خرج المنتخب المصري من بطولة كأس إفريقيا خروجاً مدوياً، ليتسبب بصدمة كبيرة لدى المصريين، الذين كانوا يعقدون آمالاً كبيرةً على هذا المنتخب للعودة لمنصات التتويج مرة أخرى، خاصة أن أفضل نجم إفريقي في السنتين الأخيرتين يلعب في صفوفه، وهو محمد صلاح نجم فريق ليفربول الإنجليزي، بطل دوري أبطال أوروبا الموسم السابق.
وليزداد الأمر إيلاماً انتشر فيديو إعلاني احترافي أُعد قبل انطلاق البطولة، لبعض لاعبي المنتخب وهم يقدمون اعتذارهم للجمهور المصري عن الخروج من البطولة، والذي وجد استهجاناً وهجوماً قويين، قاربا أو فاقا هجوم الخروج نفسه بعد انتهاء المباراة.
أسباب كثيرة ساهمت في خروج المنتخب بهذا الشكل بعضها نفسي، وبالتأكيد القسم الأكبر منها فني وخططي يتحمل الجزء الأكبر منه المدرب، والباقي يتوزع على الإداريين واللاعبين على حد سواء، وهذه بعض النقاط التي ساهمت في خروج المنتخب من البطولة التي يستضيفها على أرضه وبين جمهوره:
براعة الافتتاح رفعت سقف الطموحات
في فترة زمنية قصيرة ما بين سحب التنظيم من الكاميرون وحيرة الاتحاد الإفريقي في نجاح البطولة، أتت موافقة دولة مصر على التنظيم بمثابة طوق النجاة التي تعلق بها قادة الاتحاد الإفريقي، خاصة أنها المرة الأولى التي تضم البطولة "24" منتخباً، ولم تخذل مصر القارة الإفريقية في إخراج حفل افتتاح أنيق وجميل أشاد به الجميع داخلياً وخارجياً، وملاعب معدة جيداً، وبنية تحتية مميزة ساهمت في استضافة جميع الوفود والمشجعين بكل أريحية وسهولة.
ومع هذا الافتتاح الأنيق والإشادة التي انهالت على الدولة الضيفة من كل حدب وصوب، ارتفعت آمال وطموحات المصريين بأن الكأس الإفريقية الغالية ستعود أخيراً لأحضان الفراعنة بعد فترة انقطاع دامت تسع سنوات كاملة، طموحات أقل ما يقال عنها عاطفية بشكل كبير، وهذا ما رأيناه في الإعلانات التجارية المكثفة لمختلف العلامات التجارية التي تتغنى بالمنتخب المصري وعراقته، خاصة مع ظهور شبه كامل لكل لاعبي المنتخب في البطولة في هذه الإعلانات التجارية.
بالإضافة إلى برامج التحليل والتوك شو التي أظهرت المنتخب وكأنه قد حصل على البطولة قبل انطلاقها، مما أدخل موجة ثقة كبيرة لدى المشجع المصري، والذي انتقل به للمدرجات عندما يلعب المنتخب؛ منتظراً أن يفوز المنتخب بالستة والخمسة، متناسياً أن المباريات تُلعب على التخطيط والتكنيك وليس بالمعنويات والأحلام.
صلاح فخر العرب ولكن!
لا ينكر عاقل أن محمد صلاح لاعب ليفربول الإنجليزي قد وصل لنجومية كبيرة، وأصبح يُصنف ضمن اللاعبين النخبة في القارة الأوروبية على وجه الخصوص، والعالم بشكل عام، أبدع صلاح مع فريقه الإنجليزي منذ وصوله، وكان من المتوقع أن ينقل هذا الإبداع إلى الملاعب المصرية في البطولة الإفريقية، حاملاً لقبها مع باقي رفاقه، ولكن تناسى الكثيرون أن تألق أي لاعب مع ناديه ليس بالضرورة أن يحدث مع منتخبه.
فلننظر لميسي ورحلته مع منتخبه الأرجنتين في الحصول على بطولة قارية دولية، فهذا وحده يخبرك بأن الحياة للاعبي كرة القدم ليست وردية دائماً، أن تلعب مع ناد بشكل مستمر ولمدة ثمانية أشهر متتالية، ومع رفقاء حفظت أساليبهم وحفظوا أسلوبك يختلف بشكل كامل عن رفقاء لك في المنتخب تجتمع معهم كل شهرين أو ثلاثة أشهر ولفترات قصيرة، وبعض الأحيان تجد أفراداً مختلفين عمن التقيت بهم في السابق، لذلك إسقاط تألق اللاعب محمد صلاح مع ناديه على منتخبه الوطني لهو ظلم للاعب وضغط لا يتحمله بشر.
