10 أمور تميز بها حراك الجزائر عن باقي الشعوب العربية

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/13 الساعة 16:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/22 الساعة 08:07 بتوقيت غرينتش
كل أطياف البلاد اتحدت رغم اختلاف الانتماء السياسي والأيديولوجي

يختلف الحراك الشعبي الذي تعيشه الجزائر الآن، في حيثياته وظروفه وأساليبه عما حصل في عدد من الدول العربية، فهذا الحراك المقدس، قدم للعالم درساً جديداً لم تسبق إليه مدارس الشعوب الأخرى، رغم أن السلطة عادة في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ما تكون خريجة لمدارس الأنظمة البالية، وفي المحصلة لا تستفيق حتى يفوتها الركب، أو تدوسها حوافره، فالبقاء دائماً للشعوب.

فليس هناك تماهٍ كامل بين تجارب مختلف الحركات الاحتجاجية، إذ إن للمجتمع الجزائري خصوصياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فضلاً عن طبيعة النظام الحاكم، وأساليب مواجهته لمطالب شعبه، وهذا لا ينفي وجود قواسم مشتركة بين مختلف تجارب الحراك الشعبي.

وأحاول في هذا العرض المختصر استجلاء محورين أساسيين، أولاً أبرز سمات وخصائص الحراك الجزائري، ثم أختم باستشراف مآلاته وآفاقه.

ويمكن تصنيف هذه الخصائص كما يلي:

1. سلمية الحراك

تميز الحراك الجزائري بطابعه السلمي، الذي عبر عن نضج المجتمع الجزائري، وثقافة المواطنة العالية لدى الشعب الجزائري، من خلال دعوات المحافظة على الطابع الإنساني والسلمي للحراك الشعبي، والاستمرار في تقديم الورود لرجال الشرطة والأمن، بل حتى حمايتهم لإثبات أن الجزائريين لم يخرجوا لشوارع البلاد بهدف التخريب، وإنما من أجل رفض العهدة الخامسة وتغيير النظام الذي "شاخ" حسب اعتقادهم.

2. مشاركة فئات المجتمع الجزائري المختلفة

إن ما ميز الحراك الجزائري، هو المشاركة النوعية، لكل فئات المجتمع الجزائري المختلفة، سواء تعلق الأمر بامرأة أو رجل أو شاب أو طفل أو مسن.

وقد برز دور المرأة الجزائرية في هذا الحراك، وهو ما كسر الصورة النمطية التي اعتاد عليها الجزائري، على اعتبار أن المرأة مكانها في مساحات معروفة ومغلقة.. وهذا ما يدفع نحو تأسيس للفعل الديمقراطي في المجتمع الجزائري وحق الجميع سواء كان رجلاً أو امرأة في التعبير.

3. اتحاد كل أطياف البلاد رغم اختلاف الانتماء السياسي والأيديولوجي

ضرب الحراك الجزائري أروع مثال في التحام غالبية أبناء البلد الواحد، واصطفافهم تحت شعار موحد، وهو رفض العهدة الخامسة، وهذا ما منح الحراك زخماً وقوة.

وكي يحافظ الحراك على زخمه، يجب عدم الالتفات إلى من يحاول تسليط الضوء على التناقضات، أو الاختلافات بين أبناء الشعب، حتى يتفرق الحراك ويضيع الهدف.

4. فخامة الشعب.. عفوية وارتجال

لم ينتسب هذا الحراك الشعبي الذي شمل كافة ربوع البلاد، إلى أي جهة حزبية، بل بالعكس سبق كل الأحزاب بخطوات كبيرة، مما اضطرها للحاق به، لكنّ غياب التأطير السياسي من شأنه أن يشكل نقطة ضعف، قد تؤثر في قوة المطالب، وتحول دون الوصول إلى أهداف الملايين التي خرجت للشارع.

5. غياب نخبة تقود الحراك

إن غياب نخبة تقود الحراك تُشكل نقطة قوة، على خلاف ما يدعو له البعض، بضرورة تشكيل قيادة للحراك، فغياب قادة يسيّرون الفورة الشعبية ضد النظام، يجعل من الصعب اختراقه عن طريق الاستقطاب، لخدمة أجندات أخرى غير تلك التي خرج الجزائريون من أجلها.

لا بد أن ننوه إلى ضرورة التفريق بين تأطير الحراك وهو مطلب وضرورة، وقيادة الحراك الذي قد يخلق انقساماً ويشتت الحراك عن هدفه.

 

6. التوظيف المكثف والذكي لوسائل التواصل الاجتماعي

كان لإعلان ترشح عبدالعزيز بوتفليقة، لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية، وقع الصدمة في الجزائر، ما خلق حالة غضب بين صفوف الشعب؛ حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تغطية للأحداث، وأطلقت دعوات التظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي عبر الهاشتاغ #حراك_22_فيفري، #لا_للعهدة_الخامسة.

حراك بدأ افتراضياً على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم انتقل إلى احتجاجات ميدانية عارمة رافضة، كما أن غياب تغطية إعلامية محليّة للاحتجاجات، وتجاهل القنوات العموميّة والخاصّة عرض الأخبار المتعلقة بالاحتجاجات، بل تحريف بعض القنوات الإعلامية الغاية من نزول الناس إلى الشوارع، والادعاء بأنها مسيرات "من أجل التغيير والإصلاح" رغم أنها كانت مسيرات ضد "العهدة الخامسة" هو نفسه الأمر الذي دفع بالعديد من المشاركين في المسيرات بنشر مقاطع فيديو توّثق مباشرة كل ما يحدث في الشارع الجزائري بأنفسهم.

