خلال شهر رمضان عزمت على أن أنتهي من قراءة 30 كتاباً كنت قد اخترتها قبل بداية الشهر الكريم على أن أنتهي من آخرها في اليوم الأخير من الشهر. وكانت مجموعة من الكتب المتنوعة بشكل كبير بين كتب مترجمة وأخرى عربية، وتنوّعت بين كتب بحثية، والرواية، ودواوين الشعر، بالإضافة لكتب ساخرة في الأغلب لكاتبي الساخر الأعظم محمود السعدني، بالإضافة للرائع الآخر جلال عامر، وكان لجلال عامر تحديداً كتاب "مصر على كف عفريت" عبارة عن مجموعة من المقالات الساخرة.
من بين الكتب الثلاثين كانت ثلاثة من الكتب للكاتب الراحل العظيم أحمد بهجت، الأول كان "تحتمس 400 بشرطة" قصة تخيلية عن أول صاروخ تطلقه مصر إلى القمر ويحمل اسم "تحتمس 400 بشرطة" ويحمل 3 رواد فضاء مصريين هم: تفيدة، وعتريس، وبيومي، وقد سبقه 399 محاولة فاشلة لغزو الفضاء وتجرى أحداث القصة سنة 2020. وتبدأ أحداث القصة في قاعدة زينهم الفضائية الضخمة.
الثاني كان "ثانية واحدة من الحب" هو مجموعة قصصية كتبت في فترة الستينيات والسبعينيات وقد تكون من أفضل مؤلفات بهجت كونها قصصاً إنسانية بائسة يتناولها بطريقة كوميدية ومنها "أحفاد خوفو، انزلى يا تفيدة.. اطلع يا سيد، 12 ميزة فى الشقة الجديدة، حادث، ثانية واحدة من أحب، مذكرات قطة مصرية، القرش الماسح، يوم القيامة، اكتشاف أثرى خطير، عينها بتطق شرار، مؤتمر الشياطين الصغيرة".
الثالث وهو أحب كتب بهجت إليّ "مسرور ومقرور"، ومسرور هو من أغنياء المدينة بل أغنى رجل فيها، مفاتيح كنوزه لا يحملها إلا مجموعة من الرجال، يعيش في قصر جدرانه من الجرانيت المصقول وأرضه من المرمر الفضي الشاحب، أما مقرور فكان "أفقر خلق الله" لا يملك حتى مفتاحاً لباب كوخه الخشبي الذي ورثه عن جده، ولكنه كان عابداً زاهداً حقيراً، وفي الأصل كان قاطعاً للطريق ثم قابل نبياً فتاب على يديه. لا تكف دموعه عن الانهمار كلما تذكر خطاياه القديمة وسؤال حائر يعذبه: "هل قبل الله توبتي أم لا؟"، تبدأ القصة في ليلة عشاء على مأدبة مسرور مع قاضي القضاة حين يعلم مسرور حاكم المدينة عن مقرور الذي يدعو لعبادة الله الواحد، فيستشعر الخطر على نظام المملكة ويصدر حكم بإعدامه. فيشعر مقرور بالسرور أنه سيموت شهيداً، وهذا يعني أن الله غفر ذنوبه التي ارتكبها حينما كان قاطع طريق.
لا أعرف بالضبط ما السر وراء ارتباطي بمؤلفات أحمد بهجت بعدما تعرفت عليه مصادفة للمرة الأولى من كتابه "أنبياء الله" -طبعتْ منه الشروق 36 طبعة- في مكتبة معهدي الأزهري، ونال إعجابي الأسلوب الرائع لبهجت في صياغة قصص الأنبياء على هذا الشكل في أنبياء الله، ومن الكتاب تدرك أن المتدين ليس بالضرورة أن يكون متزمتاً كما تعودنا أو على الأغلب، إنما قد يكون رقيقاً وبسيطاً واعياً بمفاهيم التدين الصحيح، واستمرت من بعد ذلك رحلتي مع مؤلفات أحمد بهجت "مذكرات صائم، أحسن القصص، الطريق إلى الله، قميص يوسف، بحار الحب عند الصوفية، حوار بين طفل ساذج وقط مثقف".
أحمد بهجت وهو من كُتاب النفس القصير الذي يقدم للقارئ كل ما يريد في أقل عدد من الكلمات، وأعتقد أنه سر وراء تسمية البرنامج الإذاعي "كلمتين وبس" يتميز بأسلوب قصصي فريد من بساطة الكلمات وبساطة الحبكة مع التنظيم الدقيق لمجريات القصة.. باختصار بهجت من الكتاب الساخرين وهم على "أصابع اليد"، يستطيع أن يسخر منك ومن نفسه ومن المجتمع، قد يجعل من القارئ يبكي ويضحك ويحتار بين الضحك والبكاء في نفس الوقت.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.