منذ 22 فبراير/شباط 2019 والشعب الجزائري يخرج في مسيرات مليونية عبر مختلف ولايات الوطن، من أجل صناعة مستقبل الجزائر دولته. ولا يوجد مَن يستطيع إنكار ما حققه الحراك الشعبي من انتصارات بدءاً بإسقاط هاجس الخوف الذي كان يسكنه، ثم إسقاط ورقة ترشح الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، ثم إعلان شغور منصبه نهائياً، وتطبيق المادة 102 من الدستور بعد استقالته.
طبعاً فقد كانت هناك أحداث كثيرة في فترة الحراك الشعبي حيث إن الشعب أصبح رافضاً لكل ما له صلة بالنظام القديم، معبراً عن إرادته للتغيير بشعار: "يتنحاو قع"، لكن في نفس الوقت يجب التذكير بأنه قبل الحراك كنا نعلم بوجود صراع لأجنحة نافذة في السلطة من أجل الوصول إلى الحكم.
والحكم معناه أن تكون مصدراً له حتى ولو لم تكن تجلس على كرسيه، فقد تملك في هذه البلاد هاتفاً يمكنك من فعل الكثير بغض النظر عن كونك الحاكم أو لا. وبهذا فقد تمكن الكثير من صناعة القرار دون بروز إعلامي أو امتلاك صفة الحاكم.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة: ما الذي يمكّن شخصاً من الحكم عن بعد دون شرعية شعبية من فعل ما يريد؟ الجواب بسيط هو امتلاكه للقوة المتمثلة في قوة النفوذ المستمد من المنصب وصلاحياته أو المال لأنهما عنصران يمكنان في الدول المتخلفة خاصة من الدوس على قوانين الدولة من أجل خدمة ما يريد أفراد العصابة.
إذن فمهمة الشعب ليست بالهينة على الإطلاق وتكمن الصعوبة فيما يلي:
– شعب غير منظم في مواجهة عصابة منظمة.
– شعب لم يحضر نفسه لفترة ما بعد رحيلهم، علماً أن كل الثورات لم يستفِد منها إلا الطرف المنظم بعد فض النزاع.
رأيي المتواضع هو أن يحضر الشعب نفسه جيداً لجميع المفاجآت، وليكن في علمنا أن الشعب لم يحقق الأهم في قضيته وهو صناعة طريق جديدة لبناء دولة جزائرية ذات حكم جمهوري مستمد من الإرادة الشعبية حقيقة، لأن هذا لا يتم إلا عن طريق النزاهة التي تفتقدها الطبقة السياسية في هذا الوطن، فالشعب قد فقد الثقة بسبب تفشِّي الفساد السياسي الذي ساهم في إفساد القطاعات الأخرى، فالسرطان السياسي يصل إلى القطاعات الأخرى بكل سهولة، ولعلاج الفساد في المؤسسات الجزائرية يجب البدء باستئصال الورم السياسي الخبيث نهائياً للتمكن من علاج ما خلّفه من فساد في باقي القطاعات.
لذا فالشعب الذي يرفض تنظيم نفسه ليكون جناحاً حقيقياً في معادلة الصراع من أجل الحكم سيجد نفسه أمام لعبة أخرى قد يولد بها مرشح جديد للنظام هدفه الحفاظ على ممتلكات ونفوذ الأشخاص النافذين في السلطة من الضياع.
فعلى الشعب أن يعي جيداً أنه إن لم يكن هو الذي سيصنع مستقبلاً جديداً للجزائر كونه دستورياً في دولة نظام حكمها جمهوري مستمد من إرادة الشعب، فسيكون وسيلة لتحقيق مآرب غيره. فكل الأطراف كانت ومازالت تسعى لاستعمال الحراك من أجل تحقيق أهدافها.
والتنظيم هو مجرد فكرة، نجاحها أو فشلها يتطلب منهجية تطبيقها، حيث تتطلب الحنكة وحسن الاختيار وقبول المهمة من طرف أشخاص أهل لهذه المسؤولية.
فالتنظيم الجيد يبدأ من الأحياء وبناء مجلس في كل بلديات الوطن يضم خيرة أبناء هذه البلديات يختارهم أبناؤهم بكل ثقة وموضوعية وشفافية. ليتكون بعدها مجالس ولائية ومجلس وطني تكون من زبدة الشعب (وعي وحنكة ومبادئ لا تباع ولا تشترى) عندها سيكون للشعب فرصته لتكريس رغبته في التغيير وتفعيل المادتين 07 و08 حقاً، لأنه يمتلك فرصة لبناء نظام جديد، دولة جزائرية ديمقراطية شعبية، أول نوفمبر/تشرين الثاني هو مبدأها والديمقراطية هي منهجها، واختيار الشعب هو ما يحكمها، ويسيرها.
كما يجب التذكير بأن حرية الشعب تُبنى بالمبادئ، لا بالأشخاص، لذا فمن يريد العيش في دولة قوية عليه أن يتخلص من رموز الفساد "الشيتة" وعبادة الأشخاص، أو جعل من مهما كان اسمه أو صفته إلهاً يُعبد في هذا الوطن من دون الخالق، فإن عمل بإخلاص فهو واجبه قبل كل شيء نشكره عليه، وإن تقاعس عن عمله وخان أمانة الشعب فالقضاء يتكلف به.
وبذكر القضاء، فاستقلاليته تعني العدالة ولا يمكن الحصول على دولة حقيقية دون توفر العدالة؛ لأن احترام القانون من طرف الجميع هو الضمان الوحيد لعدم الاعتداء على حقوق الآخرين.
هذه الأحلام المشروعة تلزمها منهجية واضحة المعالم، ومطالب شعبية موحدة، وترسيخ مبدأ الأخوَّة بين أبناء الشعب والابتعاد عن رموز التشتت والتفرقة، فلا يهم ثورة اليوم أصول الشعب المختلفة ولا أعراقه، ولا لهجاته، ولا مناطقه، ولا توجهاته الفكرية أو السياسية، وليكن التفكير وطنياً بحتاً محترماً لمبادئ الثورة النوفمبرية وميثاقها أول نوفمبر، وليكن ميثاق أول نوفمبر قانون الثورة الشعبية والنشيد الوطني نشيدها. وليكن اختلاف الرأي ثورة فكرية وليس عداوة شخصية بين أبناء الأمة، ومن يريد التخلص من العبودية فعلاً فعليه ألا يشارك في صناعة الأصنام، ولا يقبل عبادة مخلوق دون الخالق سبحانه وتعالى.
كما يجب على أفراد الشعب ممارسة الديمقراطية في حياتهم اليومية؛ لكي يستطيعوا تحقيقها في الوطن. ويجب التذكير دوماً بواجب الحفاظ على سلمية الحراك، وحجمه الغفير، فالسلمية هي وسيلة نجاحه وإن طالت، وحجمه هو الضامن الأكبر لمواصلته لتحقيق المبتغى.
وفي الأخير أتمنى أن يصل الحراك الشعبي إلى النجاح الحقيقي لإرساء مبادئ الديمقراطية وتجسيد مبدأ من الشعب وإلى الشعب حقيقة على أرض الواقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.