رحلت إيمان، صغيرتي المدللة، رحلت بصمت وهدوء، أيُّ قلب يتسع لهذا الحزن الكبير، صرتُ الآن وحيدةً بعد أن فارقتني لتلتحق بوالدها الذي رحل منذ عامين، كانت صدمةً لي وأنا أنثى بالعشرين أن أفقد زوجي ذا الخامسة والعشرين، عشت أياماً صعبة جداً وليالي قاسية وأوقاتاً مريرة حتى استعدت قوتي لأُعيّش ابنتي وأعوضها عن فقدان والدها؟
أعوضها؟!
بالتأكيد لا شيء سيعوضها عن والدها.
لكنني حاولت، ضحيت، وتنازلت عن أحلام الطفولة والشباب، كي تعيش في أفضل حال، وجل ما أتمناه الآن أن يذهب كل شيء مقابل أن يعودا.
كلما أتذكر طفلتي أتذكر أنني كنت أُماً لملاك صغير، لأميرة بريئة، كل ما فيها جميل: عيناها.. شعرها.. يداها.. كل شيء يبقى ذكرى، لا شيء أمامي أستطيع ملامسته، لا أستطيع بعد اليوم مداعبتها.
رحلتي عني يا صغيرتي وما زال صوتك الخافت يصل صداه إلى مسامعي، ما زلت أركض إلى سريرك لأحملك بين يديّ، ما زال صدى بكائك يرافقني في كل دقيقة وكل مكان وزمان.
لقد احتواك تراب الأرض باكراً، باكراً جداً يا صغيرتي…
كنتِ بين يديّ، بين ذراعيّ… ما زالت رائحتك تسكن في أنفاسي، وجهك البريء لا يفارق مخيلتي، كنت أرى العالم بعينيكِ الجميلتين، الآن أرى عينيكِ بعيون كل العالم، كل طفل، كل شيء.
منذ رحيلك وأنا لا أعرف النوم، لا أعرف الراحة، وأصبح الاستقرار بالنسبة لي رجلاً غريباً مُحرماً عليَّ، ما زلت أفتقد للأمن والأمان، باتت حياتي بلا استقرار، بلا معنى.
رحيل وراء رحيل، وصدمة وراء صدمة، أيُّ قلبٍ يتسع لهذا الحزن؟
أجيبوني بربّكم، فتاة في العشرينيات فقدت زوجَها وابنتَها، ماذا ينتظرها بعد ذلك؟!
صغيرتي الزهرة البريئة، الشمعة المضيئة رحلت، وفجأة انطفأت هذه الشمعة وذبلت الزهرة وفارقتني السعادة والبهجة التي كانت تملأ حياتي سعادةً وفرحاً.
كيف لكِ يا صغيرتي أن تتركيني وحيدةً تاركة حياتي مليئة بالوحدة والألم والضعف، ها أنا ذات وجه بائس عاجز فاشل قانط، إلا من رحمة الله…
لم أعد أملك سوى الذكريات والدموع والكلمات، حتى كلماتي بلا معنى، بلا فائدة، مهما عبّرت عن حزني وغرّدت بصوتي لا أستطيع أن أعبر عن وجعي، عن انكساري وضعفي.
كل شيء يناديكِ، سريرك وثيابك وحتى عصافير الجنائن تناديكِ… أين أنتِ يا صغيرتي، يا صباحي المشرق، ويا مسائي، يا نوري، يا وجعي، يا سروري، ألم سكن بصدري إلى يوم يبعثون…
رحلت صغيرتي ورحلت معها ضحكات قلبي، وابتسامات روحي، ودموع أحزاني، وأفراحي، وسعادتي وأحلامي… رحلت معها كل التناقضات التي أعرفها، يقيني أننا مازلنا على موعد آخر هناك، ويقيني بعدل الله العادل الرحمن الرحيم ألا يُطيل موعد اللقاء.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.