تعرف الدراما المسرحية نوعاً من الفن اسمه مسرحية الفصل الواحد أو ما يُعرف بالإنجليزية (One act play). يتميز هذا الفن من المسرحيات بأنه يساعد على التركيز وعلى الاختصار وعلى قول الشيء المهم فقط دون التورط أو الإطالة والوقوع في التكرار، وهذا النوع من المسرحيات هو اللون المفضل لدى العسكر بشتى أصقاع الأرض، لا سيما في وطننا العربي.
إذ إن مسرحية الفصل الواحد تتيح لهم إنجاز مهامهم في أقرب وقت ممكن، للوصول إلى الحكم والإطاحة بآمال الشعوب دون إطالة أو ملل، وهي تشبه كثيراً النظرية العسكرية التي صدَّرها رئيس أركان الجيش الأمريكي، كولن باول، إبان غزو العراق والتي تعتمد على القوة النيرانية المكثفة لاستهداف نقاط القوة لدى الخصم، بالتزامن مع استهداف القيادة السياسية، لتحقيق نصر حاسم وسريع.
هذه النظرية التي استخدمها الانقلابيون في مصر بشلِّ مفاصل الدولة مع استهداف الإعلام والسياسيين والمؤسسات الدستورية، للتخلص من النظام الدستوري في ضربة واحدة موجعة لا يستطيع الثوار الإفاقة منها، وهي النظرية نفسها التي يستخدمها كل الانقلابيين بالعالم الثالث، في جزر القمر على يد "عثمان غزالي" الذي يحكم منذ انقلابه في 1997 وحتى اليوم؛ و"معلم باكاي" في غينيا بيساو بعد انقلابه في 1999؛ وبساحل العاج عام 2000 لتولية الجنرال وطرا الذي يحكم من وقتها، ولا يبدو أن شيئاً سيزحزحه إلا القدر؛ وأخيراً في مصر على يد وزير الدفاع في 2013، والذي يسعى الآن إلى تعديل الدستور ليحكم إلى 2034.
غالباً ما يفترض الطغاة أمثال "البشير" أنهم قادرون على البقاء في سدة الحكم، بغض النظر عن رأي الشارع، كما يعتقد من ينقلبون على الدكتاتور أنهم قادرون على خداع الشعب إلى الأبد، مستغلين في ذلك الكلمات المعسولة أو دغدغة المشاعر أو استدعاء صفحات مضيئة من تاريخ الانقلابات، وهي نادرة، كاستدعاء عسكر السودان سيرة خالد الذكر "سوار الذهب"، للتدثر بثياب الشرفاء وإخفاء ما سرقوا، وتسكين ضمير الشعب المنتفض.
لكن الشعب السوداني، المثقف والسياسي بطبعه، تعلَّم الدرس وقرأ التاريخ جيداً، ولن يسمح بتمرير مثل هذه المسرحيات ذات الفصل الواحد، ليمرروا سيناريو جديداً لمسرحية الانقلابات التي يتقن إخراجها العسكر، بتنازل قائد الانقلاب إلى وجه جديد يناور به الانقلابيون للسيطرة، بحكم امتلاكهم القوة التي وهبها لهم الشعب من دمائهم، لينقلبوا على إرادته في أول منعطف؛ ومن ثم لن يسمح بتمرير مسرحية الفترة الانتقالية وعاميها.
وعليه يجب أن يتعلم الانقلابيون أن المسرحية لن يجلس أحد ليشاهدها؛ فالجماهير ستظل في الشوارع، وعلى من يبذل من أجل إخراج هذه المسرحية أن يعلم أن أمواله ضائعة على مشروع فاشل، وعلى مثل هؤلاء المستبدين أن ينظروا إلى ما حدث في السودان بعين أخرى، حيث بدأت الاحتجاجات ضد البؤس الاقتصادي وأثارها الاستياء من الفساد والغطرسة واللامبالاة من جانب البشير وأتباعه، وداعميه إقليمياً أو دولياً، ليعلموا ان الأمر تعدى الجوع إلى حالة البؤس والهوان التي تعيشها الشعوب، وعلى الغرب أن ينظر إلى أن مصالحه الحقيقية مع الشعوب لا الديكتاتورية، وعلى ترامب تحديداً أن يعي درساً أيضاً، مفاده أن ما حدث في الجزائر والسودان يدل على أنَّ دعم إدارته الأعمى للمستبدين العرب الآخرين، ومن ضمنهم عبدالفتاح السيسي في مصر ومحمد بن سلمان بالسعودية، رهان خاسر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.