تسببت الهجمات الإرهابية المؤسفة التي وقعت في أحد القيامة، الشهر الماضي، وحصدت أرواح 253 شخصاً وخلَّفت وراءها 500 مصاب، في زعزعة السريلانكيين وأشقائهم وشقيقاتهم من جميع أنحاء العالم.
أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مسؤوليته عن الهجمات، ونفذتها جماعة التوحيد الوطنية، وهي جماعة متطرفة غير معروفة سارت على النقيض تماماً من العقيدة والشريعة التي يزعمون أنهم جزءٌ منها.
ونظراً إلى أني بريطانية سريلانكية مسلمة، فإنني أقف متحدة تعاطفاً مع ضحايا هذه المأساة، وأرغب في اعتقال مرتكبي الهجوم ومحاكمتهم على الأذى الذي ألحقوه بأبناء كثير من المجتمعات المتعددة.
تأتي أفعال هؤلاء المتطرفين على النقيض تماماً من تعاليم الإسلام، وهو دين يدعو إلى السلام والوحدة، بل إن الإسلام يدعو في الواقع إلى حماية المسيحيين وأماكن عبادتهم. أدان المسلمون حول العالم هذه الهجمات إدانة شديدة، ويريدون أن يمتد نطاق دعمهم ليتسع المجتمع السريلانكي كله.
ولكن بعد مرور أسبوع ونصف من الهجمات، يخشى كثير من المسلمين السريلانكيين الآن حتى التفكير في الوقوف خارج منازلهم، بالرغم من رغبتهم في دعم المجتمع الذي يحزنون عليه كلهم.
لم تغادر عائلتي منازلها منذ الأحد الماضي، خوفاً من ردة الفعل العنيفة. ولم يعد بعض من أبناء عمومتي إلى العمل، ولم يرسلوا أبناءهم إلى المدارس، وأغلق آخرون من أفراد العائلة أعمالهم التجارية؛ خوفاً من توبيخهم على الهجمات التي لم تكن لهم أي علاقة بها، ويُدينونها بشدة.
يخشى كثير من المسلمين السريلانكيين من الانتقام منهم، في ظل ظهور تقارير تفيد بأن بعض الأعمال التجارية للمسلمين أُضرمت فيها النيران وتعرَّضت للتخريب انتقاماً مما حدث. أحد العامة الذين ينشرون المشاعر المعادية للمسلمين اقترب من عمي بعد أن فتح دكانه لمدة وجيزة. ومنذ ذلك الحين، أغلق الدكان وآثر البقاء في المنزل.
ولأول مرة منذ أعوام، أُغلقت المساجد وقت صلاة الجمعة، ولا يشعر المسلمون بالأمان الكافي للذهاب إليها. وقد نُصحوا بأن يبقوا بعيدين عن المساجد في الوقت الذي لا يزال فيه الإرهابيون طلقاء.
وما يحبط كثيراً من السريلانكيين، معرفة أن جمعية علماء سريلانكا، وهي أكبر هيئة إسلامية في سريلانكا، قدَّمت إلى الحكومة في يناير/كانون الثاني 2019، تقارير عن جماعة التوحيد الوطنية، وطالبت باعتقال الجماعة، لكن دعواتها ذهبت أدراج الرياح.
وفي حديثه خلال اجتماع القادة السياسيين والدينيين في البرلمان السريلانكي، قال الشيخ مفتي رزوي، رئيس جمعية علماء سريلانكا، إنه قدَّم جميع المعلومات بشأن العلاقات المحتملة لإرهابيي داعش في سريلانكا، وصرَّح:
"طالبت بإلقاء القبض عليهم. غير أنهم أخبروني أنهم سوف يقبضون عليهم لإعادة التأهيل، ولكن لم يحدث شيء. كنت أول شخص يكشف عن وجود إرهابيي داعش في سريلانكا منذ عام 2014".
وإذا كان هذا حقيقياً، فلماذا لم يُلق القبض على المشتبه فيهم عندما انتبهت لهم الاستخبارات السريلانكية؟
ولماذا لم يُفعل أي شيء حول هذه المجموعات، إذا كانت جمعية علماء سريلانكا حذرت السلطات مرات عديدة من هذا التهديد؟ حتى إن مُذكرة أُرسلت إلى الشرطة حول اشتباه تعرض الكنائس لهجوم. المسلمون الذين سمعوا عن هذه الجماعة أبلغوهم وأكدوا أنهم لا علاقة لهم بالإسلام، وأنهم عازمون على التسبب في انقسامات في المجتمع.
وتبقى كثير من الأسئلة بغير إجابة، وهي على سبيل المثال: ماذا إذا تحركت السلطات استناداً إلى المعلومات المُقدمة إليها، وما إذا كان من الممكن تجنب هذه المأساة.
طالبت سريلانكا بمنع النقاب كلياً هذا الأسبوع، وأصدرت جمعية علماء سريلانكا نصيحة مشابهة إلى المسلمات بإزالة النقاب عندما تقتضي الضرورة الأمنية، لكن المسلمين سوف يواجهون بلا شك مزيداً من التدقيق بسبب السمت الإسلامي، وثمة مخاوف من تصاعد الشعور المعادي للمسلمين مرة أخرى. ومن المؤكد أن منع النقاب من دون تفكير يحمل مخاطر وصم النساء المسلمات بلا ضرورة.
أُطلقت نداءات السلام والوئام عن طريق الزعماء الدينيين، مثل رئيس أساقفة كولومبو الكاردينال مالكولم رانجيث. تبرع البوذيون، والهندوس، والمسيحيون، والمسلمون بالدم، ونُظمت مسيرات ووقفات سلمية، ودعا بعض المسلمين السريلانكيين المسيحيين ليُصلُّوا في مساجدهم، ورفعوا لافتات تقول: "نقف ضد التطرف والإرهاب".
يحتاج مجتمعنا هذه الأفعال في أعقاب مثل هذه المأساة، فالإرهاب لا دين له، ويجب علينا ألا نسمح بأن يكون له دين. وقد حان الوقت الآن لأن نجتمع في سلام ووحدة، ونتأكد أننا لن نسمح للإرهابيين أبداً أن ينجحوا في إحداث الانقسام بين المجتمعات المسالمة في سريلانكا.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع LobeLog الأمريكي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.