شدد قائد الجيش الهندي في عام 2017، الجنرال بيبين روات، على ضرورة أن تكون بلاده مستعدةً لخوض حربٍ على جبهتين، ضد باكستان والصين في آن واحد، وتزامن ذلك التهديد مع سحب الهند لقواتها من داخل الحدود الصينية، بعد نجاحها في منع الصين من تطوير طريق عسكري حدودي، وفي المقابل وكرد فعل على تلك الاستفزازات العسكرية من جانب الهند، عرقلت الصين عدة مرات قرار مجلس الأمن الهادف لإدراج قائد جماعة "جيش محمد" الكشميرية على قوائم الإرهاب، بالرغم من مسؤولية جماعته عن عدة هجمات داخل الأراضي الهندية.
تتخذ أزمة كشمير الأخيرة منحى دولياً مختلفاً تلك المرة، بعد دعم الصين للموقف الباكستاني المندد بقرار الهند إلغاء الحكم الذاتي لإقليم جامو وكشمير، والذي يشهد نزاعاً عسكرياً بين الهند وباكستان، حيث بادرت حكومة باكستان بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الهند، فبالرغم من إعلان الحزب القومي الهندوسي أثناء حملاته الانتخابية قبل عدة أشهر نيته إلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير، كردٍّ ضمني على استمرار العمليات الجهادية من قبل "جيش محمد" ضد الجنود الهنود، إلا أن توقيت إعلان القرار كان مفاجأة للجميع، حيث يعتبر استحواذ حكومة نيودلهي على الإقليم عملية استفزازية لحكومتي إسلام أباد وبيكين، فبخلاف النزاعات الحدودية بين الهند من جهة وكل من الصين وباكستان من جهة أخرى، إلا أن ضم الهند لإقليم كشمير يهدد مشروع طريق الحرير الصيني، حيث تقوم الصين بإنشاء ممر اقتصادي يربطها بميناء جوادر الباكستاني الاستراتيجي الواقع على بحر العرب، والذي يمر بإقليم كشمير الباكستاني محل النزاع مع الهند، والذي تطالب بضمه كاملاً لها.
خلفيات الصراع
تبدو صورة الصراع في كشمير مختلفة تلك المرة عن المرات السابقة في 1947 و1965 و1971، حيث لا يقتصر الصراع على ضم أجزاء من الإقليم أو إنشاء الهند لسدود على أنهار كشمير في الجزء التابع لها، فقد شهدت المنطقة تغيرات دراماتيكية في العقد الأخير، على إثر قيام باكستان بالتقارب مع الصين العدو التقليدي للهند وأمريكا، بعد أن عرضت الصين تمويل باكستان لإنشاء محطات نووية لإنتاج الطاقة الكهربية عام 2013، فضلاً عن قيام الصين بتدشين أحد أهم روافد طريق الحرير الصيني عام 2015، والذي يبدأ من غرب الصين مخترقاً منطقة كشمير الباكستانية، وهو عبارة عن خطوط سكك حديد وطرق وأنابيب لنقل الغاز والنفط من سواحل باكستان القريبة من الخليج العربي إلى غرب الصين، والذي تنوي بيكين نقل ثقلها الصناعي إليه تدريجياً، لمحاولة إيجاد طرق بديلة لتصدير منتجاتها للعالم عبر ممرات برية وبحرية جديدة، بدلاً من اضطرار سفن الصين التجارية للمرور بمضيقي ملقا وماكيناو، الواقعين تحت سيطرة القواعد العسكرية الأمريكية.
حيث تحاول الصين حل معضلة الحصار الجيوسياسي التي تفرضه أمريكا عليها عبر حلفائها في بحر الصين الجنوبي والشرقي، عبر فتح قنوات اتصال جديدة مع العالم، بالمقابل تدعم أمريكا أعداء الصين في أي صراع على الحدود أو الثروات النفطية، بغرض الضغط عليها للقبول بالدخول للفلك الأمريكي وهو ما ترفضه الصين.
باكستان وتحالفات جديدة
وفي نفس السياق حافظت باكستان على علاقة اقتصادية مع إيران التي تمدها بالطاقة الكهربائية، للتغلب على عجز الكهرباء الكبير الذي تعاني منه البلاد، فضلاً عن محاولات استكمال مشروع غاز السلام، لمد باكستان باحتياجاتها من الغاز الإيراني، وهو ما تسبب في غضب الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تحاول منع إيران من بيع غازها للهند والصين وباكستان عبر إعادة تطبيق العقوبات الأمريكية عليها، وفي المقابل تحاول أمريكا بيع ما لديها من الغاز المسال لدول شرق آسيا، وبالرغم من فشل الضغوط الأمريكية في إجبار الصين على شراء الغاز الأمريكي، فقد نجحت إدارة ترامب عام 2018 في توقيع عقد لتصدير الغاز الأمريكي المسال إلى الهند لمدة 20 عاماً، وهو ما يقلل من نجاح المشروع الروسي الذي وقعته روسيا مع الهند عام 2017، والذي كان يطمح لمد خط غاز من بحر قزوين للهند مروراً بإيران وباكستان.
تسبب ذلك التباين الكبير في المصالح في تشكيل تحالفات اقتصادية جديدة بين كل من الصين وباكستان وإيران، مقابل تحالف أمريكا مع الهند واليابان، والذي ظهر أثره بعد قيام الهند بمنع الصين من إنشاء طريق عسكري في الحدود المشتركة بينهما، بعد أيام قليلة من لقاء رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بترامب عام 2017.
