تواصلت معي عبر الواتساب ترجوني أن أساعدها في مشكلة تلحُّ عليها. قلت: "تفضلي كلي آذان صاغية".
صمتت قليلاً، تنهدت بعمق ثم قالت:
أنا في الصف التاسع، أسرتي محافظة جداً، البنت في نظرهم عورة عليهم سترها، لا يكاد يكون هناك شيء مباح أبداً.. كل ما حولي ممنوع، ذهابي للمدرسة يعتبرونه نعمة ورفاهية يمنُّون بها علي. تفصلني عن أسرتي حواجز وأسوار منيعة، حتى أمي بعيدة عني بُعد المشرق عن المغرب.. تعتبرني عبئاً تتمنى تزويجي بسرعة للخلاص منه. ليتني أعرف الذنب الذي اقترفته علني أُكفِّر عنه!.
في المدرسة أتعرض لتنمر زميلاتي اليومي، غمزهنَّ ولمزهنَّ وهمسهنَّ يبلغ آذاني قائلات: كم هي سمراء بشعة، شعرها أجعد مثل شعر العبيد.. أسلاك شائكة بل أسوأ، سمينة مثل كرة من المطاط، يضحكن باستفزاز، ويتبعن كلامهن أحياناً قائلات: لو كنت مكانها لألقيت بنفسي من فوق مبنى المدرسة فأرتاح وأريح الناس من منظري البشع..
توقفت للحظات بلغتني شهقاتها وهي تنشج بعنف، تابعت بعدها تقول بصوت حزين: أنا لم أختر شكلي ولا لوني.. وليس لدي شيء لأفعله بشأن ذلك.
سألتها: لماذا يضايقنك هكذا حسب اعتقادك؟
أجابت: لا أدري، ولكن قد يكون لتفوقي في دروسي، وعلاماتي الكاملة التي أحصل عليها في جميع الامتحانات علاقة بذلك، يدَّعين بأنني أغش لأحصل على هذه العلامات، وأن المعلمة تحابيني وتهبني العلامات الكاملة.. ولكني مثابرة ومجتهدة في دروسي، وأقسم إنني لا أغش، هن يطلبن مني أن أفتح ورقة الامتحان وأساعدهن في نقل الإجابات.
قلت: لا داعي لأن تقسمي يا صغيرتي أنا أصدق كل كلمة قلتها. وأدرك مدى مثابرتك. أطلب منك أن تتخذي بعض الخطوات فركزي وانتبهي جيداً لما أقول:
أولاً: لا تنساقي مع كلامهن ومضايقاتهن، فهن إنما يفعلن ذلك لغيرتهن الشديدة منك لأنك متفوقة ولا تغشين مثلهن.
ثانياً: شكلنا الخارجي ولوننا ليس هو أهم ما نملك، طيبتنا وسمو أخلاقنا وثقتنا بأنفسنا ومشاعرنا الإنسانية.. هي الكنوز الحقيقة التي تزيننا، وليس نعومة شعورنا ولون أجسادنا وجمال وجوهنا. ما قيمة جمال جسد يخفي خلفه سمات قبيحة؟ تفقدي نفسك، وحددي الصفات الجميلة التي تتمتعين بها، اكتبيها أمامك في قائمة، واكتبي أيضاً السمات السيئة داخلك.. اعملي على السيئات لتحوِّليها إلى حسنات، وانظري إلى الحسنات، امدحي نفسك على تمتعك بها، وانظري كم أنت جميلة بها.
ثالثاً: ابذلي ما بوسعك لتزيدي من ثقتك بنفسك.. فهذه النفس الشفافة المرهفة الجميلة التي تتمتعين بها، ألا تستحق منك أن تثقي بها وتشعريها أنها محل تقدير وإعجاب؟ شجعي نفسك، كافئيها.
رابعاً: سأسألك سؤالاً: عندما تسمعين همسهن ولمزهن، ماذا تفعلين؟
قالت: أتجاهلهن وأتظاهر بأني لم أسمع شيئاً.
قلت: مخطئة، المواجهة سلاح فعال في يدك، لماذا لا تفاجئينهن مثلاً بقولك: أليس عيباً عليكن أن تقلن كذا وتفعلن كذا؟ ماذا سيكون شعوركن لو أن أحداً ما قال عنكن مثلما قلتن عني؟ وهكذا.. دافعي عن نفسك، وضعي لهن حداً، ولا تهربي منهن، واجهيهن بثقة وجرأة، ولاحظي كيف سيتراجعن، وإن احتاج الأمر هدديهن بأنك ستخبرين مديرة المدرسة.
لا تكوني ضعيفة مترددة.. أخبري أمك بما يحدث معك، تقربي منها، أقنعيها أن تؤازرك وتدافع عنك، أخبريها بأنك بحاجة لها ولحبها.. أمك مظلومة مثلك، بحاجة لمن يساندها هي الأخرى.. فكوني النافذة التي تبصر عبرها العالم. أخبريها عن آمالك وطموحاتك وما ستصبحين عليه في المستقبل. "كوني المبادرة للتغيير".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.