في آب (أغسطس) 1947 قررت بريطانيا تقسيم شبه القارة الهندية بعد أن أشعلت الفتنة بين المسلمين والهندوس، وتم تقسيم شيه القارة إلى الهند وباكستان على أساس ديني، ولكن بالطبع بقيت جيوب لم تسوى تماما وأهمها وادي جامو وكشمير شمالي الهند، إذ دخلتها القوات الهندية والباكستانية ومليشيات باكستانية من حركة آزاد المتمردة، ووقعت أول حرب هندية ـ باكستانية حول كشمير، فعرضت الهند القضية على مجلس الأمن على أساس أن الإقليم ملك للهند وأن باكستان دخلتها عدوانا، فقرر مجلس الأمن وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الهندية والباكستانية مع الاحتفاظ بأعداد محدودة من قوات البلدين ونزع سلاح الإقليم، ثم فى النهاية إجراء استفتاء من سكان الإقليم حول عدة خيارات: إما الاستقلال، أو الاندماج في الهند أو باكستان.
ولما فشلت كل جهود الوساطة الدولية التي رعاها مجلس الأمن، استمر التوتر داخل الإقليم مع القوات الهندية، وبين الهند وباكستان. ثم نشبت الحرب بين البلدين عام 1965 فانقسمت الدول الكبرى في إطار الحرب الباردة، حيث ساندت الصين باكستان امتدادا للعداء الهندى ـ الصيني، حيث نشبت الحرب بينهما عام 1962 ولم تكن الهند قد حازت القنبلة الذرية بعد.
كانت باكستان نقطة ارتكاز للمجاهدين الذين دعمتهم السعودية وواشنطن لمحاربة الاحتلال العسكري السوفييتي في أفغانستان، ولذلك كانت واشنطن مؤيدة للموقف الباكستاني في كشمير.
ومن الواضح أن الهند كانت مع المعسكر السوفييتي، بينما واشنطن انحازت إلى باكستان ضد الهند، أي إن أمريكا والصين المتخاصمتين كانتا مع باكستان لأسباب مختلفة. ولكن فى عام 1971 زار نكسون الصين وحلت الصين الشعبية محل الصين الوطنية في مجلس الأمن والأمم المتحدة، وركزت بكين على نظرية الصين الواحدة. في العام نفسه قامت بنغلاديش بعد حرب بين شرق باكستان وغربها، بدعم هندي، مما أدى إلى انشطار شبه القارة الهندية إلى ثلاثة دول.
ولما دخلت الهند وباكستان العصر النووي، توقفت الحرب بينهما بسبب توازن الرعب النووي. أما الهند التي رفضت قرار مجلس الأمن وإجراء استفتاء في كشمير، فقد استبدلت ما تطلبه القرار بالنص في تعديل دستوري على حكم ذاتي للجزء الباكستاني الذي تحتله الهند. ولذلك فإن إقدام الهند في آب (أغسطس) الماضي على إلغاء الحكم الذاتي في الدستور الهندي، في الواقع أعاد القضية والصراع إلى نقطة الصفر ولكن الموازين الدولية تغيرت، لم تعد واشنطن متحمسة لمعاداة الهند والتقرب من باكستان كما كان أيام الحرب الباردة، كما أن الصين متحفظة تماما عن ذي قبل في القضية، وهي لا تريد أن تحيي الصراع مع الهند التي تقترب من وضع عالمي متميز.
أما في العالم الإسلامي، فرغم أن دوله انقسمت في الماضي حول محوري الهند وباكستان، إلا أن قضية كشمير سجلت على أجندات منظمة المؤتمر الإسلامي بدعم سعودي على أنها قضية إسلامية تستحق دعم العالم الإسلامي لها. وقد تغير الموقف الآن فقد لوحظ أن باكستان لا تنوي التصعيد العسكري أو الدبلوماسي في جميع الأطر، كما أن القضية لم تظهر حديثا على أجندات المؤتمر الإسلامي، وكأن كل القضايا الإسلامية قد تم التراجع عن تحديدها بسبب تغير الظروف.
تركيا وحدها هي التي احتجت على إلغاء الهند لنص الدستور الهندي على الحكم الذاتي في كشمير
لقد كانت باكستان نقطة ارتكاز للمجاهدين الذين دعمتهم السعودية وواشنطن لمحاربة الاحتلال العسكري السوفييتي في أفغانستان، ولذلك كانت واشنطن مؤيدة للموقف الباكستاني في كشمير، وبالطبع لم يصدر الموقف الأمريكي عن التعاطف مع قضية إسلامية. والطريف أن باكستان كانت قد أعترضت على قرار مجلس الأمن عام 1983 الذي أبطل إعلان الشطر التركي من قبرص جمهورية مستقلة وكان اعتراضها لأسباب ثلاثة: الأول تعاطف ديني مع الأتراك المسلمين في قبرص، والثاني أن باكستان وتركيا كانتا مع المعسكر الغربي رغم اعتراض واشنطن على استقلال الأتراك القبارصة، وكانت العلاقات الأمريكية مع تركيا واليونان أعضاء الناتو سببا في أزمة طاحنة في علاقات واشنطن مع تركيا منذ الغزو التركي لقبرص عام 1967 واستمرار وجود القوات التركية حتى الآن.
والملاحظ أن تركيا وحدها هي التي احتجت على إلغاء الهند لنص الدستور الهندي على الحكم الذاتي في كشمير، وعادت الهند تعتبر الجزء الهندي من كشمير جزءا من الإقليم الهندي متحدية باكستان، ومستخدمة القوة في قمع أهل كشمير علنا.
الملاحظ أن موسكو والاتحاد الأوروبي تعتبر مشكلة كشمير مسألة ثنائية ولا دخل للأمم المتحدة فيها وتعيق موسكو جهود الصين لمناقشة المشكلة في مجلس الأمن أو تدويل القضية.
وكان الوضع الطبيعي أن إلغاء الحكم الذاتي للإقليم في الدستور الهندي، أن تستجيب الهند لقرار مجلس الأمن رقم 47 لعام 1950 حول نزع سلاح الإقليم وإجراء الاستفتاء وسحب قواتهما من الإقليم بشكل متزامن.
والملاحظ أن موسكو والاتحاد الأوروبي تعتبر مشكلة كشمير مسألة ثنائية ولا دخل للأمم المتحدة فيها، وتعيق موسكو جهود الصين لمناقشة المشكلة في مجلس الأمن أو تدويل القضية. وهذا الموقف الروسي هو استمرار لموقف الاتحاد السوفييتي الحليف للهند ضد باكستان عضو حلف الناتو مع واشنطن إبان الحرب الباردة.
والخلاصة: يستحيل قيام الحرب بين الهند وباكستان لاعتبارات نووية، كما يستحيل أن تتجاوب الهند مع جهود التسوية السياسية، كما أن الوضع في الإقليم سيظل لهذه الأسباب مشتعلا، مما يغذي التوتر بين الهند وباكستان مادام الاشتعال مستمرا في كشمير.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.