إذا أردت أن تكتب جيداً اقرأ كثيراً، هذا ما قالوه دائماً عن كيفية إتقان الكتابة، عانيت كثيراً لأكتب أول موضوع لي ولا زلت أعاني حتى أنتج أي موضوع، وكأنني أعصر نفسي مئة مرة حتى أُخرجَ بعض الكلمات، وكأنني في آلة ضغط حتى أنتج بعض الأفكار، وكأن الزمن تلاشى من فرط التفكير في كيفية صياغة العبارات، وبعد كل هذا لا تنتج إلا القليل ولعله أيضاً يرضيك.
فكرت كثيراً في مواضيع أحببت الكتابة عنها، الأفكار موجودة ولكن التحدي في كيفية التعبير وصياغة الكلمات وإيصال المعنى وعمق الرسالة وصدق المشاعر، وبعد أن تقطع شوطاً ليس بالقليل تجد أن الفكرة لم تعد تروق لك كالسابق، وأنها ليست جديدة ويصيبك الإحباط وتبدأ في شجار مع فكرتك بعدما كنتما صديقين.
والآن، بعد أن فكرتُ في أفكار كثيرة ولم تكتمل وتخرج إلى النور، قررت الكتابة عن معاناة الكتابة خاصة للمبتدئين مثلي.
إذاً.. لماذا لا تخرج أفكارنا إلى النور بعد إهدار أحبارنا عليها وقتاً طويلاً؟ لماذا نملُّ بعد وقت طويل من صراع كلماتنا وأفكارنا التي لا تتحد في النهاية لتصبح موضوعاً ذا قيمة؟
الإجابة هنا أن الموضوع الذي تكتب فيه ليس موضوعك! بمعنى أنك لست الشخص المناسب للكتابة في هذا الموضوع أو أنك تحتاج إلى وقت أطول من القراءة والتثقيف لتستطيع الكتابة فيه، هذا أشبه بالذي يقف في الطابق الأول ويوجه نظره إلى الطابق الخامس ظناً أنه سيبلغه دون جهد، ولكن ما هو ببالغه وإن ظل عمراً ينظر إليه.
– لكي تستطيع حل هذه المعادلة، عليك بالكتابة في مستواك الفكري والثقافي، والقراءة لتحسين هذين المستويين وليس القراءة فقط، بل القراءة والكتابة في نفس الوقت.
– ليس عليك أن تختار أفكاراً كبيرة وعميقة ذات زوايا متشعبة، بل اختر مواضيع بسيطة ذات زاوية واحدة وهدفها واضح وألفاظها سهلة لينة، لا تتعجل سيأتي وقت الأفكار العميقة لاحقاً.
– اختر مجالك الذي تهواه لكي تقرأ فيه وتبني ثقافتك، وبالتالي ينعكس ذلك على كتابتك تدريجياً، يمكن ألا تقيد كتابتك بمجال محدد في البداية فقط وأن تطلق العنان لعقلك ومشاعرك لكن في مستواك وقدرتك التعبيرية كما اتفقنا.
– الأفكار حولنا وفي كل مكان، إنها داخل بيتك وبالقرب من محطة انتظارك للحافلة، إنها بين أصدقائك وأقاربك، في الشوارع والميادين، في التصريحات والأخبار في العادات والقيم، في القرآن والسُّنة، إنها تحاصرك من كل جانب ولكن ابحث وستجد الكثير.
– الكتابة ليس لها وقت، فقد يأتيك بحرٌ من الأفكار أثناء خلودك إلى النوم، حينها استيقظ واكتب ولا تفلت هذه الأفكار، وذلك بالقياس على أحوالك المختلفة، وبناءً عليه فإن كاتباً مثلك لا يجب أن يتحرك بدون ورقة وقلم.
– الصبر على تطور مستواك من الأمور المهمة، وإن كنت ستلاحظ فارقاً ملموساً في وقت قياسي إذا التزمت التدرج كما ذكرتُ سابقاً، أيضاً لا تتعجل نشر تدوينتك أو مقالك، أرسلها إلى الصفحات والمواقع لكن لا يصيبك إحباط إذا لم يتم النشر.
– عندما تتم كتابة موضوع افتخر بذاتك واسعد من داخلك، حتى وإن لم ينشر على مدونة أو موقع أو لم يقرأه أحد، فالكتابة في حد ذاتها إنجاز جيد يستحق أن تفخر به.
– حاول عرض الموضوع بعد إتمامه على بعض المقربين منك، ولكن احرص أن يكونوا من المشجعين غير المثبطين، فالتعليق واقتراح تعديلات في إطار التشجيع سيكون أفضل لك من النقد اللاذع.
– وفي النهاية يجب أن تعرف لماذا تكتب؟ نحن نكتب لتفريغ الطاقات، لتخليد الذكريات، لتصحيح المعتقدات، نكتب للإعلام ونشر الأفكار، لتحرير الأوطان، لنشر الثقافات، لتغذية القلوب والعقول، نكتب بأيدينا لتشهد علينا يوم القيامة أنها لم تكتب باطلاً وإنما حق.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.