من ثلاثية تاريخية شبه مضمونة (الدوري والكأس ودوري الإبطال) إلى هزائم غير متوقعة وكارثية قلبت موسم الفريق، وبالأخص نجمه ليونيل ميسي، إلى كابوس سيتذكره الجميع طويلاً، خاصة ميسي الذي صرح بهذا في مؤتمر صحفي نادر؛ ليتفجر السؤال الذي شغل الجميع، وخاصة مشجعي الفريق الكتالوني: هل موسم برشلونة كان فاشلاً؟
المشكلة في عقلية مشجعي برشلونة
منذ فترة طويلة ظهر رأي لدى فئة كبيرة من مشجعي برشلونة بأن ميسي هو سبب انتصارات الفريق والمساهم الأكبر في جلب البطولات للنادي منذ حقبة غوارديولا وحتى حقبة المدرب الحالي فالفيردي، وأصبحت هذه الفرضية تنمو كلما ظهر ميسي منقذاً بأهدافه أو مساهمته في انتصارات الفريق في المباريات المختلفة في جميع البطولات.
بحساب المنطق والعقل لا يختلف اثنان على موهبة ومهارة وحضور البرغوث الأرجنتيني وتأثيره الطاغي على الفريق، هذه حقيقة ظاهرة ظهور الشمس في كبد السماء، ولكن هذه العقلية أو الرأي الذي أصبح ملازماً لأغلبية المشجعين هي التي ستجعل الفريق يدخل لنفق مظلم لن يخرج منه في القريب العاجل، خاصة إذا اعتزل ميسي اللعبة، وبعيداً عن ميسي نجد أن هنالك الكثير من العوامل التي أصبحت تنمو بشكل مستمر، مما يشكل تهديداً كبيراً لمستقبل الفريق:
محاولة استنساخ غوارديولا
منذ مغادرة غوارديولا للفريق، نجد مشجعي النادي في حالة انقسام دائم ومستمر حول أي مدرب قادم لتدريب الفريق، ونجد الآن أن هنالك حالة انقسام قوية هذه الأيام حول المدرب فالفيردي بطريقة لم تحصل من قبل، وتتعدد أسباب هذا الهجوم، ولكن السبب الأساسي نابع من كارثتين كان لهما تأثير مدمر على أركان ملعب الكامب نو.
الكارثة الأولى الخروج المر في الموسم قبل الحالي أمام روما الإيطالي في الريمونتادا الشهيرة التي جعلت الجميع يصب اللعنات على المدرب، والكارثة الثانية أمام فريق ليفربول الإنجليزي في بطولة دوري الأبطال هذا الموسم، وبنفس التفاصيل جعلت الجماهير تطالب برأس المدرب ومعه العديد من اللاعبين، وزاد الطين بلة خسارة نهائي الكأس أمام فريق فالنسيا؛ ليخرج الكثير من المشجعين أكثر إصراراً للمطالبة بالإطاحة برأس المدرب.
إذاً لماذا لم تتم الإطاحة بالمدرب فالفيردي حتى الآن؟
إذا نظرنا لمسيرة المدرب التدريبية رفقة النادي حتى الآن، نجد أن هنالك فقراً تكتيكياً وفنياً ظل يلازم المدرب، خاصة في المباريات الكبيرة والإقصائية، خسارة مباراتين مصيريتين وبنفس الطريقة في أغلى البطولات الأوروبية بكل تأكيد يطرح عدة أسئلة حول أهلية هذا المدرب لتدريب فريق كبير بحجم برشلونة.
ويمكننا القول بأن بقاء فالفيردي حتى الآن يتمحور حول سببين رئيسيين هما:
الدعم اللانهائي الذي يجده من اللاعبين، خاصة الكِبار منهم، وهذا ما قرأناه في تصريحات بيكيه ومن قبله ميسي اللذين أظهرا دعمهما الكامل للمدرب بعد خسارة مباراة الكأس أمام فالنسيا، فمن الواضح أن المدرب يلبِّي المعايير التي يبحث عنها لاعبو برشلونة في غرفة الملابس، فحالات إقالة المدربين من قِبل اللاعبين حدثت أكثر من مرة في الفرق الأوروبية خاصة في السنوات الأخيرة.
فكثير من المدربين تكون مسألة استمرارهم من عدمه في الفريق بالرغم من أدائه السيئ تتوقف كثيراً على رضا اللاعبين عنه في غرفة تبديل الملابس، وبالتالي نجد أن المدرب يجد الدعم اللازم من اللاعبين، والدليل هو أن المدرب حتى الآن لم يدخل في صدام مع أي لاعب تم تناوله في الإعلام.
