نعم، إنها تصفية القضية الفلسطينية. هذا هو العنوان الذي يناسب صفقة القرن ويمثل أهدافها دون جدال. صفقة صممها حلفاء الاحتلال الإسرائيلي في البيت الأبيض، والذين اعتلوا سدة الحكم مع صعود ترامب إلى منصب الرئاسة، وهو الرجل الذي لم يخفِ أبداً تأييده المطلق للاحتلال الإسرائيلي، بدرجة أعلى بالطبع من سلفه من الرؤساء الأمريكيين.
ولا أظن أننا نحتاج إلى تقديم أدلة على أن الصفقة جاءت لتصفية القضية الفلسطينية. فقد سبقت الصفقة إجراءات قاسية بحق الشعب الفلسطيني، منها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومنها أيضاً اتخاذ إجراءات لتصفية قضية اللاجئين من خلال وقف المساعدات للأونروا والدعوة إلى حلها، ومنها كذلك الدعوة إلى ضم المناطق التي تقام عليها المستوطنات من أراضي الضفة إلى دولة الاحتلال، وغير ذلك من السياسات والإجراءات.
وبالطبع، فإن كل تلك الإجراءات تخدم دولة الاحتلال بالكامل، ولا تخدم الطرف الفلسطيني بشيء على الإطلاق. ولذلك، جاء مؤتمر المنامة لكي يقدم للفلسطينيين الجزرة (المليارات) مقابل ما ستأخذه إسرائيل من حقوق الشعب الفلسطيني. ولذلك، سمّيت "صفقة". والصفقة كلمة تُستخدم عادة في المجالات التجارية، وهو ما يتلاءم مع أسلوب ترامب في التعامل مع القضايا السياسية. وهي في القضية الفلسطينية تكون كالتالي: الفلسطينيون يأخذون الأموال لتأسيس كيانهم السياسي وتحقيق الرفاه للمواطنين، وإسرائيل تأخذ الأرض والسيادة والحقوق من الفلسطينيين.
تظن أمريكا أن الصفقة رابحة للجميع، فالفلسطينيون يحصلون على الأموال التي توفر لهم العيش الرغيد، وإسرائيل تحصل على الأمن والسلام والاستقرار. والمنطقة تحصل على السلام والاستقرار أيضاً. صحيح أن دول أوروبا ودول الخليج سوف تمول الصفقة، إلا أنها سوف تكسب الخلاص من القضية التي أرّقت العالم لعقود طويلة أيضاً. وسوف تكون (من وجهة نظر أمريكا) بيئة خصبة للانتعاش الاقتصادي وتحقيق المصالح المشتركة بين جميع الأطراف.
أما فرص النجاح، فهي كما تراها الولايات المتحدة، كبيرة جداً، حيث تظن أنها تمتلك الأدوات التي يمكن من خلالها فرض هذه الصفقة على الجميع. وعلى رأسها النفوذ السياسية والسيطرة الاقتصادية. وقد ظهر تأثير هذه الأدوات بوضوح حين اضطرت بعض الدول العربية لحضور مؤتمر المنامة، مع تصريحاتها المتكررة برفضها للصفقة. ولكن من يجرؤ من تلك الأنظمة على مخالفة السياسة الأمريكية؟ ترامب لا يفتأ يُعلن أن أمريكا هي التي تحمي العديد من الأنظمة في العالم العربي وتمنع سقوطها. وها نحن نرى الثمن بوضوح لهذه الحماية.
تراهن الولايات المتحدة أيضاً على أن الدول العربية سوف تضغط على السلطة الفلسطينية لجرها إلى صفقة القرن والتوقيع عليها. وترى أن قوتها تكفي لإزالة المعترضين من الوجود، والمجيء بقيادات عميلة قادرة على تحدي الرأي العام الفلسطيني، بأن تفرض عليه ما تريده الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب. وتعتقد الولايات المتحدة كذلك أن المال يمثل عصب الحياة، وأن العقوبات الاقتصادية سوف تجعل الفلسطينيين يركعون ويوقعون على الصفقة في نهاية المطاف.
لكن الأمريكان يعلمون تماماً أن الصفقة بدون توقيع الطرف الفلسطيني تساوي صفراً. ولذلك، يسعون لحشد الدول العربية في مؤتمر المنامة للإيحاء بأن الصفقة تحظى بموافقة دولية وعربية. ولكن غياب أطراف دولية كثيرة مؤثرة، وكذلك غياب أطراف عربية مهمة، وبخاصة الطرف الفلسطيني، يمثل نقطة ضعف لا يمكن تجاهلها في مشروع الصفقة. فأوروبا، مثلاً، ترى أن صفقة القرن هي مشروع حصري لترامب المناصر بالمطلق لإسرائيل، والذي لا تعنيه الحقوق الفلسطينية على الإطلاق. وتدرك كذلك أن الصفقة سوف تموت إذا ما خرج ترامب من سدة الرئاسة دون تطبيقها. وترى أوروبا كذلك أن صفقة القرن هي البديل الذي جاء به ترامب لما يسمى بـ"الشرعية الدولية". فهي تمثل الشرعية الأمريكية فقط.
لكن السؤال المهم رغم كل ذلك: هل سيبقى الفلسطينيون متمسكين بموقفهم في رفض الصفقة؟ هل يمكن أن تضعف بعض الأطراف أمام المال والتهديد والضغط؟ هل يمكن أن يخرج قائد فلسطيني يوقع على الصفقة؟ هل يستطيع الفلسطينيون استثمار هذه اللحظة لتوحيد صفوفهم في وجه الأمريكان والاحتلال؟
لغاية هذه اللحظة يمكن القول إنه لا يوجد أي مؤشر على تراجع الفلسطينيين عن موقفهم. وإنه لا يوجد فلسطيني واحد يمكن أن يوقع على هذه الصفقة تحت أي ظرف من الظروف.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.