العاشرة ليلاً، أخرجُ من المنزل كعادتي خلالَ ليالي رمضان لأشتري بعضَ الحاجيات من السوق، الذي يبعد عنِّي مسافة 10 دقائق، صادفتُ شاباً ملتحياً، حيَّيتُه دون أن أَلقى رداً، واصلتُ السيرَ وفي ذهني يبرز التعجب من تصرفه الذي تكرَّر أكثر من مرة، قلتُ في نفسي ساخراً "ربما لم يصله من الإسلام إفشاء السلام"، بلغتُ الشارع الرئيسي لأرى أمامي على سبيل العادة بعض الأمراض الاجتماعية السائدة، في مجتمع قد يصفه البعيد بأنه "متدين جداً" كالتحرش الجنسي، غياب احترام ممر الراجِلين، رمي النفايات على الأرض…
وصلت إلى وجهتي، فرُحت أتجوَّل بحثاً عمَّا أحتاجه، وجدتُ بائعاً عُرف عنه وجوده الدائم في الصفوف الأمامية للصلاة، وأداؤه المتكرر للحج والعمرة، اقتنيتُ من عنده ما كنت أحتاجه، وعُدت إلى المنزل دون أن أُدقق فيما أخذته، بسبب الفكرة المسبقة التي كانت لديّ عن تدين البائع -رغم أنه من الصعب اعتبار كيفية التعامل مع الآخر بالاعتماد على أفكار مسبقة أمراً صحيحاً- وفور بلوغي المنزل أخذتُ أضع مقتنياتي لأكتشف أنه غشَّني، ولا أعتقد أني في حاجة إلى ذكر التفاصيل؛ إذ لا بدَّ أنَّ أي قارئ ستمرُّ أمام ذاكرته عشرات الحوادث المشابهة التي حصلت له كأيِّ فردٍ آخر، بفعل الأفكار المسبقة.
في تعاملاتنا اليومية تتكرَّر حوادث مشابهة لما سبق ذكره، والسبب الذي يجعل المرء منخدعاً بمظهر الآخر أكثر من مرة ربما قد يعود إلى أنه من غير الممكن التفكير جيداً أثناء أي تعامل اجتماعي نعيشه، لذلك تستحضر الأفكار المسبقة والتمثلات الاجتماعية التي تجعلنا نميز بين الأشخاص بناء على مظاهرهم، ومدى انعكاس الالتزام الديني عليها.
وسط هذه السطحية التي صارت نسبة كبيرة من مجتمعنا تعيشها حين تمارس إيمانها بأي فكرة تضيع الكثير من المعاني، إلى الحدِّ الذي يدفعنا للتساؤل حول ما ضاع منا نتاجاً لذلك.
فما الذي خسرناه إذن بسبب انتشار التدين الشكلي؟
قد نبقى مع عدِّ الخسائر دون توقف، لكن عدد الكلمات والوقت يضعان حداً لذلك، وقد يظهر أنَّ من الأفضل التوقف للتذكير بضرورة النظر من زاوية أخرى، من زاوية الأمل لمجتمع أفضل ونهضة حقيقية، بعيداً عن ضجيج الشعارات السياسية التي تنتهي فور نهاية الحملات الانتخابية، فالعالم لم ينته بعد، والمجتمعات دينامية تستطيع تجاوز الأزمات.
حاوِلوا إذن التوقف للحظات وفكِّروا، أين تديُّنُكم أمام هذا الفساد السياسي المتعاظم؟ أمامَ كلِّ هذا الكسل والفساد الذي يسود في تعاملاتنا الاقتصادية، وأمام حضور الرِّشوةِ ضرورةً لقضاء الحاجات؟ أين تدينُكم حين يتعلق الأمر بنصرة الضعفاء؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.