من العاصمة الأمريكية واشنطن، أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن الجانب الروسي حدَّد يونيو/حزيران المقبل، موعداً لتسليم منظومة الصواريخ "إس 400" إلى تركيا، بعد أن كان موعد التسليم في يوليو/تموز، وقد قال أكار ذلك في لقائه مع عدد من الصحفيين في العاصمة الأمريكية واشنطن، على هامش مشاركته في المؤتمر السنوي المشترك الـ37 لمجلس الأعمال التركي الأمريكي، والمجلس التركي الأمريكي، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد بعد لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفس هذه التصريحات.
ما هو نظام إس 400 الدفاعي؟
أس 400 هو نظام شبيه بنظام باتريوت الأمريكي للدفاع الجوي، الذي تمتلكه العديد من الدول الغربية. وإس 400 هو نظام متنقل للدفاع الجوي قادر على كشف الأهداف الجوية على بعد 400 كم، والتصدي لــ80 هدفاً منها في وقت واحد، عن طريق توجيه صاروخين أرض- جو لكل هدف. دخل هذا النظام الذي يُعرف في الغرب باسم Growler SA-21 الخدمة الفعلية في روسيا عام 2007. ويعود البدء بتطويره اعتماداً على النظام الذي سبقه، إس 300، خلال ثمانينيات القرن الماضي، وخضع النظام للاختبار العملي عام 2004، حيث تصدى لصاروخ بالستي بنجاح.
وتبلغ سرعة الصاروخ 4.8 كم في الثانية، وهو قادر على الوصول لأهداف على ارتفاع 30 كم، والتصدي للطائرات والصواريخ البالستية، والصواريخ المتوسطة المدى، والطائرات المسيَّرة، وغيرها من أنظمة الاستطلاع الجوية. وقد نشرت روسيا هذا النظام في عدد من المناطق في روسيا وقاعدة حميميم الجوية الروسية على الساحل السوري، كما وردت أنباء عن نشره مؤخراً وسط سوريا، ويوجد الكثير من الدول المهتمة بشراء المنظومة.
ويقول الخبراء العسكريون إن نظامي أس 400 وأس 300 فعَّالان جداً في التصدي لكل الطائرات والمقاتلات من الجيل الرابع، مثل إف 15 وأف 16 وأف 18. والطائرات الوحيدة القادرة على العمل في مجال عمليات إس 400 وإس 300 هي طائرات الجيل المقبل، مثل طائرة الشبح إف 35 وإف 22، والقاذفة بي 2 التي لا تكشفها أجهزة الرادار.
لماذا تحتاج تركيا منظومة إس 400؟
تحتاج تركيا لمنظومة دفاعية تحمي أراضيها من الصواريخ ذات التقنية الفائقة، ومن أي عملية هجوم جوي، ولهذا هي بحاجة لمنظومة ذات رادار خاص، كما أن تركيا التي كانت حدودها الجنوبية تشهد توتراً عالياً بسبب وجود قوات أجنبية لروسيا وإيران وغيرها والعداء مع النظام السوري، وقد دخلت تركيا في مفاوضات مع الصين للحصول على منظومة دفاعية أقل من إس 400، لكنها وصلت لطريق مسدود ثم اتجهت لدول الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة، وقد شعرت بالإحباط من سلوك الناتو عندما توترت الأجواء بينها وبين روسيا على خلفية إسقاط تركيا لطائرة سوخوي روسية، اخترقت الأجواء التركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حيث لم تتجاوب أي دولة من دول الناتو، وقد جاء هذا تراكماً على الإحباط الموجود سابقاً بعد أن قامت إدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" بسحب منظومات باتريوت من تركيا، في وقت كانت أنقرة تشعر فيه بتهديدات بالغة من توسع الحرب في سوريا ووجود تنظيمي "داعش" و "ب ي د" وتنظيمات إرهابية الأخرى.
