تتصاعد المؤشرات في مصر عن احتمالية تغيير محتمل في رأس السلطة في مصر، واحتمالية الإطاحة بالسيسي بغطاء شعبي كما حدث في٣٠ يونيو/حزيران، بدأت شرارتها منذ أن أطلق رجل الأعمال والممثل محمد علي قنبلته في فيديوهاته التي بدأها منذ أسبوعين تقريباً والتي ركزت على فساد السيسي ومن حوله وإهداره مئات الملايين على قصور خاصة به وبأسرته. مما استدعى أن يقوم السيسي بالرد شخصياً عليها في مؤتمر طارئ للشباب وأكد على ما جاء في الاتهامات على الرغم من نصائح أجهزته الأمنية بعدم التطرق للأمر.
ما أحاول تقديمه هنا هو قراءة متمعنة لوضع السيسي
إقليمياً وداخلياً، بحسب ما هو معروف لدى الجميع من معلومات وأخبار عامة..
أولاً- الوضع الإقليمي
كان من نقاط ارتكاز واستقرار نظام السيسي وسلطته في مصر هو الدعم الإقليمي، والتحالف القوي بينه وبين قوى الثورة المضادة في المنطقة؛ تحالف يضم بشكل رئيسي ثلاثة دول "الإمارات – السعودية – إسرائيل نتنياهو"، وهو التحالف الذي دعمه منذ التحضير للانقلاب في مصر في ٢٠١٣ حتى الآن. وهو التحالف الذي قاد الانقلاب ودعمه بخلاف رؤية الكثيرين أنه انقلاب أمريكي -بالطبع قبل وصول ترامب للبيت الأبيض بكل حال- فكان انقلاباً إقليمياً في الأساس.
وبإلقاء نظرة متفحصة على وضع الداعمين الإقليميين نجد التالي:
١- الإمارات
تشارك الإمارات حالياً في مستنقعين كبيرين بالنسبة لها ومنخرطة فيهما لأخمص قدميها وهما: اليمن وليبيا؛ ففي اليمن حرب مستمرة منذ أكثر من ٤ سنوات وصلت في الأخير للتخلي عن السعودية والعمل لمصلحتها وأنشأت الحزام الأمني الخاص بالمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال وتقسيم اليمن لشمال وجنوب في مواجهة مباشرة مع الحكومة الشرعية المدعومة من الإمارات وأصبحت في مواجهة الحوثيين وقوات الشرعية والسعودية بالتبعية.
أما في ليبيا فدعمها لحفتر المعلن ضد حكومة الوفاق والخسائر التي تتعرض لها هناك وعدم استطاعتها إنهاء المشهد لصالحها واستمرار وجود حكومة الوفاق وتقدمها في الأسابيع الأخيرة والضرب بشكل مباشر لضباطها هناك.
وهو ما يجعلها ضعيفة في هذا التوقيت لانغماسها وتورطها في كل هذه الحروب.
٢- السعودية
تعاني السعودية كثيراً بحربها في اليمن والتي تواجه فيها إيران بشكل غير مباشر.
فبعد أربع سنوات من الحرب والفشل في تحقيق أي نتيجة قوية على الأرض نقل الحوثيون حربهم للداخل السعودي عن طريق الطائرات بدون طيار.
حرب الطائرات بدون طيار انتقلت نقلة نوعية وضخمة في الأسبوع الماضي باستهداف أهم منشأة استراتيجية للمملكة وهي أرامكو، مما أدى إلى خسارة السعودية لنصف إنتاجها وتهديد حقيقي لتصدير النفط السعودي، وهي ضربة ليست بالهينة للسعودية وبن سلمان.
فشلت السعودية في تكوين تحالف لإطلاق حرب دولية تجاه إيران ودور السعودية في انحسار قوي دولياً إلى الحد الذي وصل بترامب للتصريح أنه لم يعط أي وعد للدفاع عن أحد.
خيانة الإمارات للسعودية وحلفائها في اليمن تعطي مؤشراً لانفجار أزمة بين الحليفين الأقوى للسيسي وإن كان كامناً للحظة، ولكن إذا مددنا الخط بطوله فالمواجهة والانفجار قادمان.
فالنظام السعودي الآن يحتاج للمساعدة لا أن يساعد أحد، فالسيسي خاسر هنا أيضاً.
٣- إسرائيل نتنياهو
كان نتنياهو من أهم نقاط ارتكاز نظام السيسي وتسويقه ودعمه دولياً، فلا ننسى أن نتنياهو سخر مقدرات الخارجية الإسرائيلية لدعم السيسي دولياً بعد الانقلاب.
نتنياهو خسر غالبية البرلمان أول أمس واحتمالية وجوده على رأس السلطة في إسرائيل أمر مستبعد حتى وإن قام بعمل حكومة أقلية -بعدما رفض غريمه جانتس تشكيل حكومة وحدة وطنية إلا إذا كان يرأسها- فإن وضعه الداخلي منفجر وفرص تفكك هذه الحكومة كبيرة ومن ثمّ دعوة لانتخابات أخرى قريبة قائمة بقوة.
انشغال نتنياهو داخلياً واحتمالية عدم وجوده في المشهد الإقليمي يفقد السيسي أيضاً حليفاً هاماً.
