تربَّيت فى رحِم الدولة المصرية على الانتماء فقط لمؤسسات الدولة ولا نقبل أي انتماءات أخرى دينية أو سياسية أو غيرها، والتدين أو عدمه، يتعلق بالقناعات والتربية ولا علاقة له بالوظيفة أو الانتماءات الأخرى، ولذلك فأنا متخصص، باحث، ومراقب أُدلي بشهادتي العلمية والمهنية فى هذا الموضوع.
فقد أُثير هذا الموضوع بمناسبة وفاة المغفور له الرئيس الدكتور محمد مرسي، خلال جلسات المحاكمة، وأقدم فى هذه المقالة القواعد التي تحكم مثل هذه الحالة، وعلى القارئ أن يقيس على هذه القواعد ما حدث وما يحدث، مع ملاحظة أن الرئيس محمد مرسي عُزل وسُجن وحُوكم وتوفي في ظروف غير طبيعية، وهو ما سوف يتناوله التاريخ بالتفصيل في المستقبل، ولكننا في هذه المقالة نقتصر على بيان قواعد البروتوكول بشأن الرئيس السابق المتوفَّى.
معنى ذلك أن الرئيس محمد مرسي كان رئيساً منتخباً لأول مرة في تاريخ مصر، وكان في التصنيف الثنائي بين المكون المدني والعسكري الذي نشأ منذ عام 1952 ينتمي إلى المكون المدني رغم أن الشخصيات التي أطلقت على نفسها القوى المدنية استبعدت الإخوان المسلمين من قائمتها، على أساس أنها تنظيم ديني له واجهة سياسية، وهو حزب الحرية والعدالة.
وقد مارس الرئيس محمد مرسي السلطة من خلال أدواتها التي كان يتحكم فيها من الناحية العملية المجلس العسكري، ثم حدثت تطورات يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2013، وهذا ليس مجال الحديث عنها ولا وقتها، وإنما تم عزل الرئيس المنتخب واعتقاله، وبدأت محاكمته عن مجموعة من الاتهامات التي صدرت فيها مجموعة من الأحكام والتي نقضتها محكمة النقض، وكان لا يزال يحاكم عن قضية التخابر مع حركة حماس، التي وافته المنية خلال هذه المحاكمة فى 17 يونيو/حزيران 2019.
وعندما يتوفى الرئيس مبارك، وهي نهاية كل حي، يجب اتباع هذه القواعد بصرف النظر إن كان مدنياً أو عسكرياً وعُزل في ظروف معينة، ليس هذا مجال الخوض فيها، بصرف النظر عن الفارق الكبير في المعاملة بين الرجلين أثناء المحاكمة، وحتى لا يتقول البعض بأن الرئيس مبارك حظي بهذه القواعد البروتوكولية ولم يحظَ بها الرئيس مرسي لأسباب يتم تداولها بالفعل من الآن. وإذا رجعنا إلى التاريخ المصري القريب، وجدنا أن سعد زغلول رئيس الوزراء الذي توفي 1927 والذي توفي معه حافظ إبراهيم، فنعاه شوقي في قصيدته الشهيرة التي قال فيها: قد كنت أوثر أن تقول رثائي يا منقذ الموتى من الأحياء. فاختار يوم الهول يوم وداع تماماً، كما توفي طه حسين خلال حرب 1973 وكلها شخصيات مصرية عامة يجب أن نؤسس بها لتقاليد مصرية بعيداً عن الصراعات والحزازات ولكنى لاحظت أن النحاس باشا عندما توفي في العصر الناصري وخلفائه، وتوفي الرئيس محمد نجيب غلبت الصراعات السياسية على الواجبات الأخلاقية والإنسانية.
ولذلك فإنني أتمنى أن تبدأ السلطة فى مصر عصراً جديداً فتعلن الحداد على الرئيس محمد مرسي وتُظهر من الاحترام للموت ما يستحقه، وألا تطغى الدنيا على الآخرة عندها، وألا تكون معاملة الرئيس محمد مرسي سبباً جديداً في انقسام المجتمع الذي انقسم بما فيه الكفاية.
هذه القواعد التى أشرت إليها ثابتة في المعاملة الدبلوماسية لكل رؤساء الدول، كما تعززها القواعد الأخلاقية والإنسانية والحضارية، وأن الخصومة السياسية مهما كان سببها لا يجوز أن تطغى على هذه القواعد، فالوضع فى مصر والملفات المختلفة ستترك لكي يقول التاريخ كلمته فيها، وإنما التجاهل والكيد وإطلاق المشاعر السلبية سيزول مع الوقت، ويبقى في النهاية ما ينفع مصر وينفع شعبها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.