ومن جهة أخرى فإن دول الناتو تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر إقامة دولة كردية على حدود تركيا الجنوبية، ولهذا قرَّرت تركيا التوجه إلى روسيا، التي قدَّمت لتركيا مزايا الإنتاج المشترك ونقل التكنولوجيا والسعر المناسب والتسليم في توقيت مناسب، ومن ناحية أخرى تحتاج تركيا لهذه المنظومة لزيادة إمكاناتها، في ظل تزايد المنافسة في منطقة شرق المتوسط، خاصة في الصراع على الموارد الغازية والبترولية، مع كل من اليونان وإسرائيل وغيرها، حيث تمتلك هذه الدول منظومات دفاعية وهجومية قوية.
لماذا فضلت تركيا إس 400 على باتريوت والمنظومة الصينية؟
توجد الكثير من الخلافات بين تركيا وروسيا، ولم يكن خيار تركيا الأول هو إس 400، فالخيار الأول هو الباتريوت، لكن واشنطن لم تلب شروط تركيا التي تريدها من حيث التكنولوجيا والسعر وغيرها، أما الصين فقد كانت خياراً ثانياً، ولكن أيضاً لم يكن بجودة باتريوت أو إس 400، ولذلك مع وقوع العديد من التطورات الإقليمية مثل الانقلاب الفاشل في تركيا، وتفهم روسيا لمصالح تركيا الأمنية في شمالي سوريا، وتقديم موسكو لتركيا عرضاً يحتوي على كافة ما تريده في المنظومة الدفاعية، قرَّرت تركيا المضي في هذه الصفقة، خاصة في ظلِّ تنكُّر واشنطن ومماطلتها.
وتنشط تركيا في التصنيع العسكري محلياً، وتريد الاستفادة من نقل التكنولوجيا الروسية، لتوظيف ذلك في مشاريعها الخاصة، ولعل هذا من أهم الأسباب التي تضايق واشنطن، وليس التعارض بين الأنظمة أو التعاون مع دول من خارج الناتو.
هل يتعارض نظام إس 400 مع نظام الناتو وطائرات إف 35؟
ترى تركيا أن نظام إس 400 لا يتعارض مع نظام الناتو، وأن اليونان كدولة في حلف الناتو تمتلك نظام إس 300، ولا يوجد من يعترض على ذلك، ولم يحدث أي تعارض بين المنظومتين، ومن ناحية أخرى تستدل تركيا أن طائرات إف 35 التي تهدد واشنطن بعدم تسليمها لتركيا بسبب صفقة إس 400 لا تتعارض مع المنظومة، وتستدل أيضاً بأن طائرات إف 35 الإسرائيلية تحلق في الأجواء السورية، في ظلِّ وجود نظام إس 400 الروسي، دون أن يكون هناك أي انتقال لبيانات حساسة لروسيا.
هل يعني إتمام صفقة إس 400 إنهاء صفقة باتريوت مع واشنطن؟
ما زالت تركيا تريد منظومة باتريوت؛ لأنها تؤمّن لها منظومة دفاع صاروخي لا تستطيع أن تؤمنها إس 400، كما أن تركيا لا تمانع في وجود المنظومتين، كما تسعى لإقناع واشنطن بقبول وجود منظومة إس 400، ولا يزال الحوار مستمراً مع إدارة ترامب، حيث عبَّر وزير الخزانة التركي بيرات البيرق عن هذا الحوار في لقائه مع ترامب، من خلال تصريحه أن ترامب أبدى موقفاً منطقياً، فيما يتعلق بحصول تركيا على إس 400 من روسيا. ويبدو أن تركيا تعتمد على عدم تأثير إس 400 على طائرات إف 35، حيث دعا وزير الدفاع التركي أكار لتشكيل لجنة من الخبراء والمختصين، لدراسة ما إذا كانت المنظومة الروسية "إس 400" ستؤثر على عمل مقاتلات "إف 35″، كما قال أكار: "تلقَّينا عرضاً من الجانب الأمريكي، وشروط تركيا معروفة في هذا الشأن، وهناك حوار مكثَّف يجري حالياً حول إمكانية إبرام صفقة لشراء هذه المنظومة".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.