دُفن الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في جنازة مقتصرة على أفراد أسرته، الثلاثاء 18 يونيو/حزيران 2019، بعد سبعة أعوام بالتمام تقريباً من صنع التاريخ، باعتباره أول رئيس مصري منتخب في انتخابات ديمقراطية حرة. ولا ينبغي أن يطرأ على ذهن أي شخص أن وفاته كانت شيئاً، سوى عملية اغتيال مكتملة الأركان، فيما عدا المسمى.
عانى مرسي من ظروف اعتقال غير آدمية مزرية، منذ إطاحة الجيش المصري حكومته قبل ما يقرب من ستة أعوام. وأُطلقت كثير من التحذيرات حول تدهور صحته، بما في ذلك تحذيرات من وفد برلماني بريطاني زار مصر في العام الماضي. فقد استنتجوا أن مرسي "إذا لم تُقدم له الرعاية الصحية العاجلة فقد تكون العواقب موته المبكر". لم يكن مرسي طاعناً في السن، إذ يبلغ من العمر 67 عاماً، وهو عمر صغير نسبياً، لكن ما يعرف بـ "سجن العقرب" سيئ السمعة، الذي كان معتقلاً فيه، كان أقرب إلى مقبرة من كونه سجناً.
لم يغِب عن ذهن مرسي إدراك الكُلفة الشخصية لتحدّي هيمنة الجيش على الحياة السياسية والعامة في مصر. ففي يونيو/حزيران 2012، أخبر مذيعاً تلفزيونياً أن تولِّي السلطة التنفيذية في مصر كان "حالة من حالات الانتحار". وفي ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، أخبرني أنه إذا نجح في قيادة مصر نحو الديمقراطية، فإنَّه يتوقع أن يتم اغتياله، لكن تصميمه على خدمة بلده بالرغم من المخاطر لا تنتقص من الصدمة والرعب المحيطين بوفاته، فيجب الآن محاسبة قتلة مرسي.
تعرَّفت على محمد مرسي لأول مرة في مايو/أيار 2012، بعد أن صار مرشح حزب الحرية والعدالة بمدة وجيزة، كانت مصر مرَّت قبل وقت قليل بثورة غير مسبوقة، وكانت الآمال كبيرة من أجل مستقبل ديمقراطي، وكنت حينها مستشاراً معنياً بوسائل الإعلام والاتصالات خلال حملته الانتخابية، وأقمنا علاقة وثيقة جداً. وبعد الحملة، سافرت ذهاباً وإياباً بين القاهرة ومنزلي في كندا للمساعدة في موضوعات متنوعة، كان هناك العديد من أوجه القصور خلال العام الذي قضاه مرسي في المنصب، ولكن تحققت أيضاً نجاحات كثيرة. فالأولى ضخَّمها كثير من الأشخاص، أما الثانية فكان يجري التعتيم عليها.
وُلد مرسي في إحدى قرى مصر، وهو ما لم يُفقده ارتباطه القوي بالمصريين من الفقراء والمكافحين. كان من الممكن أن يستضيف القصر الرئاسي وفداً من شيوخ قبائل سيناء في الصباح، ثم يستقبل هيلاري كلينتون أو كاترين أشتون بعد الظهيرة، وكان يمكن أن يكون في الشرق والغرب ويتحرك بينهما، لكن قلبه كان مغروساً راسخاً في تراب مصر.
يحمل موته آثاراً كبيرة، فلا يزال النظام العسكري في القاهرة يعتقل آلافاً من المصريين في ظروف وحشية، وأعدم بالفعل العشرات، إضافة إلى أن محاكمه حكمت بالإعدام على آلاف آخرين. تعتبر أوروبا والولايات المتحدة متواطئتين في موت مرسي من خلال دعمهما للنظام العسكري. وإذا واصلتا صمتهما في وجه هذه الجريمة، فسوف تزداد جرأة دكتاتورية الجيش المصري، وسوف يُعتقل مزيد من الأشخاص، وسوف يُقتلون، وسوف تسقط مصر أعمق وأعمق في غياهب القمع.
علاوة على ذلك، ليس حكام مصر الاستبداديين الوحيدين الذين يترقبون ردَّ الفعل العالمي تجاه موت مرسي. إذ يشاهد نظراؤهم السودانيون والجزائريون كذلك، في ظل بحثهم عن سبل كبح التحركات الديمقراطية.
في نهاية الحملة الرئاسية في 2012، لم أكن أخطط للعودة إلى مصر، كانت قدماي تعثّرتا في السياسة، وكنت أنوي العودة إلى حياتي الطبيعية السابقة طبيباً وأكاديمياً في كندا. مزح مرسي قائلاً إنه سيصعب عليّ التراجع وترك الخطوط الأمامية للأحداث العالمية. أخبرته أن خطتي السرية هي أن أحصل على توقيعه على علم مصر، لأعرضه في مزاد عندما يصير رئيساً.
وقع آخر لقاءاتنا خلال الحملة الرئاسية في الساعات الأولى من 15 يونيو/حزيران 2012. وبينما كنا نتأهب ليمضي كل منا في طريقه المختلف، التفت إليَّ وسألني إذا كنتُ أحضرت علماً، وبالفعل كان العَلَم معي، حمل توقيعه الشخصي هذه الكلمات: "مصر التي في خاطري: مصر القيم والحضارة، مصر النماء والاستقرار والمحبة، وعلمها يرفرف فوقنا إلى الأبد".
لعل تلك الرؤية تبدو بعيدة كل البعد عن الحقيقة التي عليها مصر اليوم، لكنها الرؤية التي من أجلها كان مرسي مستعداً أن يبذل أسمى التضحيات، فلنأمل ألا تذهب سدى.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأمريكية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.