هكذا الصين دائماً تتنفس بالمنافسة وتقفز إلى الخلاصة، فبعد عشرين عاماً من تواجد مقاهي ستاربكس الأمريكية الشهيرة في الصين ونشرها ثقافة القهوة الغربية يسطع منافس قوي يتمدد ويسحب لصالحه كل شيء تدريجياً خلال عام واحد فقط.. وهو مقاهي لوكين الصينية التي بدأت رسمياً في يناير/كانون الثاني 2018، بطموح يسع العالم، فقبل أيام تقدمت لوكين بطلب لثلاثة بنوك عالمية "كريدي سويس وجولدمان ساكس ومورجان ستانلي" لإدارة اكتتاب لها في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين مايو/أيار ويوليو/تموز 2019 في بورصة نيويورك التجارية، ولنا أن نتعرف من خلال النقاط التالية على هذا المنافس الناشىء القادم من بلاد التنين:
أولاً- لأن كل أمريكي يجب أن يكون ضخماً بالقدر الذي يليق به فقد افتتحت ستاربكس أكبر فرع لها بالعالم في مدينة شنغهاي الصينية على مساحة 30 ألف قدم مربع.. بينما فهمت لوكين الرسالة وعمدت على المنافسة عبر محلات صغيرة في قلب أكبر التجمعات السكانية الأكثر كثافة عالمياً في الصين حيث تواجد الطلاب ومجمعات المصانع والأسواق شديدة الاستهلاك وتقديم مبدئي لكافة الخدمات والعروض المجانية لمنتجاتها ذات الجودة المنافسة لستاربكس.
ثانياً- لوكين لديها نحو 2000 فرع في 30 مدينة صينية وتسعى للتفوق بنحو 4500 فرع بنهاية عام 2019 والوصول إلى إجمالي 7000 فرع بحلول عام 2022 في كل أنحاء الصين، بينما ستاربكس التي أشارت إلى تباطؤ أعمالها في الصين خلال العام الماضي لديها 3600 فرع في نحو 140 مدينة صينية وتسعى لإضافة 2100 فرع آخرين بحلول 2020، كما تخشى بالفعل افتراس لوكين لها خلال الثلاث سنوات المقبلة.
ثالثاً- ولأن الكبار يميلون للتعامل مع بعضهم البعض فقد لجأت ستاربكس للتعاون مع علي بابا عملاق التجارة الإلكترونية في الصين، وذلك لرفع وتيرة الطلبات على منتجاتها، بينما لم يهز ذلك لوكين التي تعاونت مع عملاق الإنترنت Tencent الصيني المنافس لعلي بابا، فإعلانات لوكين تستهدف الطبقة المتوسطة فيمكن الحصول على أول كوب قهوة مجاناً، كما تدعم العروض المجانية الخاصة بهواتف هواوي الصينية وفي المقابل لا تهتم لوكين كثيراً بالإعلان عبر هواتف آي فون الأمريكية المستخدمة في الصين.
رابعاً- طلبات ستاربكس في الولايات المتحدة عبر التطبيق الخاص بها تمثل نحو 10 % فقط من إجمالي الطلبات، بينما لا يوجد نظام للدفع النقدي في لوكين في الصين، فكل شيء يتم عبر الإنترنت سواء داخل أو خارج فروع لوكين التي استطاعت في عام واحد فعل ما فعلته ستاربكس في الصين خلال الاثني عشر عاماً الأخيرة!
خامساً- السخرية تظهر في اهتمام لوكين بإبراز علامتها التجارية بأحرف إنجليزية وليست صينية وذلك لدعم فكرة السلامة والجودة التي تميز المنتجات الغربية رغم كون لوكين أصلاً منتج محلي صيني، كما أن أسعار لوكين في الصين أرخص بنحو 30 % من منافستها الأمريكية ستاربكس حيث تكلفة الكوب الواحد للوكين تبدأ بنحو 1.4 $ بينما يبدأ كوب ستاربكس بنحو 2 $
سادساً- لوكين المدعومة من صندوق سنغافورة السيادي سجلت خسائر بنحو 120 مليون $ في عامها الأول 2018، نحو سعيها لثلاثة أشياء وهي إثبات حقها في التواجد والمنافسة والانتشار المكثف في أكبر سوق استهلاكي بالعالم.. وتحقيق قفزات النمو التي تسحق أي منافس غير وطني على الأراضي الصينية والاستحواذ عليه في النهاية.. وهذا من سمات الشركات الناشئة في الدول الكبرى، كما أنها تجربة نجحت بحذافيرها في مجالات كثيرة كان آخرها النقل حين استطاعت ديدي الصينية إزاحة أوبر تماماً من أسواق الصين.
سابعاً- تقييم لوكين الحالي يبلغ نحو 2.2 مليار $ بعد جمع نحو 200 مليون $ من مستثمرين في ديسمبر 2018، وتسعى لرفع تقييمها إلى 3 مليارات $ من أجل إتمام قيدها في بورصة نيويورك الأمريكية حيث موطن ستاربكس وعيون وقلوب الاستثمار الأجنبي في العالم بعيداً عن بورصة هونغ كونغ التي تشترط في قيدها للشركات بيانات مالية لثلاث سنوات سابقة.
ختاماً: احتمالات اكتساح لوكين لستاربكس عالية جداً لعدة أسباب، بداية من فهم جيد جداً لأساسيات السوق الصيني ومزج ذلك مع تطويع كامل للتكنولوجيا في تقديم المنتجات، مروراً بنمو الولاء التجاري الذي بات جزءاً أصيلاً من الولاء الوطني في الصين، وصولاً إلى الساحة العالمية التي تشهد بصمات كل ما هو صيني على متسع فيها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.