرية بتطبيق فكرة "hot press" التي تتمثل في نوبات ضغط سريعة على حامل الكرة بأكثر من لاعب في نفس الوقت قد يصل عدد اللاعبين في بعض الأوقات إلى 4 لاعبين ليفشل لاعبي بيراميدز في بناء اللعب.
فيما يخص الشق الهجومي بنى ميتشو أفكاره على اللعب ما بين الخطوط وتكوين جبهة نارية. اعتمد الصربي على وجود الثنائي أوباما وبن شرقي خلف تراوري والسعيد اللذين بدورهما يسعيان إلى الضغط على طارق وساسي، وترك دونجا وحيداً ما بين الثنائي بن شرقي وأوباما مما سمح لظهور مساحات كبيرة في خط وسط الفريق جعل الفريق ينهار في الشوط الثاني.
وكون جبهة يمنى نارية من ثنائية النقاز وشيكابالا وتنفيذ فكرة "under lap" ، النقاز يمرر إلى شيكابالا وينطلق سريعاً خلف الظهير الأيسر محمد حمدي الذي قدم مباراة سيئة، ويمرر شيكابالا الكرة مرة أخرى بالقرب من منطقة الجزاء وهذا ما تم في الهدف الثاني لنادي الزمالك بوجود النقاز بالقرب من منطقة الجزاء وأرسل عرضية أسكنها بن شرقي في مرمى أحمد الشناوي.
الغرق في دوامة المفاجآت
صرح
الصربي ميتشو قبيل مباراة الأهلي في السوبر المصري لموسم 2017-2018 أنه بصدد تجهيز
مفاجأة للفريق الأحمر. وكانت المفاجأة هي الدفع بالمغربي أشرف بن شرقي في تشكيلته
الأساسية كمهاجم وهمي، وهي الفكرة التي قتلت الهجوم مع سبق الإصرار والترصد، خلفه
ثلاثي مكون من أوباما وشيكابالا ومحمد أوناجم، مفاجأة أربكت دفاع الأهلي وجعلت
الزمالك يتقدم بثلاثية نظيفة حتى الدقيقة 60، لكن هذا لم يحدث سوى في عقل ميتشو. ما
أقصده هو أن الصربي أخطأ بوضع بن شرقي كمهاجم وهمي وقضى على العمق الهجومي للفريق
الأبيض.
صحيح أن بن شرقي لم يستسلم لفكرة وجوده كمهاجم بناء على تشكيلة ميتشو وحاول السقوط إلى وسط الملعب من منتصف الشوط الأول، ولعب أوباما كمهاجم حتى نزول مصطفى محمد في بداية الشوط الثاني.
حاول ميتشو إصلاح ما يمكن إصلاحه والدفع بمصطفى محمد الذي تحصل على ضربة الجزاء نفذها محمود علاء بنجاح في مرمى الشناوي، وحاول على المرمى مرتين منهم واحدة بين القائمين والعارضة، رغم ذلك لم يستطع المهاجم مساعدة فريقه في التعادل.
هل يمكننا اعتبار ميتشو ثرثاراً الآن؟
مثلث برمودا الأحمر
سقوط بن شرقي إلى وسط الملعب لم يعط أفضلية إلى الزمالك في عمل هجوم منظم حيث مرر اللاعب 10 تمريرات صحيحة منها واحدة للأمام فقط في الشوط الأول، والسبب هو جودة ثلاثي خط وسط الأهلي حمدي فتحي وعمرو السولية ومحمد مجدي "أفشة" في الضغط على ثلاثي خط وسط الزمالك وعزل أوباما وحيداً في خط الهجوم وعدم وجود فرصة للعب الزمالك ما بين الخطوط كما حدث في نهائي الكأس.
لم يكتف لاعبو الأهلي في قطع السبل على وسط الزمالك، بل قام بعمل رائع في تدوير اللعب وخلق فرص محققة في الشوط الأول، حمدي فتحي مرر 16 تمريرة منهم 3 للأمام وقطع الكرة 8 مرات، ومرر السولية 15 مرة منها اثنتان للأمام ولعب تمريرة مفتاحية وسدد مرتين خارج مرمى عواد، فيما مرر محمد مجدي أفشة 19 تمريرة منها 4 للأمام وسدد 4 مرات منهم واحدة بين القائمين والعارضة، تنوعت أدوار ثلاثي الأهلي بين حماية قلبي الدفاع والاستحواذ وتدوير الكرة وبين خلق الفرص والتسديد على المرمى وكان الأهلي يستطيع مضاعفة نتيجة الشوط الأول التي انتهت بثنائية نظيفة.