باكستان تخرج من العباءة الأمريكية
منذ استقلال باكستان وشبح الانقلابات العسكرية يطاردها، إلا أنها لم تشهد انقلاب عسكري صريح منذ 1999، عندما تمت الإطاحة بنواز شريف بعد محاولاته لتمرير تعديل دستوري يدعم تطبيق الشريعة، فضلاً عن إجرائه 6 تجارب نووية عام 1998.
ومع عودة نواز شريف الأخيرة للحكم في 2013، قام بالتقارب مع إيران والصين من أجل تمرير مشاريع تنموية مخالفة لرغبة أمريكا، الأمر الذي دفع أمريكا للإطاحة به من الحكم عام 2017 بعد نشرها لوثائق بنما، وهي القضية التي تم اتهامه بالفساد ومن ثم أجبر على الاستقالة، فيما يرى مؤيدوه أنها قضية سياسية بامتياز بهدف إبعاده عن السلطة.
وبعد وصول عمران خان للسلطة في باكستان عام 2018، لم تختلف توجهاته السياسية والاقتصادية كثيراً عن سابقه، حيث استكمل توطيد العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع الصين وإيران، في محاولة لانتشال باكستان من الوضع الاقتصادي السيئ بالتوازي مع تدعيم الشراكة مع دول إسلامية صاعدة مثل تركيا وماليزيا، في محاولة لمواجهة التطرف الهندوسي في الهند، خصوصاً بعد وصول حزب هندوسي معادي للمسلمين إلى سدة الحكم بزعامة ناريندرا مودي، الذي غضّ الطرف عن اعتداءات طائفية ضد مسلمين إبان رئاسته لولاية غوجارات.
فيما تحاول إدارة ترامب فرض حصار اقتصادي على كل من الصين وإيران، في محاولة لإجبارها على التفاوض والقبول بقواعد تجارية جديدة، إلا أن موافقة باكستان على مشروع طريق الحرير الصيني تعتبر ضربة قاصمة لمحاولات أمريكا حصار الصين، فضلاً عن تزايد الشراكة بين كل من الصين وباكستان وإيران، في النواحي الاقتصادية والعسكرية، وهو ما يهدد بخلق جبهة مناوئة للهيمنة الأمريكية في المنطقة.
هل تشتعل المنطقة؟
نجحت الصين في زيادة التعاون الاقتصادي مع جيران الهند في كل من بنغلاديش وميانمار وسريلانكا عبر ضمهم لطريق الحرير، خاصة بعد استحواذها على موانئ استراتيجية في سريلانكا (همبانتوتا) وبحر العرب (جوادر)، بالتوازي مع إنشاء قاعدة عسكرية بحرية في جنوب باكستان (جيواني)، لحماية طريق جوادر الاستراتيجي من أي تهديد محتمل، وردت الهند على إقامة الصين لقاعدة عسكرية في باكستان بزيادة التعاون العسكري والاقتصادي مع اليابان، الغريم التاريخي للصين، والذي كلل بمشاركة اليابان في المناورات الحربية التي تقام كل سنتين بين الهند وأمريكا (مالابار)، حيث أقيمت في المحيط الهندي عام 2017، لكن مع تصاعد التوتر بين الصين وكل من أمريكا والهند، قامت أمريكا والهند واليابان في مايو 2019، بالقيام بالمناورة في بحر الصين الجنوبي، وهو ما ردت عليه الصين بإطلاق مناورة عسكرية في يوليو 2019 بالقرب من جزيرة تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، مع التهديد بالاقتحام العسكري للجزيرة حال إعلان استقلالها، بالرغم من الحماية الأمريكية المفروضة على الجزيرة.
الضوء الأخضر من أمريكا
بعد التقارب الكبير بين الهند وأمريكا في الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية، قامت الهند بإلغاء المادة 370 من الدستور والتي تمنح الحكم الذاتي لإقليم جامو وكشمير ذي الأغلبية المسلمة، وهو ما يهدد باشتعال الوضع في المثلث الحدودي بين كل من الهند وباكستان والصين، حيث تنتشر جماعات كشميرية إسلامية مثل جيش محمد وعسكر طيبة التي ترفض الوجود الهندي في كشمير، ما ينذر بتصاعد أعمال العنف بين الجهاديين والحكومة الهندية، وهو ما يدفع باشتعال الأوضاع بالقرب من مشروع ممر جوادر الصيني، والذي ترفضه الهند باعتباره يخترق منطقة كشمير المتنازع عليها مع باكستان، ما يفتح المجال لمواجهة عسكرية بين ثلاث قوى نووية، وسط أجواء عالمية مشحونة.
وفي ظل تصاعد الأزمات السياسية حول الصين مؤخراً، خصوصاً في إقليم هونغ كونغ بشرق الصين الذي يعج بالمظاهرات الرافضة للوصايا الأمنية الصينية، بينما تحاول الصين أحكام قبضتها عليه ومنع النفوذ الأمريكي والبريطاني من التغول فيه، إلا أن المعضلة الحقيقية للصين تكمن في ملف كشمير، والذي يعتبر آخر أوراق أمريكا الفعالة لإشعال الحرائق في المحيط الحيوي للصين، بعد أن استنفدت تماماً ورقة الانفصالين التبت وأصبحت غير ذات جدوى، فهل تستطيع الصين فك شفرة الحصار التي تضربه أمريكا حولها عبر حلفائها، أم يخرج الوضع عن السيطرة ونشهد أول حرب نووية حقيقة بين الجيران النوويين؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.