«رزق يوم بيوم» والـ «خرمجة».. هذا ما يجب على السودان التوقف عنه لتلعب كرة القدم

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/13 الساعة 17:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/13 الساعة 17:50 بتوقيت غرينتش

بنظرة سريعة إلى التاريخ الكروي في القارة الإفريقية، نجد أن السودان أحد أقدم دول القارة الإفريقية ممارسة لكرة القدم، وهو أحد ثلاث دول أسست الاتحاد الإفريقي لكرة القدم مع دولتي إثيوبيا ومصر، وعلى الرغم من هذا التاريخ المجيد والعتيد، فإن الكرة السودانية ما زالت حتى الآن تقف محلك سر.

معظم دول القارة الإفريقية أصبحت الآن من الدول ذات المستوى المتقدم في كرة القدم وهي التي عرفت كرة القدم بعد السودان بزمن طويل، ويبقى الإنجاز الوحيد الذي يُحسب للمنتخب السوداني هو فوزه ببطولة إفريقيا في العام 1970، وبعض الإشراقات بين الحين والآخر للأندية السودانية مثل فوز المريخ ببطولة كأس الكؤوس الإفريقية في العام 1989، ووصول الهلال إلى نهائي الأبطال في عامي 1987 و1992، ودخوله المربع الذهبي 2007 و2009، ووصول المريخ إلى نهائي الكونفدرالية 2007.

الناظر إلى هذه الإنجازات المتواضعة يرى أنها إنجازات لا تعكس بأي حال من الأحوال مكانة السودان التاريخية في كرة القدم الإفريقية، وهذا الفشل والإخفاق المتواصلان في تحقيق الإنجازات لهما أسبابهما، التي أراها من وجهة نظري يجب العمل على دراستها والوقوف عندها، والعمل على إيجاد العلاج، حتى يعود السودان إلى موقعه الذي يُفترض أن يتبوأه في كرة القدم الإفريقية.

وهنا نصف لكم "روشتة" النجاح لكرة القدم السودانية:

التخطيط السليم

هو من أولى الخطوات التي يجب الوقوف عليها ودراستها بشكل متأنٍّ وعميق، للوصول إلى الأسباب التي تجعل الكرة السودانية لا تتقدم، فمن ينظر إلى أسلوب الإدارة الكروية على مستوى الدولة والاتحاد الرياضي الذي يدير اللعبة وحتى الأندية بمختلف درجاتها.

يجدها أنها قد أدمنت التسفيه وعدم اللامبالاة في كل ما يتعلق بالنشاط الرياضي، وأصبحت كل القرارات التي يتم اتخاذها تنبع من واقع "رزق اليوم باليوم"، لا يوجد نظرة مستقبلية أو حتى آنية، حتى أصبح يطلق على اللجنة المنوط بها وضع جدول للدوري المحلي الأول أصبح لها اسم شعبي هو "لجنة الخرمجة"، ويخرج هذا المصطلح بقوة في كل عثرة تحصل للدوري السوداني وما أكثرها.

فكثيراً ما نجد أن القائمين على تخطيط مسار موسم الدوري المحلي يفاجأون إذا تقدم أحد أو معظم الأندية في بطولات الإفريقية وهي -قليلة بالمناسبة- ولكن على قلتها هذه، يحدث "خرمجة" في جدول المباريات بشكل لا يُصدَّق ينتج معها صدامات لا تُعد ولا تحصى، مع الأندية التي تطالب بالعدالة في مسار مبارياتها المحلية بحيث لا تتعارض مع مبارياتها الإفريقية.

الاهتمام بالناشئين

وهنا أقصد بها ذلك الأساس الذي يجعل اللاعب عند وصوله إلى مرحلة الاحتراف أو اللعب في الأندية الكبرى المحلية، أن يعرف أساسيات كرة القدم ولا يفاجأ بها، فكثير من اللاعبين، خاصة في النوادي الجماهيرية، وخصوصاً نادي الهلال والمريخ، نجدهم لا يلمُّون بأبسط قواعد لعب كرة القدم، بالطبع لا نقول إنهم خارج المدى تماماً، ولكن بالمقارنة بما نراه في ملاعب العالم وما يوجد عندنا هنا فهو عبارة عن "عك كروي" لا يشبه كرة القدم.