مدرب مشبوه لم نعرفه إلا بعد الخروج
ما إن خرج المنتخب المصري من البطولة حتى انهالت الشتائم واللعنات على المدرب المكسيكي خافيير أجيري، وتم تحميله جزءاً كبيراً من المسؤولية، وهذا فالأمر صحيح، ولكن أن تأتي بعد الخروج وتذكر لنا أن هذا المدرب مشبوه ولديه قضايا تلاعب في نتائج المباريات، وتم طرده من تدريب أحد المنتخبات، فهذا أمر لن يتم هضمه بسهولة، وهو أحد التبريرات التي يراد بها ذر الرماد على العيون فقط لا غير.
أين كان جمهور الكُتاب والصحفيين والمذيعين وأصحاب البرامج الرياضية من هذه المعلومات؟ هل هبط هذا المدرب فجأة على المنتخب المصري، أم كان يدرب المنتخب بهوية مزورة؟ بالله عليكم نحن في القرن الحادي والعشرين والإنترنت كفيل بكشف كل هذا حتى قبل أن يطأ هذا المدرب أرض الكنانة، وهذا يقودنا للسبب التالي:
اتحاد كرةٍ الكُل فيه يبحث عن مصالحه فقط
أن تكون عضواً في اتحاد كرة قدم ولديك برنامج تلفزيوني تخبر فيه المشاهد المصري عن أخبار حصرية تدور في كواليس الاتحاد، هي حالة فريدة لا توجد إلا في مصر! وظهرت حالة البحث عن المصلحة الشخصية لأعضاء الاتحاد في "مهزلة" كأس العالم والاتهامات التي حاصرت أعضائه تارة في مسألة قمصان المنتخب وتارة أخرى في فتح أبواب الفندق الذي يقيم فيه المنتخب في روسيا للجماهير.
هذه الأزمات أصبحت سِمة ملاصقة لاتحاد الجبلاية، ومع غياب البطولات والفشل المتكرر في التخطيط لجلب البطولات على مستوى المنتخبات بكل فئاتها العمرية، هذا الأمر خلق نوعاً من الجفاء بين الاتحاد والجماهير التي أصبحت غير متفائلة بوجود هؤلاء الأشخاص، كما أن العلاقات الشخصية بين أعضاء الاتحاد واللاعبين أصبحت ظاهرة منتشرة في الفترة الأخيرة، وبالتالي غاب الانضباط عن المنتخب ولاعبيه، وهذا أدى لأن يشعر اللاعبون بأن مبدأ المحاسبة والعِقاب غير موجود في قاموسهم، وهذا ما ظهر في قضية عمرو وردة الشهيرة.
الكل كان يتوقع الخروج إلا المصريون
سهولة المجموعة التي وقع فيها المنتخب المصري وحصوله على العلامة الكاملة من مبارياته الثلاث أدخل بعض الثقة، خاصة لدى المشجعين العاطفيين، بأن المنتخب لا محالة هو البطل بنهاية البطولة، ولكن هنالك قسم كبير من المصريين العقلاء والمشجعين والمتابعين المحايدين دقوا ناقوس الخطر منذ المباراة الثانية، بأن هذا المنتخب المصري لا يمتلك شخصية البطل، على الأقل على أرض الملعب.
مباريات هزيلة وفوز صعب، وفي بعض الأحيان غير مقنع، وأداء فني لا يرتقي للطموح، ومدير فني يبدو أن دوره كان فقط الوقوف على الخط بدون أي تأثير أو تدخل، سواء بالتوجيه أو التبديلات التي تقلب الموازيين، بالإضافة إلى افتقاد الروح لدى اللاعبين، ووجود لاعبين بإجماع الكل غير مؤهلين للتواجد في المنتخب، ناهيك عن التشكيلة الرئيسية.
كل هذه العوامل ظهرت بشدة في مباريات المنتخب في الدور الأول ولسهولة المنافسين كان هنالك قسم كبير من المشجعين والنقاد مقتنع بأن أداء المنتخب سيتحسن مع مرور الأيام وتوالي المباريات، متناسين أن هنالك خصوماً يشاهدون ويسجلون ويرصدون نقاط الضعف والقوة في المنتخب لحظة بلحظة، حتى حانت مباراة دور الـ16 أمام المنتخب الجنوب إفريقي، الذي اتضح أنه أحد المنتخبات التي حفظت أسلوب المنتخب المصري بشكل جيد.
وهذا ما ظهر في الأداء المتوازن الذي ظهر به بتكثيف الدفاع والرقابة الفردية على مفاتيح المنتخب المصري، وعدم الاستعجال في إحراز الهدف، حتى استطاع تسجيل هدف قاتل في وقت صعب من زمن المباراة، أنهى به آمال وأحلام أكثر من 90 مليون مشجع، هجروا المدرجات بشكل كامل، يلعنون ضياع هذه الفرصة الذهبية في الحصول على بطولة تخفف عنهم بعض آلامهم التي يعيشونها بشكل يومي في بلادهم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.