إلى عباقرة الـ«فانتازي».. لستم أول من راهن على تيمو بوكي

عربي بوست
تم النشر: 2019/09/13 الساعة 18:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/13 الساعة 18:50 بتوقيت غرينتش
تيمو بوكي لاعب نوريتش سيتي

يبدو على هذا الجالس التركيز التام، فهو لم يغير من وضعية جلوسه منذ ما يقرب الساعة. ساق موضوعة فوق الأخرى، لتتيح له الكتابة فوق الورقة التي يمسكها دون أن تهتز. ربما هذا الرجل كاتب باغته إلهامه وتركه مع الخيوط الأولى لقصة ما، وربما رجل على وشك ترك وظيفته أو قرر أن يُنهي علاقة ما في حياته. دعنا نقترب ونخطف نظرة متلصصة على ما يكتب.

أليسون أمامه أربعة مدافعين، من بينهم فان دايك وزينتشينكو، هناك سهم يخرج من اسم فان دايك ليشير إلى أنه مدافع يحرز أهدافاً، ثم سهم آخر من اسم زينتشينكو يشير إلى أن هذا الرجل سعره زهيد وفريقه قوي، ثم تكتمل القائمة لتكوّن إحدى عشر لاعباً. هناك أكثر من عشرة تشكيلات للاعبي الدوري الإنجليزي وضعها هذا الرجل. إنه الفانتازي إذن.

أعتقد أنه فات الأوان للحديث عن جنون فانتازي البريميرليغ في العالم، فهو واقع ملموس يعرفه المهتمون بكرة القدم. لا يخلو حديث عن هذا الدوري دون التطرق إلى الفانتازي وتشكيلة الأسبوع المثالية، ومن أحرز، ومن أخفق.

إذا كنت من مُحبّي الدوري الإنجليزي فأنت بالطبع تعرف تيمو بوكي، أما إذا كنت من لاعبي فانتازي الدوري الإنجليزي، فإنك تطرب بمجرد سماعك هذا الاسم.

لنشرح الأمر سريعاً لغير المهتمين باللعبة، ميزانية وهمية تمكِّنك من شراء 15 لاعباً تتفاوت أسعارهم طبقاً لأهميتهم في الملعب، بحد أقصي ثلاثة لاعبين فقط من الفريق الواحد. تحصل على نقاط حين يحرز لاعبوك أهدافاً أو يصنعونها أو يحافظون على نظافة شباكهم، وبالطبع تُخصم منك النقاط لو استقبلوا الأهداف أو تلقوا كروتاً حمراء وصفراء أو أضاعوا ركلات جزاء.

ولأن الأمر -كما شرحنا- يتعلق بالأموال والأهداف، فالجميع يريد لاعباً يحرز أهدافاً كثيرة وسعره ليس بكبير. وهنا ظهر هداف دوري التشامبيونشيب للموسم الماضي تيمو بوكي، ليراهن عليه البعض، وينجح رهانهم.

خمسة أهداف في أربع مباريات، بينهما مباراتان ضد ليفربول وتشيلسي، أحرز في كليهما بالفعل، ليتوَّج بجائزة لاعب الشهر في الدوري الإنجليزي.

لكن عزيزي لاعب الفانتازي المخضرم، هل تعتقد أن تيمو بوكي مجرد لاعب مغمور وأنت أول من يراهن عليه؟ إذا كانت إجابتك بـ "نعم"، فأرجوك لا تغتر كثيراً. تيمو بوكي رجل يمتلك تاريخاً من المراهنات. ويبدو أن الرهان عليه سينجح أخيراً، لكن دعنا نتناول رهاناته السابقة.

الرهان الأول: فنلندي في إسبانيا

ما زلت أذكر تلك المفاجأة التي ارتسمت على وجه أحد الأصدقاء عندما أخبرته بأن سامي هيبيا، لاعب ليفربول السابق، لاعب فنلندي. فلا يوجد لاعب واحد في تاريخ الكرة يتذكره أحد من فنلندا. وربما لم يعرف البعض هنا بوجود فنلندا إلا بظهور هاتف نوكيا الأثير.

