لم تكن وفاة محمد مرسي، الرئيس المصري الوحيد المنتخب ديمقراطياً في التاريخ الحديث، المأساوية يوم أمس الإثنين 17 يونيو/حزيران مُفاجئة.
ومن الصعب تخيُّل توقيت أكثر مُفارقة من ذلك، فهو مات قبل أسبوعين فقط من الذكرى السادسة لإسقاطه واعتقاله في أعقاب انقلاب عسكري أطاح به من منصبه بعد عامٍ واحد قضاه في الرئاسة.
ويُمكن القول إنَّ المفاجأة الوحيدة هي أنه صمد على قيد الحياة فترةً طويلة في ظل هذه الظروف المؤسفة.
شخصية غير معروفة
كان مرسي أستاذاً للهندسة في جامعة الزقازيق المصرية حتى عام 2010. وفي عام 1982، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا وعُيِّن أستاذاً مساعداً في جامعة ولاية كاليفورنيا في حيِّ نورثريدج في العام نفسه، وظل في هذا المنصب حتى عام 1985 الذي عاد فيه إلى مصر.
وكان عضواً في البرلمان المصري من عام 2000 إلى 2005. ومثله مثل كل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، خاض الانتخابات بصفته مستقلاً؛ لأنَّ الجماعة مُنِعت من خوض الانتخابات بصفتها الرسمية في ظل حكم سلفه حسني مبارك الذي استمر 30 عاماً، وأُطيح به في انتفاضةٍ شعبية في يناير/كانون الثاني من عام 2011.
وقبل انتخابه رئيساً في عام 2012، كان مرسي عضواً غير معروف في حزب الحرية والعدالة، وهو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين المُحافِظة اجتماعياً، لكنَّها تقدمية سياسياً، التي اكتسحت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي عُقدت في مصر في عامَي 2011 و2012، والتي كانت هي الانتخابات الحرة النزيهة الوحيدة على الإطلاق التي عُقِدت هناك.
لكنَّ القيادة العسكرية أرادت الإطاحة بحزب الحرية والعدالة من السلطة، وركزت استهدافها على مرسي، الذي لم يكن يمثِّل انتماءه الإسلامي فحسب، بل كان يدافع كذلك عن المطالب القوية التي كانت تريد حكماً مدنياً.
تُهَمٌ كاذبة
وبعد حشد وسائل الإعلام والقضاء وأجهزة المخابرات للإطاحة بمرسي، قاد الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي في أوائل يوليو/تموز من عام 2013 انقلاباً على الرجل الذي عيَّنه.
ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في عام 2017، اعتُقِل مرسي بعد الانقلاب واحتُجز في عزلةٍ تامة دون تهمة أو إجراءات قضائية طوال 23 يوماً، حين أعلنت السلطات المصرية فتح تحقيق ضده.
وواجه سلسلة من التهم الكاذبة، من بينها التخابر مع قطر وحماس، وهروبه من السجن في فوضى ثورة عام 2011، بعد يومين من اعتقاله آنذاك بصورةٍ غير قانونية.
وظهر مرسي في المحكمة لأول مرة بعد أربعة أشهر. وكان محبوساً في قفصٍ عازل للصوت، ولم يُسمَح له بمقابلة محاميه في انتهاك لحقوق الإجراءات القانونية الواجبة. وعلى مرِّ السنوات الثلاث التالية، احتُجز مرسي في الحبس الانفرادي، وكان معزولاً تماماً عن العالم الخارجي طوال هذه الفترة.
وفي السنوات الأربع الأولى من سجنه، لم يُسمح لعائلة مرسي بزيارته سوى مرتين: الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2013، والأخرى في يونيو/حزيران من عام 2017، عندما رأى زوجته وابنته 30 دقيقة. بينما مُنِع أبناؤه الأربعة وأقرباؤه الآخرون من زيارته.