السبب الثاني هو خوف، أو بالأحرى، عدم رغبة الإدارة في الدخول في نفق تغيير المدربين بين كل فترة وأخرى، خاصة أن الأمور المالية في النادي تسير بشكل جيد جداً، وهذا المهم لديها، فالتعافي المالي كان من ضمن البرامج التي طرحها بارتيمو في رحلة ترشحه لرئاسة النادي، كما أن الاستماع لرأي الجماهير سيكون له عواقب وخيمة مستقبلاً، خاصة مع قرب اعتزال الكثير من اللاعبين المؤثرين خاصة النجم ميسي، وهذا من شأنه أن يجر للإدارة مطالبات لا حصر لها من قِبل الجماهير ستجعل أمر إدارتها للنادي مستقبلاً مشكوكاً فيه.
أين المنافسون في تشكيلة الفريق؟
ما يجعل أي فريق كرة قدم عظيماً هو حالة المنافسة التي تجعل اللاعبين مؤمنين بأن قدرتهم على المشاركة هي مسألة وقت ليس إلا؛ لأنه يؤدي ما عليه في التمارين ويحسن المنافسة، وبالتالي يكون مقتنعاً بقدرته على المنافسة ولمَ لا انتزاع المركز الأساسي متى ما أُتيحت له الفرصة، هل هذه الحالة ينطبق على تشكيلة برشلونة الحالية؟ حسناً فلننظر في الأمر:
خمس سنوات والمهاجم سواريز يلعب وحيداً ولا منافس له، وحتى إن تواجد هذا المنافس فمسألة دخوله التشكيلة لا يأتي إلا إذا كان الأورغواياني مصاباً أو موقوفاً، وكما هو متوقع، فإن التألق من أول مباراة غير مضمون، بل الاستمرارية هي الحل، لذلك نجد لاعبين مثل ألكاسير يطلبون الرحيل لإيمانه بأن اعتماد المدرب عليه من الصعوبة بمكان؛ لذلك تجده متألقاً رفقة بروسيا دورتموند، لأنه تخلص من الضغوط.
وهكذا نجد المعضلة في جميع الخطوط، ديمبلي يؤدي أداءً أكثر من رائع في مباراة ما، ولكن يجد نفسه حبيس دكة البدلاء في المباراة التالية، حراسة المرمى أصبحت ماركة مسجلة باسم الألماني تير شتيغن حتى نسي الجميع أن هنالك حارساً بديلاً اسمه باسبر سيلسين، والذي ظهر اسمه فجأة في عناوين الأخبار وهو يطلب الرحيل للحصول على فرصة المشاركة في فريق آخر.
الكرواتي راكيتيش لديه أكثر من بديل ومنافس، ولكن أين هم؟ لا يتم ذكرهم إلا في التشكيلة كبدلاء وكأن خط الوسط لا يوجد فيه لاعب سواه، جوردي ألبا الكُل اتفق على أنه أكبر ثغرة في الفريق، وجميع المنافسين يركزون على جبهته لتحقيق الانتصار وقد نجحوا في ذلك، ولكن تجده مشاركاً أساسياً مباراة تلو المباراة.
رحيل المدرب جزء من الحل وليس كل الحل
حتى الآن يجد المدرب دعماً لا محدوداً من الإدارة واللاعبين، ولكن إلى متى سيستمر هذا الأمر؟ فالمدرب قد دخل منطقة انعدام الثقة بينه وبين الجماهير، حتى وإن أنكرت الإدارة هذا الأمر، وبالتالي فإن الشعرة التي أصبحت تربط المدرب بالنادي رفيعة للغاية ومتوقع لها الانقطاع في أي لحظة.
فخسارة مباراتين مهمتين وبنفس التفاصيل تقريباً وهدم موسم كان يتوقع له أن يكون تاريخياً هو أمر لا يحتمل بالنسبة للكثير من الجماهير، وبالتالي مهما أظهرت الإدارة ومن خلفها اللاعبون الدعم للمدرب، إلا أن حالة الطلاق قادمة لا محالة إن لم يكن في الأيام القادمة، فإن خسارة أول مباراة في الموسم القادم كفيل بقطع هذه الشعرة التي تربط المدرب بالنادي.
وهذا يجعلنا نذكر أن الإدارة أيضاً تتحمل بعض اللوم في الكوارث التي حلَّت بالفريق، فلا يعقل أن يتم بناء الفريق حول لاعب واحد متوقع له الاعتزال في النهاية والقتال لجلب اللاعبين وبمبالغ فلكية وعدم مساءلة أو لفت نظر المدرب للاستفادة منهم، كما عليها أن تعرف أن النجاح المالي مرتبط بالنجاح الكروي وتحقيق الألقاب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.