لماذا يعاني العالم العربي من غياب الديمقراطية؟ ولماذا تحدث الانتكاسات دائماً في الدول التي تشهد تحولاً ديمقراطياً؟ في الحقيقة يصعب إيجاد أجوبة دقيقة لهذا الإشكال، لأن عوامل معقدة ومتشابكة متعددة، تاريخية وثقافية واجتماعية واقتصادية، تشكل عرقلة مستمرة لمسيرة الديمقراطية في الدول العربية.
لكن يمكن الجزم بأن أهم ضمانتين أساسيتين، تشكلان عامل استقرار وحماية للأنظمة الديمقراطية، لا تقومان فعلاً بالدور المنوط بهما، ويتعلق الأمر بالمؤسستين القضائية والعسكرية، وقد تنامت ظاهرة تدخُّل العسكر في الحياة السياسية بالسنوات الأخيرة؛ وهو ما يدفعنا إلى دراسة العوامل المؤدية إلى تنامي هذه الظاهرة، والوقوف على أسباب تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة.
إن إلقاء نظرة سريعة على الخريطة السياسية في الوطن العربي ستمكّن من ملاحظة أن المؤسسة العسكرية هي التي تتحكم في دواليب الحكم، خصوصاً داخل الأنظمة الجمهورية إما بطريقة مباشرة وإما غير معلنة، من خلال الضغط والتأثير الذي تمارسه على النظام الحاكم، وهذا يعطي بعض التفسير للصعوبات التي ما فتئت تواجهها عملية التحول الديمقراطي، فطبيعة المؤسسة العسكرية كمؤسسة سلطوية، لا تعترف بمفاهيم التعددية وتداول السلطة وبحق المخالفين في الوجود القانوني، ولذلك فبقاؤها في مراكز التأثير يشكل خطراً على الحريات المدنية والسياسية. وأي محاولة من أجل دمقرطة الأنظمة السياسية سيكون مآلها الفشل إذا لم يتم تحييد المؤسسة العسكرية وإبعادها نهائياً عن الشأن السياسي، ولا يخفى على الجميع الدور الذي أدَّته المؤسسة العسكرية في النظام السياسي المصري والجزائري والسوداني السوري… ولعل ما حدث في هذه الدول من فظاعات دليل واضح على أن تدخُّل هذه المؤسسة في الحياة السياسية لن ينتج عنه إلا الخراب.
وباعتبار أن الجيش ليس طبقة واحدة، بل إن أفراده ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة ومتناقضة المصالح، فإن غياب الانسجام داخل هذه المؤسسة قد ينتج عنه في حالة بعض تدخلات الجيش صراعات داخلية، إذا كان التدخل لفائدة فئة معينة ضد أخرى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.