هذا هو التعريف الأول بالإسبانية على صفحة اللاعب الواعد بموسوعة ويكيبيديا، وأما حديثنا هذه المرة فليس عن العنصرية كالأسبوع الماضي، فنحن لا نعرف ما إن كان صاحب التعليق رفيقاً فخوراً أم عنصرياً أبيض، أو ربما مازحاً سيئاً، قد يكون هذا هو كل ما في الأمر.
كالعادة.. هناك قصة ما
ولد اللاعب المنتمي لغينيا بيساو في أكتوبر/تشرين الأول 2002، وقبل أن يكمل عامه السابع عشر كان بالفعل قد وقع عقده الاحترافي الأول مع برشلونة، ثم نال مشاركته الأولى مع الفريق الأول ضد ريال بيتيس في الخامس والعشرين من أغسطس/آب، ليصبح ثاني أصغر لاعب يشارك في الليغا بتاريخ النادي الكتالوني، متقدماً في العمر بـ18 يوماً فقط على فيسينك مارتينيز الذي أتى عام 1941.
أقل من أسبوع على هذا التاريخ وضد أوساسونا، صار فاتي أصغر لاعب يسجل لبرشلونة في الليغا، وثالث أصغر من يسجل في تاريخ المسابقة ككل. ثم وبعد التوقف الدولي وتحديداً في الرابع عشر من سبتمبر/أيلول، بات فاتي أصغر لاعب يسجل ويصنع في نفس المباراة بالليغا ضد فالنسيا، بهدفه في الدقيقة الثانية وتمريرته الحاسمة لفرينكي دي يونغ في الدقيقة السابعة.
تلك الأشياء لا تولد من العدم، فكما اعتدنا في كرة القدم توجد قصة معاناة ما وراء اللاعبين الجدد، خصوصاً السمر منهم، الأمثلة لا تنقطع فهناك رحيم سترلينغ وروميلو لوكاكو، وهناك اللاتينيون أيضاً مثل كارلوس تيفيز، حتى ليونيل ميسي نفسه عانى مع المرض في طفولته، ولنعرف ما حدث هنا علينا أن نتعرف أولاً على بوري فاتي، اللاعب الغيني المعتزل الذي قضى مسيرته بين أندية الدرجات الأدنى في البرتغال، عقب هجرته إلى المستعمر السابق لبلاده.
في هذا المهجر قرأ فاتي الأب قصة عن مدينة أندلسية تُدعى ماريناليدا قرب إشبيلية توفر عملاً للمهاجرين، فانتقل إلى هناك ولكن الجنة لم تكن بتلك الوردية في بادئ الأمر، إذ اضطر للتسول لأجل الطعام حتى التقى بعمدة المدينة الذي وفر له وظيفة كسائق. لاحقاً استقر به الحال في "هيريرا"، مدينة أخرى تابعة لإشبيلية، وهي التي قضى بها أنسو غالبية طفولته، إذ تم هذا وهو في السادسة من عمره، ليبدأ اللعب مع الفريق المحلي عام 2009.
في الوقت ذاته انتقل برايما شقيقه الأكبر إلى ناشئي إشبيلية، ليلحق به أنسو في العام التالي (2010)، قبل عامين من انتقاله إلى أكاديمية برشلونة الشهيرة "لا ماسيا" في 2012 عن عمر 10 سنوات، بعد عام من انتقال شقيقه برايما أيضاً إلى هناك. والبقية ليست للتاريخ، بل هو التاريخ الذي نراه بأعيننا الآن.
بويان كركيتش يرسل تحياته
من رحم العديد من الظروف في هجوم برشلونة ولد هذا الموهوب ونال فرصته أبكر مما يتوقع، ليس فقط بسقوط الكثير ممن أمامه في صفوف لاماسيا واحداً تلو الآخر، بل برحيل مالكوم وكوتينيو دفعة واحدة بالتزامن مع إصابات عارمة في الصفوف الأمامية طالت أسماء مثل ميسي وديمبيليه وسواريز، فجأة وجد فاتي الطريق سانحاً أمامه هو وكارلس بيريز أيضاً، ورغم أن بيريز قد سجل وصنع أيضاً، إلا أنه لم ينَل نفس الصدى، قصته ليست بنفس الإغراء إن قورنت بلاعب في سن 16 عاماً يحطم الأرقام القياسية واحداً تلو الآخر.