إلا أن تيمو بوكي الفنلندي كان مهاجماً مميزاً للدرجة التي دفعت نادي إشبيلية الإسباني إلى التعاقد معه وهو في الثامنة عشرة فقط. لكنه خلال عامين لم يظهر إلا في مباراة رسمية وحيدة، ليعود إلى وطنه مرة أخرى.

نحن هنا بصدد الحديث عن بوكي المراهق الذي يمتلك مهارات رائعة لكنه لم ينضج بعد.  فهو لم يستطع التأقلم تحت شمس إسبانيا الحارة وهو القادم من بين ثلوج فنلندا الملقاة في شمال أوروبا.

رهان عادي يتكرر كل موسم عشرات المرات. فريق متوسط في دوري كبير يراهن على ناشئ مغمور ويخسر الرهان. كان ذلك هو الرهان الأول.

"كنت مراهقاً، وربما كانت خطوة كبيرة جداً بالنسبة لي. لقد عشت بعيداً عن المنزل وكنت صغيراً جداً، في إشبيلية كان الجو حاراً جداً مقارنة بالمناخ الذي اعتدته في فنلندا"، بوكي متحدثاً عن تجربته في إسبانيا.

الرهان الثاني: رهان شالكه وسيلتيك

ربما لم يمتلك بوكي المهارة التي تؤهله للعب في الدوري الإسباني، لكن من المؤكد أنه لم يكن ليبقى في فنلندا بقية عمره. وهنا راهن فريق شالكه على هذا الفنلندي مرة أخرى، وانتقل بوكي إلى الدوري الألماني. نجح بوكي في إحراز 8 أهداف فقط خلال 47 مع الفريق، رهان خاسر آخر كما يبدو.

لكن هناك شيء ما، يتعلق ببوكي وهو أنه بالفعل يمتلك مقومات مهاجم مميز. ولذا يتجدد الرهان عليه رغم الخسارات السابقة. وهنا ظهر العملاق الأسكتلندي سلتيك، ليراهن مجدداً على بوكي.

من المؤكد أنك توقعت النتيجة الآن: رهان خاسر مرة أخرى. لم يكن بوكي مناسباً لفريق سيلتيك أو الكرة الأسكتلندية في هذا الوقت. 9 أهداف خلال 37 مباراة مع الفريق العريق، جعلت استمراره صعباً للغاية، لتتم إعارته إلى فريق بروندبي الدنماركي.

وهنا تحديداً كانت النقطة الفاصلة في مسيرة بوكي صاحب الأعوام الأربعة والعشرين حينئذ. العودة إلى الدنمارك كانت تمثل فشلاً لبوكي مع الفرق والدوريات الكبرى، لكنها نقلت الرهان إليه شخصياً.

هل يراهن بوكي على نفسه ويعود أم يكتفي بكونه لاعباً فنلندياً حاول أن يعرفه أحد، ولكنه فشل مثل البقية؟

"جسدياً لم أكن قوياً بما يكفي للعب في سلتيك، وأعرف أنه لم يكن أفضل وقت لي كلاعب كرة قدم بالتأكيد. لكنني أعتقد أنه لولا هذه التجربة لكان الأمر أصعب الآن أيضاً"، بوكي متحدثاً عن فترته مع فريق سيلتيك.

الرهان الثالث: رهان بوكي نفسه

عاد بوكي إلى البيئة الاسكندنافية، حيث يستطيع أن يقرر ما إذا كان هو نفسه يستحق تلك الرهانات السابقة. انفجر بوكي أخيراً خلال مواسمه الأربعة رفقة بروندبي، محرزاً 72 هدفاً خلال 164 مباراة.

الحقيقة أن الرهان لم يبدأ بعد. فتألق بوكي في الدوري الدنماركي الضعيف ليس بالشيء الذي يستحق الذكر. لكن بعد انتهاء عقد بوكي مع بروندبي كان الرهان في يد بوكي نفسه.