فالاهتمام بالأساس يتمثل في الاهتمام بتنشئة لاعبي كرة القدم والتخطيط من خلال إنشاء المدارس السِّنية التي تهتم باللاعبين منذ سن مبكرة، وتأهيل مدربين متخصصين في تدريب النشء، وتوفير المعينات التي تساعد في هذا الشأن.

تحسين البنية التحتية

إذا تجولت في السودان بأكمله بحثاً عن الملاعب المؤهلة لكرة القدم، فإنك سوف تصطدم بالعدد القليل من الملاعب التي نطلق عليها ملاعب لممارسة كرة القدم بالمعنى المعروف، وحتى إن وُجدت فإن سوء الأرضية أو المرافق المصاحبة لها سيكون هو العنوان الأبرز لكل ملعب.

فلا يُعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين وما زال لدينا ملعب واحد فقط، وهو ملعب نادي المريخ، معتمد من الاتحادين الإفريقي والدولي لمباريات المنتخب السوداني، فجميع الملاعب في السودان تعاني بؤساً لا يُوصف، وتكون سبباً بارزاً في إصابات اللاعبين.

ومن ثم فإن تطوير الملاعب وبناء ملاعب بمواصفات عالمية وإقليمية هما أولى خطوات إصلاح كرة القدم، فوجود ملاعب لممارسة كرة القدم مؤهلة بشكل جيد سيكون أكبر دافع لنا لاستضافة المنافسات الإقليمية والتي عن طريقها سيكون للكرة السودانية سبب في التقدم، من خلال مشاهدة المنافسين لنا على أرض الواقع ومدى تطورهم، وهذا سبب كافٍ للاعب السوداني أن يطور من أدائه.

زيادة الدعم الحكومي

ذكرت في المقال السابق أن المنتخب السوداني أصبح يُطلق عليه "المنتخب اليتيم" وهذا ليس من فراغ، فالمنتخب القومي بشكل خاص والرياضة السودانية بشكل عام بجميع فروعها وتخصصاتها، عانت إهمالاً بشكل لا يُصدَّق، حتى أصبح الجميع ينفرون من ممارسة الرياضات الأخرى غير كرة القدم.

فلا دعم معنوياً، وبالطبع مادياً، جعل الرياضة السودانية تسير وحيدة، وإن حصل دعم فهو يأتي من أجل الكاميرات والتفاخر ليس إلا، وأقرب مثال على ذلك خسارة المنتخب الأولمبي الأخير في تصفيات نهائيات بطولة أمم إفريقيا تحت 23 عاماً، والمؤهلة لأولمبياد طوكيو 2020، فقد كان التجاهل في أقسى صوره، وبعد الفوز هنا بهدف مقابل لا شيء أمام المنتخب النيجيري خرج المنتخب بفضيحة بعد الخسارة في لاغوس بخمسة أهداف مقابل لا شيء، وهذا إن دل فإنما يدل على أن الاهتمام الحكومي غائب تماماً عن المنتخبات القومية.

فالفرق القومية في أي مكان بالعالم هي الانعكاس الحقيقي لواقع البلد الكروي سلباً كان ذلك أم إيجاباً، ومن ثم فإن الاهتمام بها والصرف عليها هما تعبير عن تطور مفاهيمي وأخلاقي وسياسي يعبر عن معنى الوطن والمواطنة، وهذا ما نتطلع إليه بعد أن شهد ويشهد السودان بثورته العظيمة تغييرات في كل مناحيه السياسية والاقتصادية، وبالطبع يجب أن يكون للرياضة بكل أنواعها حظها من هذا التغيير.

تفعيل مبدأ الحساب والعقاب

الناظر إلى المنتخب القومي السوداني يجد أنه المنتخب الوحيد الذي لا يجد لاعبو الهلال والمريخ -الغالبية العظمى من تشكيلة المنتخب تأتي من هذين الناديين- شرفاً في الانتماء إليه، مهما تفننت صحف المشجعين في إخفاء هذه الحقيقة الساطعة. فهو ليس جاذباً كما الهلال والمريخ، لذا يكثر تمرد اللاعبين عليه وعلى برامجه التدريبية واستحقاقاته الدولية. بل أكثر من ذلك فهم يتحينون الفرص للهروب من دفع ضريبته، بحجة الإصابات المصطنعة.