٤ – ثورات السودان والجزائر
على الرغم من عمليات التخويف والإرهاب المستمرة من معسكرات الثورة المضادة من الثورات بعد ما حدث في بلدان الربيع العربي إلا أن الشعوب العربية تحركت وما زالت، في السودان والجزائر أضعفت من رهبة تكلفة التغيير التي رفع سقفها هذا المعسكر.
ثانياً- الوضع الداخلي:
بعيداً عن تسلط الدولة وفاشيتها مع الإسلاميين من ناحية والقوى السياسية من ناحية تانية سواء "قتل خارج إطار القانون – داخل إطاره ظاهرياً بالإعدام – اختفاء قسري – اعتقال – مراقبة – إعادة اعتقال".
ورفعها العصا في وجه كل من له نشاط سياسي أو حقوقي أو حتى مشجع رياضي كان مشاركاً في السياسة..
سلسلة متتابعة للأحداث نحتاج لقراءتها:
١- حريق محطة مصر كان نقطة من النقاط الفاصلة في تحرك مجموعات من الشعب المصري ليس لها مشاركة سياسية سابقة في الحياة السياسية، وشباب صغير شاهد الثورة في التلفزيون تحرك وطالب برحيل السيسي، ونتحدث هنا عن مئات منهم..
نتحدث أيضاً عن أشخاص كانوا من الكتلة الداعمة له والحاضنة الشعبية للسيسي مثال الشاب الذي قام برفع يافطة ارحل يا سيسي في ميدان التحرير مطالباً برحيل السيسي، هذا الشاب والده لواء أمن دولة سابق وعضو مجلس شعب قبل الثورة لم يكن مع الثورة يوماً، هذه قراءة مهمة للمشهد الاجتماعي السياسي في مصر.
٢- تعديلات الدستور أيضاً كانت نقطة تحول، فبحسب الأرقام المعلنة هناك أكثر من ٣ ملايين مصري تحركوا وشاركوا في الاستفتاء وقالوا "لا" لتعديل الدستور وهي الرافضة لاستمرار السيسي "وبحسب ما أعلمه من معلومة أن الرقم قد تعدى ٤ ملايين".
فالغضب المكتوم والمتتابع والذي يصرخ بدون صوت يقول إن هناك ناراً تحت الرماد ليس من الصعب أن يتم التقاطها شعبياً
لكن ذلك يحتاج لأن يتم الفصل الجزري بين السيسي وبين الجيش كمؤسسة من ارتباط وأن لا يكون الجيش في مرمى النيران، وهذا ما كان يفعله محمد علي في رسائله عبر فيديوهاته.
٣- وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي
كانت وفاة الدكتور مرسي مرحلة هامة في فتح مساحات مهاجمة السيسي والعمل على إسقاطه من داخل نظامه، فبعد وفاته انتهت وانتفت جدلية تنازع الشرعية مما فتح الباب على مصراعيه للأجنحة داخل السلطة للصراع ومحاولة الإطاحة بالسيسي خاصة في ظل غضب غير ظاهر من قيادات عسكريين ومن المخابرات العامة، على أكثر من موقف من إقالات واسعة لقيادات من الجيش وإطلاق يد ابنه في المخابرات العامة واعتقال وإهانة عنان على الرغم من رفض المجلس العسكري.
٤- سرديات وجود السيسي في السلطة
الأولى:
محاربة الإرهاب، والسيسي مستمر في تصديره ولن يغير مساره وأي حديث عن مصالحة مع أي مكون من مكونات ثورة ٢٥ يناير ليس مطروحاً في مساره وهو يعتبر تلك الثورة أصل كل الشرور، وعداؤه لها ولكل مكوناتها عداء وجودي..
السردية الثانية:
إحنا فقرا أوي وأمة العوز ونستحمل علشان مصر حسب تصريحاته..
وتم تدميرها تماماً بفضل فيديوهات محمد علي واعتراف السيسي في مؤتمره فالملايين والمليارات التي يتم إنفاقها على القصور والاستراحات الخاصة بمعاليه والمشاريع المنشأة لصالح المقربين منه بدلاً من أن تذهب للمصريين واحتياجاتهم وتعبهم..
السردية الثالثة:
نظافة يد السيسي ومحاربته للفساد، وهو الذي قام بإطلاق يد ابنه في الرقابة الإدارية لمحاربتها حسب ادعائه، وهو ما ظهر أيضاً بفضل فيديوهات محمد علي وتأكيد السيسي لها في مؤتمره.. إنه فاسد وليس كما يشاع بأنه يحارب الفساد..
السردية الأخيرة:
كانت منتشرة في وسط المعارضة قبل مؤيديه ومنتشرة بقوة داخل قواعد الجيش، السيسي في تصريحه أيضاً في المؤتمر أكد أنه فاسد ويصرف على نفسه ملايين إن لم يكن مليارات وهو ما ينسف هذه القناعة ويضرب في جذورها وأساسها ويجعل من السهل التخلي عنه داخل الجيش بعد فضح فساده..
ما أراه أن هناك من يعمل داخل السلطة للإطاحة بالسيسي والمقربين منه.
ما سبق هو قراءة للمشهد بما تيسر من معلومات تنبئ عن تغيير قادم في شكل السلطة في مصر، وليس من الضرورة أن نكون جزءاً منه ولكن الأكيد أن ما يحدث لا يحدث صدفة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.