رفض بوكي توقيع عقد جديد رفقة بروندبي، وقرر ان يراهن هو بنفسه مع فريق نورويتش سيتي الذي كان يلعب في الدرجة الأولى من الدوري الإنجليزي حينئذ. لقد أدرك بوكي أن الرهان لن يتجدد من الأندية مرة أخرى، وأن هذا هو دوره في الرهان الأخير: إما أن يثبت أنه يستحق اللعب في الدوريات الكبرى، وإما لينسَ الأمر إلى الأبد.

وقَّع بوكي مجاناً عقداً مع فريق نورويتش، وكان الرهان على مدى قدرته على قيادة هذا الفريق إلى الصعود للدوري الإنجليزي الممتاز، أو ليبقى لاعباً مغموراً في الدرجات الدنيا من الدوريات الكبرى أو مثيلاتها.

الحقيقية أنه فاز في الرهان أخيراً. أحرز بوكي 29 هدفاً، قاد بها نورويتش إلى الصعود نحو البريميرليغ، لكي يشارك في الدوري الأهم بالعالم للمرة الأولى، دون أن يراهن عليه أحد، بل العكس هو من راهن الجميع على النجاح مرة أخرى وكسب الرهان. ويبدو أنه ينوي استمرار الرهان ومضاعفة المكسب خلال هذا الموسم.

هل وصل بوكي إلى الرهان الفائز أخيراً؟

هنا يكمن السؤال الأهم: هل يكتفي بوكي بما حققه أخيراً أم أن الرهان لم يبدأ بعد؟ الحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال تستلزم معرفة ماذا جنى بوكي خلال تلك المسيرة.

يتحدث بوكي عن مسيرته الناجحة في الدوري الدنماركي بكثير من التعقل، حيث يصف أهدافه وطريقة اللعب بأنها كانت كلها من كُرات طويلة. ثم يؤكد أن الوضع في نورويتش مختلف، لأن الفريق يريد لعب كرة القدم عن طريق البناء من الخلف، كما أن هناك كثيراً من الحركة والركض والتمرير القصير من الفريق بأكمله. وهذا يساعده كهداف للفريق بالطبع.

حسناً، نحن الآن أمام النسخة المتطورة من المراهق تيمو بوكي، الرجل الذي ملَّ من الركض والصدام من أجل إثبات نفسه، وأصبح يتحدث عن دوره داخل الفريق بشكل أكبر. وهذا ما يؤكده تصريح مدربه الحالي دانييل فارك، قبل ثماني مباريات من نهاية الموسم الماضي.

"أهم شيء يمتلكه هو عمله الشاق. إنه لا يهتم كثيراً بنفسه أو بسجلّه الفردي، بل بالعمل خلال المجموعة. حتى لو لم يسجل في مباريات الدوري الثماني الأخيرة في مقابل أن ننجح كفريق واحد، فأنا متأكد من أنه سيكون سعيداً".

العامل الآخر الذي يمتلكه بوكي هو مهارته التي تبلورت خلال تلك الفترة والتي أصبحت مثالية للظهور والتألق على الملاعب الإنجليزية تحديداً، وهو ما أوضحه العبقري بيلسا مدرب ليدز يونايتد.

"مهارات بوكي ليست شائعة في كرة القدم الإنجليزية. إنه لاعب يصعب تحجيمه، إنه دائماً في وضع جيد لتسلُّم الكرة والتحرك باستمرار. يلعب بشكل بسيط للغاية، لكنه فعال للغاية أيضاً".

دعنا نعُد إلى لاعبي الفانتازي مرة أخرى. ربما تأكدت الآن أنك لست أول من راهن على تيمو بوكي، لكن يبدو أن هذا الرهان سيجلب لك كثيراً من النقاط خلال الموسم الحالي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود عصام
كاتب رياضي، يكتب عن الكرة بعيدًا عن الأرقام والإحصائيات، عن الكرة التي ما زالت تُلعب في الشارع بشغف طفولي لا يمكن التخلص منه أبدًا.
كاتب رياضي، يكتب عن الكرة بعيدًا عن الأرقام والإحصائيات، عن الكرة التي ما زالت تُلعب في الشارع بشغف طفولي لا يمكن التخلص منه أبدًا.