7. الحل جزائري ولا للتدخل الأجنبي

عبّر المشاركون في الحراك الشعبي، عن رفضهم التدخل الأجنبي، مطالبين بإبقاء الحل جزائرياً، وفق ما تقتضيه مصلحة الشعب، ومقاربات الشارع الجزائري الذي أصبح جماهيرياً ونخبوياً، يتزايد يوماً بعد يوم بشكل سلمي مما فوت على الأجندات الخارجية استغلاله.

مآلات وآفاق الحراك الشعبي

رغم أن الحراك الشعبي قد أجبر السلطات الجزائرية، على الاعتراف بقوته وسلميته، فإنه لم ينجح حتى الآن في تحقيق هدفه الرئيسي، المتمثل بتراجع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، المنتهية ولايته عن الترشح لولاية خامسة، وتغيير النظام.

– سيناريو تأجيل الانتخابات.. مطلب الشعب والمعارضة

رغم أن هذا السيناريو يبدو عملياً وحتى سهلاً، إلا أنه يصطدم بعدة عوائق، تتمثل في أن هنالك تشبثاً دوغمائياً في النظام السياسي الجزائري، بقدسية إجراء الانتخابات في موعدها.

وكذلك في التأجيل المؤقت، الذي يحتم أسئلة من قبيل: إلى متى؟ وهل النظام لديه بديل لبوتفليقة بعد هذا التأجيل؟

كما أن المـادة 102 من الدستور، ورغم المطالب الشعبية وحتى من المعارضة الجزائرية بـ "إعلان حالة شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب الوضع الصحي لبوتفليقة وتأجيل الانتخابات"، عبر تفعيل هذه المادة؛ إلا أن تنفيذ هذا البند الدستوري يُعد مجازفة بالنسبة للسلطة، فإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية أمر ترفضه السلطة كلياً، كما أن عدم توفر بديل سياسي من طرف السلطة، ومدة التأجيل من الناحية القانونية قصيرة جداً، وتجنب المؤسسة العسكرية والمجلس الدستوري (التابع للرئاسة) الخوض في هذه المسألة، يجعل من هذا السيناريو غير واقعي.

وبخلاف المادة 102، فإن تأجيل الانتخابات يحتاج إلى أرضية قانونية تُشرعن هذا التأجيل، وهو غير متوفر الآن إلا في حال فرضت حالة الطوارئ (المادة 105، المادة 107).

إلا أن استمرار الغياب الإعلامي للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، وفي وجود حراك شعبي ضخم مستمر، يُضعف موقف السلطة ويجعلها في حرج محلي ودولي، ويفرض على صناع القرار في الجزائر البحث عن مخرج سياسي مقبول، للتنازل عن ملف ترشيح عبدالعزيز بوتفليقة، وخروج مشرف للرئيس.

– سيناريو إجراء الانتخابات الرئاسية.. أو مطلب السلطة الحاكمة

مع أن الأنظمة معروفة عادةً بعدم التراجع أمام ضغط الشارع إلا أن النظام الجزائري وقع في مأزق لا يُعالَج بالقوّة، ولا بتجاهل المطالب الشعبية، لذا ارتأى الهروب إلى الأمام بـ "نصف تنازل"، فمضى إلى تقديم ترشيح بوتفليقة بالنيابة عنه، نظراً إلى وجوده في جنيف للعلاج، وأعاد صياغة بيان الترشيح متضمّناً عرضَين جديدَين، أولهما إشارته إلى "تغيير النظام"، عبر مؤتمر وطني وتعديلات دستورية، وثانيهما تعهّد (باسم الرئيس)، بالدعوة إلى انتخابات مبكّرة، أي اختصار الولاية الخامسة بمرحلة انتقالية.

ومع إصرار الائتلاف المكون من أربعة أحزاب سياسية ونقابة عمالية وتجمع لرجال المال والأعمال، على العهدة الخامسة، وإعلان الجيش أن الجزائر على أعتاب استحقاق وطني مهم، واستعداده لتأمين الانتخابات؛ فيبدو أن السلطة الجزائرية في طريقها إلى فرض خيارها، وإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، يوم الـ18 من أبريل/نيسان المقبل، رغم موجة الرفض الواسعة، والكلفة السياسية الباهظة.

ووفق هذا السيناريو، فمن شبه المؤكد أن يفوز بوتفليقة بالانتخابات، مهما كانت درجة الطعن فيها، سواء من جهة نزاهتها أو تمثيليتها الحقيقية، بالنظر إلى مقاطعتها المرجحة والواسعة من الناخبين العاديين، ومن قواعد الأحزاب السياسية، أما إصرار معسكر بوتفليقة، وإلحاحه على إجراء الانتخابات، فيفسره مراقبون بتطلع أطراف ذلك المعسكر إلى التفاوض مع خصومهم السياسيين بعد الانتخابات، من موقع قوة استناداً إلى شرعية رئيس منتخب، لا منسحب، ولا منهزم، وهذا قد يضمن لهم استمرار مصالحهم ووجودهم السياسي في الجزائر، بعد رحيل بوتفليقة.

وسواء تم تأجيل الانتخابات، أو إجراؤها في موعدها، فلا بد أن نشيد بالحراك الشعبي السلمي، وحيويته وأهمية استمراريته في الحياة السياسية في الجزائر، والعمل على تأطيره سياسياً، فهو الضامن الوحيد لتحقيق تطلعات الشعب وحماية حقوقهم، وسيشكل عامل ضغط مهماً في عملية الانتقال السياسي.. انتقال سياسي واضح أنه عملية تفاوض بين أطراف ليسوا بالضرورة كلهم ديمقراطيين.. ولكنه انتقال سياسي لا يُقصي أحداً، ويجنب البلاد أي منزلقات تهدد الأمن القومي للبلاد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
صهيب شنوف
مهندس وناشط جزائري
تحميل المزيد