وجديرٌ بالذكر أنَّ تلك المعاملة نفسها يتعرَّض لها كذلك حوالي 60 ألف سجينٍ سياسي محتجز حالياً في السجون المصرية التي يتزايد عددها.
ويُذكَر أنَّ صحة مرسي، الذي كان مصاباً بداء السكري وأمراض مزمنة في الكبد، تدهورت في ظل استراتيجية متعمدة لإنهاء حياته بالإهمال الطبي، على حد اعتقاده.
ففي 8 يونيو/حزيران من عام 2017، قدَّم فريق الدفاع عن مرسي شكوى إلى النائب العام يطلب فيها نقله إلى منشأةٍ طبية خاصة لفحصه، مردداً المخاوف التي أثارها مرسي نفسه في أثناء مثوله أمام المحكمة في أغسطس/آب من عام 2015 والشهر الماضي مايو/أيار.
إرث مميَّز
رغم أنه لا جدال في أن مرسي كان شخصية مثيرة للانقسام، فلا جدال أيضاً في أن فوز أي رئيس مدني في انتخابات حرة ونزيهة في تحدٍّ للحكم العسكري كان سيؤدي إلى الانقسام.
إذ سيكون هناك دوماً أولئك الذين يهزم مقتهم الشديد للإسلاميين من جميع المشارب أي منطق. وفي الوقت نفسه، كان هناك أولئك الذين لم يروا أي عيب في مرسي وحزب الحرية والعدالة.
ولكن ما لم أكن أتوقعه هو الحجم الهائل لتلك المنطقة الضبابية بينهما، ذاك الفيض من مشاعر التعاطف والحزن على ما واجهه والسخط على الظلم الذي تحمَّله.
إذ إن رد الفعل المحلي والعالمي على وفاة مرسي المبكرة سيكون إرثه المميز. وفيما أصبحت مصر دولة تسيطر عليها الديكتاتورية العسكرية بالكامل، كانت المعاملة المجحفة التي تلقاها مرسي مقارنةً بالديكتاتور الذي حلَّ محله والذي حكم لمدة ثلاثين عاماً، جلية للجميع.
إذ قضى مبارك الجزء الأكبر من فترة احتجازه في مستشفى عسكري، وكان يُعامل معاملة الملوك، وتحيط به أسرته. وفي النهاية أُسقطت عنه جميع التهم (بما في ذلك التآمر على قتل المتظاهرين عام 2011) حتى أُطلق سراحه عام 2017.
ولم تُقَم لمرسي جنازة رسمية. ووفقاً للتقارير الإخبارية، دُفن جثمانه سريعاً دون إجراء التحقيق اللازم في سبب الوفاة. ورُفض طلب عائلته بدفنه في قريته التي نشأ فيها ولم يُسمح إلا لأبنائه بحضور جنازته، ومُنعت زوجته من الحضور.
إن استيعاب هذا القدر من الظلم على المستوى الإنساني كان عسيراً لدرجة أنه أتى بنتائج عكسية.
فصل الختام للثورة
إليكم ما قاله أحد أصدقاء الفيسبوك من الأقباط المسيحيين، وهو من أشد المعادين لمرسي، في منشور عام:
"كنت أعتقد أن عصابة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها ستحكم مصر إلى الأبد ولن نرى أبداً حكومة أخرى منتخبة ديمقراطياً. صدَّقتُ حقاً أنه باع سيناء لحماس (أو قطر)، وأنه انتهك الدستور، وأنه خان بلده، وأنه فقد كل شرعيته.
ولم تدُم رئاسته سوى لعام واحد. واليوم، أدركت أنني كنت محاصراً بين هجوم مواقع التواصل الاجتماعي، والغضب الذي غذته الشاشات بلا انقطاع والذي هوّل من كل كلمة قالها والذي قلل من الحقائق على الأرض أو شعبيته الحقيقية… واليوم، أنعاه وأشعر جزئياً بالمسؤولية عن الهيجان الذي أدى إلى وفاته.. أنا آسف".
ولم يكن صديقي حالة فردية.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.