"الأولاد مثل أنسو يجلبون الأمل، لأنهم يأتون لكسر النظام القائم. تلك اليوتيوبيا يصعب تحقيقها، لأن الأمر بالنسبة للاعبين الشباب لا يتوقف على من هم الآن، بل على ما سيصبحون عليه" – خورخي فالدانو
هنا تحديداً تكمن المشكلة، لأن أسباب فقدان قصة بيريز -21 عاماً- للإغراء هي نفسها ما سيواجهه فاتي حين يصل لنفس السن دون ترك بصمة حقيقية، فضولنا دائماً ما يقودنا لاستطلاع ما وراء الموهبة الواعدة، نمجدها وننشد فيها الأشعار، ولكن ما إن يبتلع هذا الواعد المسكين تلك الأشعار ويصدق أنه صار على القمة بعد 3 مباريات جيدة أو حتى موسم أسطوري، ننساه وكأنه لم يُخلق أصلاً، اللهم إلا حين نبحث عن معلومات لتقرير عن المواهب المخيبة، بكلمات أخرى: بويان كركيتش.
تلك الأرقام التي انتزعها فاتي كانت من نصيب بويان يوماً ما، أو "ميسي الجديد" كما أحبت الصحافة تسميته في ذلك الوقت، أين هو الآن؟ يرصد تقرير صحيفة غارديان الإنجليزية كلماته المشبعة بالحسرة: "الناس يقولون أن مسيرتي لم تكن على قدر المتوقع. ميسي الجديد؟ حسناً إذا كنت تقارن بيني وبين ميسي، أي مسيرة تلك التي كنت تتوقعها"؟
دائماً هي أعباء حمل إرث السابقين بعد أن يحققوا كل شيء ولا يتركوا مجالاً للمنافسة، تجد نفسك مضطراً على الأقل لمجاراة ما قدمه سابقك فتفشل، في حين أنه بإمكانك أن تمارس كرة القدم بشكل طبيعي وتنجح. الأمثلة في هذا الصعيد تأخذ العديد من المنحنيات الهزلية، صحيفة إنجليزية قبل 3 أعوام نشرت تقريراً عن 19 لاعباً حول العالم قيل عنهم "ميسي الجديد"، من بينهم الجناح المصري وليد سليمان.
جوردان هندرسون، قيل عنه في يوم من الأيام "ستيفن جيرارد" الجديد، صدق المسكين هذا الأمر لوهلة وارتدى رقم "8" بمجرد رحيل جيرارد عن أنفيلد، قبل أن يعود إلى رشده ويرتدي الرقم "14". أرأيت النتيجة؟ سواء أحببنا مستواه وإمكاناته أو لم نحبهم، هو بالتأكيد أفضل حالاً مما كان ليصبح عليه حال مجاراته لتلك التطلعات الوهمية.
وكما سبق وتحدثنا عن قدرة الساعة المعطلة على منحك التوقيت الصحيح مرتين في اليوم، كانت تلك هي فرصة إرنستو فالفيردي مدرب برشلونة ليكون على حق: "الأمر ليس طبيعياً، هناك الكثير من المبالغة. ليس اعتيادياً أن تسفر لمستك الأولى عن هدف، وليس اعتيادياً أن تسفر الثانية عن صناعة هدف. كل شيء سيعود لطبيعته في وقت ما وسيزداد الضغط، وما علينا هو أن نفرغ هذا الهواء ونحمي اللاعب".
على الموهوب الغيني أن يستمتع بما يعيشه الآن، ولكن عليه في الوقت ذاته أن يجيد إغلاق أذنيه.. هذا هو صوت العقل، ولكن منذ متى كانت الصحف تُباع بصوت العقل؟! "الشيطان يُدعى أنسو فاتي"، هكذا انطلقت صحيفة "إل بايس" الإسبانية، ما هو أصل تلك العبارة؟ تصريحات فابيو كابيلو مدرب يوفنتوس آنذاك عن ظهور ليونيل ميسي ضده في كأس خوان جامبر عام 2005.. أنتم مجدداً؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.