يتخطّاك الوقت، يتعدّاك ويمشي متحاشياً إياك، مُحْدثًا فجوةً في داخلِك تُبقيك منتظراً.. لكنّه لا ينتظر، الوقتُ لا ينتظر، وستدرُك ذلك أنت وسطَ مجرياتِ أحداثِ الحاضرِ التي أصبحت ماضياً، ستدركه وأنت تتبعُ أثرَ الزمانِ منعكساً على مِرآتك، ستُدركه بخطوطِ العينين اللتين أصبحتا أكثرَ عُمقاً، وتشعّباً فالتقت بخطوطِ ابتسامتك الزائفةِ التي ترسمُها على مُحيّاك لتتفادى سؤالاً يبعثر قاموس كلماتك، أنا بخير، بأفضلِ حال، أنا على ما يُرام، تكذبُ وتعلمُ أنّك تنمِّقُ الكلماتِ لتبدوَ أكثرَ أُلفةً، ستدركه بالصبرِ الذي ما عاد صبراً بل أسلوب حياة، وطريقاً تسلُكه دونَما اعتبارٍ لما يجري في صوبِ انشغالِك، ستُدركه في ثورةِ غضبك حائراً في أسبابِ عدمِ ردِّك مسقطاً حقَّك غيرَ آبهٍ وغيرَ منصفٍ لذاتك، ستدركُه وأنت معتكفٌ في كهفك لا تبادر سؤالاً ولا تعاود اتصالاً.. ستدركُه في رجفةِ يدَيك وأنت تعُدُّ بها مَن غابَ ورحلَ، ومَن آثرَ الرحيلَ على البقاءِ بعد أن تغيَّرَ وتبدَّلَ في طريقٍ اختار أن لا تكونَ أنت جزءاً منه.. ستدركه بعد أن تتعاقبَ السنون والفصول والليالي والأماكن التي ما عاد لها في البالِ ذكرى، فتمَلُّ استراقَ النظرِ إليها، وتمَلُّ الطريقَ الذي تسلُكه.
تدركُ أن الوقت لا ينتظر حينما يختار النصيبُ أصدقاءك فيتزوجون، ويسافرون، محلِّقين بلا عودة، وتدرك أن الوقتَ يسرق الجميعَ وأنت واقفٌ في منتصفِ الطريق محاولاً استيعابَ كلِّ ذلك، وتدرك أن ليس هناك متَّسعٌ من الوقتِ للجميع، فالوقت لا ينتظِر.. خَدَعَك الوقتُ فأردتَ التحايُلَ عليه، فتحايلتَ على نفسك، أنت تُدركُ أنه لا ينتظر حين يُكملُ الصغارُ تعليمَهم وتعي أنّهم لم يعودوا صغاراً، أنت تدركُ أنّ الوقتَ لا ينتظر حين لا يعود يهمُّك شيءٌ، حينما لا تعود تتفاجأ ولا يدهشكَ في الحياةِ أمر.. أنت تدركُ أنّ الوقتَ لا ينتظر حينما لا يجذب اهتمامَك أيُّ خبر.. وتدرك أن الوقتَ لا ينتظر حينما ترسمُ ابتسامةً من غير أن تبتسم.. وحينما تسقطُ فتقومُ سريعاً وتتكئ على جسدك دونما أحدٍ يشهَدُ سقوطَك أو يشفقُ على حالك، تدرك أن الوقتَ لا ينتظرُ حينما لا يعود يهمُّك مَن أحبَّك ويحبك ومَن يكرهُك ويبغضُك، وتدرك أن الحبَّ والكره هكذا بلا أسبابٍ، وحينما تُسقطكَ كلمة ولا تَجبُرُك آلافُ الكلمات.. تدرك أن الوقتَ لا ينتظرُ حينما تتوقف عن الانتظار..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.