تحظى مشكلة البطالة باهتمام رئيسي متصاعد في المجتمع الفلسطيني، فالشباب في غزة أصبح لا يتحمل الظروف القاسية، فمن حقه أن يطلب الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة أسوة بالشباب العربي، فالحق في العمل متطلب أساسي في الحياة الكريمة، وما زالت الحكومات المتعاقبة والوزارات تلتزم الوعود فحسب، دونما أي تحريك لعجلة التنمية والاقتصاد المحلي والاهتمام بالخريجين الشباب، وتظهر المشكلة بقوة في تضاعف أعداد الخريجين بمختلف تخصصاتهم في الجامعات الفلسطينية، مقارنة بالاحتياجات الفعلية البسيطة حالياً، مما أوجد فرقاً تراكمياً في أعدادهم يتزايد يوماً بعد يوم، ويتضاعف بمرور الوقت.
ولقد بدأت مشكلة البطالة في التصاعد في ظل الانقسام الفلسطيني، وانسداد أفق الحلول السياسية، وبناءً عليه تعد مشكلة البطالة من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع الفلسطيني على الإطلاق؛ نظراً للانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدي إلى العديد من النتائج والأزمات مثل انتشار الجرائم، وهدر موارد اقتصادية بالغة الأهمية.
إن البطالة حينما تتفاقم فإنها تجرّ في أذيالها كثيراً من الخسائر والآلام، وسواء تعلق الأمن بالفرد المتعطل أو بالاقتصاد المحلي، فعلى صعيد الشباب لا يخفى أن البطالة تؤدي إلى افتقاد الأمن الاقتصادي لديهم، بحيث يفقد العاطل دخله الأساسي مما يعرضه للحرمان والفقر هو وأسرته ويجعله يعيش في حالة يفتقد فيها الاطمئنان على يومه وغده، ولا ننسى المعاناة الاجتماعية والعائلية والنفسية التي تنجم عن البطالة، وما يرافقها من حرمان ومعاناة كثيرة مما يدفع الفرد أن يصاب بالاكتئاب والاغتراب، وربما يدفعه إلى ممارسة العنف والجريمة والتطرف.
كما أن تدهور مستوى المعيشة الذي يرافق حالة البطالة عادة ما يؤدي إلى سوء الأحوال للعاطل ومن يعولهم، ومن ثم إلى احتمال ارتفاع حالات الوفاة المبكرة، وهذا معناه أن هناك آثاراً للتغيرات الاقتصادية في الصحة العامة والحياة الاجتماعية، حيث إن زيادة معدل البطالة غالباً ما يؤدي إلى تدهور عام في الصحة الجسدية والعقلية وإلى خفض متوسط عمر الإنسان.
ومن الملاحظ اليوم أن مشكلة البطالة أصبحت إحدى حقائق الواقع المعاش في غزة، ومن أخطر المشاكل التي تؤرق أطياف المجتمع والإعلام المحلي خصوصاً، بل أصبحت حديث السكان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما لا تكاد تخلو أية وسيلة من وسائل الأعلام المكتوب والمرئي من طرحٍ لهذا الموضوع، ولا يخلو أي خطاب سياسي أو منتدى فكري من تناولها بأشكال مختلفة.
وعلى أي حال فإن صناع القرار من كافة الجهات يعتقدون أن الخروج من كارثة البطالة ليس سهلاً، وأن ذلك ربما سيأخذ وقتاً طويلاً، لا سيما في ظل تدهور الظروف، مما يتطلب من قبل القيادة السياسية وصناع القرار ومختلف مؤسسات المجتمع المدني أن ترتقي لدرجة الوعي الحقيقي المدرك لأوجاع الشباب الفلسطيني، عبر وضع برامج فاعلة للخروج من هذه الكارثة، وبلورة واضحة لسياسات فاعلة على طريق هذا الهدف.
لم يعد يحتمل الشباب الفلسطيني الوعود والأمنيات، لقد ضاقت به مساحات غزة فوق حصارها المستمر، الذي يستدعي من الحكومة والرئاسة والفصائل الفلسطينية والجامعات والمؤسسات الاقتصادية والمجتمع المدني والجهات الفاعلة أن تقوم مجتمعة على تبني استراتيجية التنمية المستدامة المقترحة، وتطبيق السياسات اللازمة لذلك. إن الشباب الفلسطيني في غزة يستطيع أن يحقق المعجزات الاقتصادية، إذا تم استغلال هذه الثروة البشرية المبدعة، وتوفر لها مقومات الحياة الكريمة، وسبل التطور، أسوة بالدول التي استندت على العنصر البشري الوافر في تحقيق انطلاقها الاقتصادي، وبناء تقدمها الاجتماعي.
إننا اليوم أمام لحظات حرجة، ولا يمكن تجاهلها أبداً، فالحديث يدور عن الثروة الهائلة للمجتمع الفلسطيني، يجب وبأسرع وقت تدارك كارثة تدمير مستقبل الشباب الفلسطيني بغزة، لا بد من إنشاء جهاز كامل يختص بمكافحة البطالة، يعمل على حل المشكلات الاجتماعية المتمثلة في البطالة في إطار اقتصادي قابل للاستمرار والنمو، وذلك بخلق فرص عمل وبرامج تشغيل مستمرة ودائمة، وتمويل مشروعات صغيرة للعاطلين عن العمل، من أجل خلق فرص حقيقية، مع تفعيل دائرة الصندوق الاجتماعي في إطار رؤية إنمائية للمجتمع.
ويأتي المسار الأهم وهو المسار الاستراتيجي طويل الأمد، والذي هو تصور تنموي بعيد المدى، يهدف إلى تأسيس بنية تحتية جديدة، وشبكة متكاملة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، حتى تستوعب نسبة كبيرة من الخريجين لسوق العمل كل عام، والاستراتيجية في المدى البعيد تسعى لرفد البنيان الاقتصادي بكفاءات أعمال علمية جديدة، وتوسيع المشاريع الجديدة والقائمة باتجاه يؤسس لمجتمع تشغيل أفضل للموارد البشرية والمادية، ويتحقق هذا النسيج من خلال خطة ربط بين التصور المرحلي والتصور الاستراتيجي مدعومة بمنهجية للتمويل، وعلى أسس تراعي بناء القدرات المستمرة للشباب والمؤسسات بما فيها المساندة في التدريب والإعلام والتأهيل والبحث والتطوير والتحديث.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.