ولإدارات الناديَين "الكبيرين" تاريخ عريق في هذا المضمار بتزوير الشهادات المرضية. أما الأدهى والأمَرُّ من ذلك، فإنه ما إن تحِن ساعة محاسبة هؤلاء المتقاعسين من قِبل المسؤولين عن الفريق القومي حتى يهب الجميع للوقوف خلف اللاعب، مدافعين عنه باستماتة دون أدنى إحساس بالخجل. وما أكثر القضايا التي غلبت عليها المصلحة الشخصية على المصلحة العامة والتي ظهرت فيها حالة من الخواء الأخلاقي عبر مسيرة الكورة السودانية، التي يبدو جلياً أنها تفتقد الحد الأدنى من القواعد الأخلاقية التي لا يمكن من دونها أن يستقيم اي نشاط إنساني وضمن ذلك الرياضة.

التخلي عن العقلية التقليدية

اللاعب السوداني بطبيعته الفطرية غير منضبط لا فنياً ولا تكتيكياً، بل معظمهم من متوسطي التعليم، ولهذا نجد درجة الاستيعاب قليلة مقارنه بالدول الأخرى، ونجد أن احترافيته الضعيفة لا تردعه عن السهر وتناول المكيفات الضارة بالصحة، كما أن هشاشته النفسية لا تمكّنه من التعامل مع كثير من المواقف داخل الملعب وخارجه، وكل هذا ينعكس على مردوده الفني.

ومن ثم تغيير العقلية التي يجب أن يسير عليها اللاعبون سيكون له مردوده المستقبلي، لا نقول أن تتم "فرمتة" جميع عقول اللاعبين، "فمن شبَّ على شيء شاب عليه"، وهنا يأتي دور الأكاديميات الكروية المتخصصة في إفراز لاعبين يعرفون جيداً معنى أن يكون لاعب كرة قدم أو رياضي في إحدى الرياضات الأخرى، وأيضاً يجب أن يتم اختيار إدارات احترافية تكون خير رفيق للاعب، وتوجهه متى ما أخطأ، وتزيد من عزمه وتذكيره بأنه لاعب كرة محترف أو رياضي يُرجى منه تحقيق الإنجازات لبلده أولا ولنفسه ثايًًا.

اللحاق بركب الأفكار التدريبية الجديدة

التدريب في السودان أيضاً يعيش في فترة سبات شتوي لا ينتهي، لا تأهيل ولا حتى مواكبة لما يحدث مِن حولنا من تطور في وسائل التدريب والخطط، فمعظم مدربينا تجدهم يمارسون التدريب بخبرة اللعب القديمة التي اكتسبوها عندما كانوا في الملاعب.

فالمدرب السوداني تجده في كثير من الأحيان، لا يُطور نفسه ولا يطَّلع على أساليب التدريب الحديثة التي تتغير بين كل فترة وأخرى، وما زال يمارس الأفكار التدريبية نفسها التي عفى عليها الزمن، كما أن الاتحاد الرياضي السوداني يتجاهل هذه الفئة بشكل كبير، بعدم ابتعاث مدربيه أو تنظيم الورش التدريبة لهم سواء الداخلية أو الخارجية.

وأخيراً..

في بعض الأحيان ونتيجة لحالة الإحباط التي تصيبني وتصيب كثيرين من متابعي كرة القدم السودانية، أصبحت أجزم وأبصم بالعشرة أن تغيير واقعنا الرياضي والكروي أصبح من المستحيلات، في ظل ما كُنا نراه من هزائم وخروج مبكر من جميع البطولات على مستوى الأندية والمنتخب القومي، بصورة أصبحت إدماناً أكثر منه استثناء، والآن ونحن نتنسم عبير الثورة السودانية العظيمة، نتمنى أن نرى حال الكرة والرياضة السودانية بشكل عام تعود إلى عافيتها بصورة أقوى، وتأخذ ريادتها على المستوى الإفريقي والعربي والعالمي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مدثر النور أحمد
كاتب سوادني
مدثر النور أحمد هو كاتب سوداني مهتم بالرياضة والتكنولوجيا والخصوصية على الإنترنت. لديه حُب وعِشق مختلفان للرياضة وخاصة كرة القدم.