جبهة نارية بلا فاعلية
تألق جبهة النقاز- شيكابالا أمام بيراميدز جعل الجميع يفطن إلى خطورة هذه الجبهة التي أيضاً تواجه أفضل جبهات الأهلي والمكونة من علي معلول ورمضان صبحي في الرواق الأيسر، شيكابالا لم يمرر إلى النقاز بشكل جيد، والنقاز لم ينطلق بشكل أسرع وبالتالي تعطلت أحد أهم أسلحة الزمالك الهجومية، لعب النقاز 6 عرضيات لم تنجح أي منها في الوصول إلى رأس أو أقدام مهاجمي الزمالك.
إلى الأمام بلا جدوى
السلاح الثالث الذي سعى ميتشو لإطلاقه نحو مرمى الأهلي هو تمريرات ساسي المفتاحية باتجاه مهاجمي الزمالك، لعب ساسي مباراة متوسطة خلال الشوط الأول لم ينجح في صناعة فرصة، بالرغم من تمرير اللاعب 19 تمريرة صحيحة خلال الشوط الأول منها 8 للأمام بشكل صحيح بنسبة 42 % تقترب من النصف لكن دون أي جدوى في صناعة أي تهديد على مرمى الأهلي، ساسي نجح في صناعة فرصة واحدة خلال اللقاء من عرضية إلى مصطفى محمد الذي لعبها سهلة في قفاز محمد الشناوي.
مغامرة ناجحة
بعد غياب المغربي وليد أزارو، تحدث الجميع عن الدفع بمروان محسن مهاجم منتخب مصر في التشكيل الأساسي من جانب السويسري رينيه فايلر، أو الدفع بصلاح محسن لكن فايلر فضل المهاجم النيجيري أجاي كمهاجم في مفاجأة من العيار الثقيل.
مغامرة فايلر نجحت على عكس ميتشو، لعدة أسباب منها لعب أجاي كمهاجم مع الأهلي في فترات سابقة وتفاهمه مع لاعبي الأهلي على عكس بن شرقي الذي يلعب مع الزمالك لأول مرة كمهاجم وهمي. بالرغم من لعبه مع الوداد المغربي في ذاك المركز لكن عدم فهم طريقة لعب زملائه بشكل كامل أثر على أدائه بالإضافة إلى ابتعاد أوباما عن مستواه المعهود وتألق ثلاثي وسط الأهلي كما ذكرنا.
لعب أجاي 13 تمريرة صحيحة منها واحدة للأمام، صحيح أنه لم يصنع فرصاً لزملائه، ولكنه كان محطة لعب ممتازة للفريق نجح في تسجيل هدفين بمساعدة خط وسط الأهلي، أكمل النيجيري مهمته بإحراز هدفين رغم أنه لم يظهر قدراته كاملة على مستوى صناعة اللعب.
فلاش باك
بعد مباراة بيراميدز وقبيل مباراة الأهلي، لعب الزمالك أمام جينيراسيون فوت بطل السنغال في دوري أبطال إفريقيا وخسر بنتيجة 2-1 بعد أن تأخر بثنائية نظيفة وقلل مصطفى محمد الفارق برأسية من ضربة ركنية.
ميتشو قرر الدفع ببعض اللاعبين خلال المباراة وأراح عدداً من الأساسيين منهم المغربي أشرف بن شرقي وشيكابالا ومحمد أوناجم بسبب عدم قيده في قائمة الفريق الإفريقية، على المدى الطويل هو أمر مفيد بسبب عملية تدوير اللاعبين بين بطولات الزمالك المحلية والإفريقية، ودفع ميتشو بمحمد عنتر في مركز الجناح الأيسر وعبدالله جمعة في الجناح الأيمن الأمر الذي ساهم في اهتزاز الفريق وخسر بثنائية أمام منافس مجهول وكادت المهمة تصعب على نادي الزمالك في العودة لولا هدف مصطفى محمد.
ما نطرحه الآن هو: هل مفاجآت ميتشو المتكررة ستؤثر على أداء الزمالك في المواعيد الكبرى أم سيحالفه التوفيق في تحقيق البطولات؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.